شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

نهاية الجنرال

نهاية الجنرال
"انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع، فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها، ومع بزوغ شمس يوم الإثنين، استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة و

“انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع، فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها، ومع بزوغ شمس يوم الإثنين، استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة، نسمة ميت عظيم ورفعة متعفنة”.

هكذا يبدأ “غابرييل غارسيا ماركيز” روايته “خريف البطريرك” التي منع جنرال “تشيلي” طباعتها لسنوات، قبل أن يصرح بها معتقدا أنها “كتاب صعب لن يقبل عليه القراء ولا داعٍ لإثارة فضيحة من دون طائل”. ليصبح هذا “الكتاب الصعب” بين أفضل الروايات توزيعا، ويترجم إلى معظم لغات العالم.

بطريرك ماركيز هو جنرال قاد انقلابا وحكم بلاده ـ طبقا لمجموع أحداث الرواية ـ أكثر من مائة عام، حيث مزج “ماركيز” حكم 14 جنرالا تعاقبوا على حكم دول في الكاريبي، منهم بطريرك “هايتي” الذي أباد كل الكلاب السوداء، لأن أحد منافسيه تنكر على هيئة كلب أسود (راجع مقترح محافظ السويس بشأن الكلاب). وثان في “السلفادور” غطى كل المصابيح بأوراق حمراء للتخلص من وباء الحصبة (راجع جهاز الكفتة لعلاج الإيدز). وثالث في “باراجواي” أغلق منافذ البلد كلها إلا واحدا صغيرا ليمر منه البريد (راجع التهديد بتحويل الإنترنت إلى دائرة مغلقة). وآخر في “فنزويلا” وضع في استقبال زواره لوحة خطية تقول: ما تسمعه وتراه هنا، يظل هنا (راجع مطلب لا تسمعوا إلا مني أنا فقط وأنا لا أقول كل شيء حتى لا يعرف الأشرار).

في الرواية يحدثنا “ماركيز” عدة مرات عن قيام البطريرك ببيع البحر للأمريكيين، وبديهي أننا نعتبر الجملة مجرد مجاز، وأن البطريرك باع حق الانتفاع أو غيره، لكنه لم يبع البحر نفسه، لكن من قال إن هذا صحيح؟ يفاجئنا ماركيز بأن البطريرك باع البحر نفسه، وأن الأمريكيين أعطوه بدلا منه “مروحة” يستروح منها نسماته الضائعة، حين يجلس “حيث سبق للبحر أن أقام” كما يقول “ماركيز”!

هل أريد أن أعيد سرد الرواية؟ مستحيل، لكنني فقط أستعيد بعض أحداثها الملهمة (يمكنك أن تضع فتحة فوق الهاء أو كسرة تحتها) ومنها أن أحدا لم يتعرف على الجنرال بعد موته، لا لأن العقبان نقرت وجهه، بل لأن أحدا لم ير هذا الوجه أبدا (الجنرال لا ملامح له).

أما الإشارة الأكثر أهمية فهي أن البلد الذي يترك بطريركا كهذا يحكمه قرنا وأكثر يفقد أرضه وبحره، ولا يبقى له إلا “مروحة” تالفة!

“فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ” الحج ـ 45



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023