شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قوة البناء النفسي بين تقدم الغرب و تخلف العرب

قوة البناء النفسي بين تقدم الغرب و تخلف العرب
عند كل مرحلة من النجاح عند الغرب في كثيرا من نواحي الحياة نتحسر نحن ، ليس علي نجاحهم و لكن علي إخفاقنا و تعقد المقارنة بيننا و بينهم ، و عند كل إخفاق عندنا تعاد الآلام من جديد

عند كل مرحلة من النجاح عند الغرب في كثيرا من نواحي الحياة نتحسر نحن ، ليس علي نجاحهم و لكن علي إخفاقنا و تعقد المقارنة بيننا و بينهم ، و عند كل إخفاق عندنا تعاد الآلام من جديد و تعاد نفس الأسئلة و نفس المقارنات ، لاسيما أنها تطرح اليوم آلاف المرات في ظل ثورات قامت بها الشعوب كي تنهض ثم أصبحت كابوسا و ويلا عليهم بدلا من نشلهم من مستنقع الاستبداد و التخلف .

لماذا هم هكذا و نحن مازلنا لا نبارح مكاننا بل و نتقهقر ، و يختلف المتناقشون بين ظواهر و اسباب و دوافع التقدم عند الغرب و التأخر عندنا مابين أنهم منظمين و يحترمون القانون و عندهم عدالة ، أنهم مجتهدون و غير كسالي ، إلي آخر مانسمع وما نطرح من أفكار و تحليلات .

و لكن قليلا من فكر في أصل المشكلة و مبدأها و السبب الذي نشأت منه كل الأسباب الظاهرة لنا و النتائج التي نراها في واقعنا من أين بدأوا وكيف وصلوا .؟

و كان قدراًأن أقع علي تحليل لهذه الظاهرة من سياسي بارع لبيب اللسان ، و قائد ذكي العقل قوي الحجة و صحابي كبير هو عمرو بن العاص رضي الله عنه قدرا وقعت علي هذا الحديث .

 روي مسلم في الصحيح عن المستورد القرشي و كان عند عمرو بن العاص فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

تقوم الساعة والروم أكثر الناس ، فقال له عمرو أبصر ما تقول ؟ 

قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمرو لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: 

إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك .

إنه لم يكثر الكلام و الوصف و التحليل بل أعطي خلاصة الأمر و نهاية النقاش أن كل ما يحققوه و ما يصلوا اليه إنما أتي من صفة واحدة و هي .؟

قوة البناء النفسي ، التي اتصف بها الأفراد و بالتالي اصطبغ بها المجتمع بأسره .

يقول اساتذة علم النفس أن ( القوة النفسية ) و قوة الشخصية تعكسان أخلاق و عادات الفرد عند تعامله مع الضغوط و الأزمات ، و تعكسان أيضا قدرة الفرد علي الحلم و كظم الغيظ ، و عدم الإهتمام بصغائر الأمور ، و أن هناك معيار آخر مهم للقوة النفسية و هو تحمل المسئوليات و تبعات الإختيار و إتخاذ القرار .

و هذا التعريف بعمومه هو مافصله الصحابي الجليل عند الغرب من الصفات التي بنيت عليها نفسيتهم و بالتالي أصبحت سمة مميزة لهم وضعتهم في مقدمة الأمم فهم :-

أولا في الفتنة أصحاب عقول متزنة ( أحلم الناس عند فتنة ) 

فلا تكاد تقع لهم حادثة إلا خرجوا منها بالتفكير القويم قبل أن يخوضوا فيها ( لكل قاعدة شواز ) فما الذي حدث بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر في امريكا ؟ لقد نفدت كل الكتب التي تتحدث عن الإسلام ، و كذلك كل نسخ القرآن الكريم و تفسيره و تاريخ الإسلام و فكره ، لا شك ان واجه المسلمون هجمات فردية و لكنهم في العموم اشتغلوا علي العقل و ضبط النفس قبل الحكم ، ولا يوجد احد منا إلا وقرأ كثيرا عن حالات متعددة ان رجلا مسلما تزوج امرأة من الغرب و دخلت الاسلام بعد ثلاث سنوات لماذا ؟ لأنها كانت تدرس الإسلام .!

بينما يقتل عندنا العشرات علي أن بنت مسيحية أحبت شابا مسلما و تزوجته فيقتل الشاب و البنت تخطفها الكنيسة و ربما تقتلها ، و يذهب ذوو الشاب فيهدمون الكنيسة و يهجرون الأسرة المسيحية من القرية و يقتل عدد من الطرفين و تنتهي بالسجن و شق الصف الإجتماعي ..!

عجيب أن تثور الإتهامات علي فصيل مقاوم يدافع عن وطنه المحتل أنه السبب في سقوط دولة بكامل هيئتها و نظام حكمها و تمتلك الدولة كما من الأجهزة الأمنية و الادهي أن من بيده حماية الدولة و حدودها هو من اتهمها أنها ( حماس ) دخلت في العمق المصري و تعدت العاصمة و فتحت السجون و اقامت الثورة و قتلت الشباب في الميدان و عادت مرة أخري دون أن يصيبها اي أذي أو حتي يعتقلوا منها فردا واحدا يكون دليل علي روايتهم ..!!!!

و هنا يخرج الشعب المستغفل ليطالب بالقضاء عليها ، فهي العدو الأول و الأخير بينما لم يفكر أحد أن يقول و أين كان الجيش العرمرم و القادة المظفرين الذين كلفهم الشعب بحماية حدود الوطن ؟ و كيف يسألوا هذا السؤال و رئيسهم هو الكنز الإستراتيجي للمحتل الصهيوني .!!

 و الأعجب من ذلك أن يقيم الشعب السوداني الأفراح و الإحتفالات بانفصال الجنوب عن الشمال ، تماما كما رقص البعض عندنا فرحا بالزعيم الذي فصل السودان و غزة عن مصر بل هناك من كاد ينتحر عندما سمع بموت الزعيم المهزوم ..!!

ثانيا القوة في تلقي الصدمة ( أسرعهم افاقة بعد مصيبة )

إقرأ معي هذا المقطع  ( مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي استمرت من عام 1939م إلى عام 1945م، فقدت غالبية المدن الألمانية كل معالمها، فلا بيت واقف في مكانه، ولا شوارع ولا ميادين، ولقي عشرون مليون شخص مصرعهم، وأصبح اثنا عشر مليون ألماني شريدًا بعد طردهم من ديارهم في شرق أوروبا، وكان هناك ثمانية ملايين أسير في معتقلات قوات الحلفاء، بل إن السوفيت احتفظوا بالأسرى حتى عام 1956م في معسكرات عمل لديهم، ليصلحوا ما هدمته قواتهم النازية. أما الولايات المتحدة وبريطانيا «فأهدتا» فرنسا مليون أسير ليقوموا بالمهمة نفسها )

كل هذا غير تقسيم ألمانيا و تقطيع اوصالاها ببناء سور برلين ، كيف أصبحت المانيا بعد أقل من خمسون عاما من هذا الوصف ؟ و كيف أصبحت الآن ؟ و قارن بين احتفال الالمان بسقوط سور برلين و توحيد الدولة و احتفال العرب بترك الضفة الغربية للمحتل الصهويني فيما يعرف بقرار فك الإرتباط ..!!

اما نحن فقد تأخرنا بسبب الحكم الملكي و الإستعمار ، ثم تأخرنا بسبب العدوان الثلاثي و النكسة المباركة ، و تأخرنا مرة خري لحرب اكتوبر ، ثم تأخرنا للزيادة السكانية ( التي نمت بها الصين و اليابان و غيرهم ) ، و تأخرنا نتيجة الثورة ، و تأخرنا لحرب الإرهاب مرة أخري ، فمتي تنتهي الحجج كي يقف تأخرنا .؟

نحن نحب الحزن أيما حب نتزاور في المآتم و لا نبارك في الأفراح نقيم الحسينيات علي كل شئ ضاع ولا نبحث عن عمل يعيد ماضاع منا ، في القرية التي انتمي اليها و محيطها يقيمون العزاء ثلاثة ايام ثم الخميس الصغير للميت ثم الخميس الكبير ثم الاربعين ثم السنويات بينما الفرح ( بيكون عالضيق سكوتي ) ..!!

ثالثا خلق التحدي و الإصرار ( أوشكهم كرة بعد فرة )

إقرأ قصتهم في الحروب الصليبية صحيح أنهم كانوا عادة ماينهزموا إلا أن الإصرار و سرعة العودة شيئا مميز جدا عندهم ، و في قصة الأندلس أيضا عبرة فقد صمموا حتي و صلوا بعدما كانوا دائما يعودوا مهزومين لكنهم وصلوا إلي طردنا منها بعد أن عمرناها ، لكنهم لم يدخلوها إلا بعدما ضعفنا نحن و تدانت أنفسنا إلي الشهوات عن المعالي و بقيت نفوسهم هم عند الإصرار و التحدي .

إنهم لا يعطون للحسرة وقت ولا للندامة مكان بل يستمروا و يكمل من ياتي بعدهم العمل كي تصل بلدانهم و اجيالهم القادمة إلي ما يحلمون به و لا يعاني من أتي بعدهم مما عانوا منه هم , إقرأ عن اديسون و تجاربه و كيف صور الفشل بأنه جزء من النجاح و غيره عندهم كثير ، إنك تدخل مدينة السويس فتجد آثارا للدمار و الهدم فتسأل ماهذا فيكون الرد  ( من آثار العدوان الثلاثي علي مصر ) ..!! 

رابعا خلق التعاون و العطاء ( و خيرهم لضعيف و يتميم و مسكين )

من منا لم يمر علي هذه الكلمة في السنوات الاخيرة ( ذوي الإحتياجات الخاصة ) إنه (special need ) الذي علمنا إياه الغرب فجعلوا كل مكان عندهم فيه ما يساعد هؤلاء في الطرق و المواصلات و المؤسسات و التعليم و الصحة و القطاع الخاص حتي النوادي و مراكز الثقافة و غيرها و هل تعلم أنهم خصصوا لهم علما متكاملا يفني فيه بعض الناس اعمارهم دراسة و بحثا .

و الأهم من ذلك أنهم يحترموها ولا يتعدي أحد علي هذه الحقوق ولا علي أصحابها ، ربما يرد أحدنا أننا كنا قبل ذلك عندنا ماهو افضل و هم اخذوا هذا من حضارتنا ..؟ 

أنا أتكلم عن واقع لا عن تاريخ فماذا تستفيد أمة من تاريخ لا أثر له في الواقع أو المستقبل ..!

ليس الفتي من قال كان أبي *** إنما الفتي من قال ها أنا ذا

خامسا مقاومة الظلم بلا خوف ( أمنعهم من ظلم الملوك )

يكفينا مانحن نعايشه اليوم بلا مقارنة فلم يطق التونسيون اكثر من عامين في الحرية حتي أتو بالسبسي وزير أقذر مؤسسة أيام بن علي ( وزارة الداخلية ) رئيسا لهم بعد  الثورة .

و أتي حفتر أحد قادة القذافي ليحكم ليبيا ..!!

و الأعجب و الأفدح ماحصل عندنا فلم يتحمل المصريون الحرية أكثر من عام حتي انقلبوا علي الرئيس الذي منحهم اياها ، و اعترف بحقوقهم و تنازل عن حقوقه ، فاستدعوا العسكر ليعزله و يفتك به و بعد أن نزع العسكر عنهم كل مكسب أتت به الثورة حتي بشرهم بالجوع ولا زالوا يغنون له … تسلم الأيادي .!!

من أين نأتي بقوة النفس .؟

تبني قوة النفس في داخل الإنسان من مبتدي حياته و نشأته ، فالذي يضعها فيه هي التربية بكل عناصرها ( المُربي ، المتربي ، المنهج و البيئة ) .

فلابد أن يكون القائم بالتربية حاملا لنفس الصفات أو علي الاقل متاحة له دون خوف أن يمارسها و يعلمها و يدعوا اليها .

لا يوجد أحد منا إلا قيل له في مشوار حياته حين أراد ان يطالب بحقوقه ( مش عايزين مشاكل يا ابني ، يابخت من بات مظلوم ولا باتش ظالم ) فرسخوا فينا خلق السكوت و الخوف و كفايه بس تقول حسبنا الله و نعم الوكيل .. دون أن تدفع بأي عمل مع الدعاء ، فأخبرونا بنصف الاية و لم يخبرونا بالنصف الآول منها ( الذين استجابوا لله و الرسول …. الأية )

و نشأ الكثير منا علي ذلك يرضي بأي شئ و يقبل أقل مستوي و يكفي فقط أن يعيش لا يهمه كيف يعيش لكن هو يأكل و يشرب حتي لو عاش في مقالب القمامة و بين أضرحة الموتي ..!

و جردوا كل مناهج التعليم و التربية و الثقافة من كل هذه القيم و جعلوا القيمة الأعلي هي تقديس الحاكم و حفظ أمجاده و تاريخه و تضحيته من أجل الوطن عن ظهر قلب ، وما قدمه ( قدس الله روحه ) من أجلنا من إنجازات جعلتنا في مقدمة دول العالم في انتشار الأمراض و الفقر و الجهل و الفساد و في آخرها في مستوي التعليم و الشفافية و الحرية ..!!

و أصبحت البيئة كلها لا تعين إلا علي الظلم و السكوت و الخنوع ( مادمنا عايشين ماتتعبش نفسك ، إنت هتصلح الكون ، و الله يرحمه سعد ( رمز الثورة كما يدعون )  قالها حكمة مافيش فايدة ..!!

إن إنتصار الثورة بحق هو الخطوة الأولي التي سيضعها العرب عامة و المصريون خاصة في طريق بناء إنسان ذو نفس قوية سليمة متزنة ، تستطيع به أن تبني مستقبل وطن يكون حرا و كريما و آمنا ، و ليس المقصود بنصر الثورة أن يأتي سارق محترف فيخدعنا بحمايتها و رعاية أهدافها و القيام بكل مطالبها ، ثم نفاجئ بأنه يقتل مجرد فكرتها في نفوس شعوبنا ، بعد أن جعلها ذكري اليمة للحزن و النحيب علي ماذهب فيها دون نتيجة أو ثمن .

و إنما نصر ثورتنا يوم أن نقتل في نفوسنا الخوف ، ليس من الحاكم ، و لكن من التغيير أيا كان مستواه و التضحية في سبيله ، و ننفض عن أنفسنا غبار التابوهات المتسلطة في عقولنا حتي جعلتنا عبيدا لمن كذبوا علينا أنهم خير أجناد الأرض ..!!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023