شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

شعب يرحل ومستبد يبقى

شعب يرحل ومستبد يبقى
في وقت ما كان معمر القذافي يغضب من شعبه فيذهب حانقاً إلى بلد آخر، وفي مرة أخرى حين غضب من شعبه تحدث إليهم أنه هذه المرة لن يغادر وعليهم هم أن يغادروا وقال لهم اذهبوا إلى أي مكان شئتم من مصر أو السودان من بلاد المغرب طولاً وعر

في وقت ما كان معمر القذافي يغضب من شعبه فيذهب حانقاً إلى بلد آخر، وفي مرة أخرى حين غضب من شعبه تحدث إليهم أنه هذه المرة لن يغادر وعليهم هم أن يغادروا وقال لهم اذهبوا إلى أي مكان شئتم من مصر أو السودان من بلاد المغرب طولاً وعرضاً، أراد بذلك أن يؤكد على نكتة تتعلق بمغادرة شعبه ورحيله لا مغادرته هو، وحين اشتد وطيس الثورة الليبية قال لهم “من أنتم” استنكارا وتصغيراً وتحقيراً، كانت تلك رؤيته لشعبه أنه لن يرحل ولكن على الشعب أن يرحل، ظلت هذه نكتة يطلقها البعض وكأن لسان الحال يقول: أن الشعوب حينما تقول لقادتها ارحلوا فإن القادة سيبادرون بخطابهم لشعوبهم مؤكدين أنهم لن يرحلوا ولكن على الشعب نفسه الرحيل، تلك كانت القصة والنكتة.

ولكن هذه النكتة وهذا التندر بذلك الأمر لم يعد أمرا يتسامر به الناس ولكنه تحول إلى مأساة حقيقية وإلى حقيقة مرة، نعم القائد لم يعد يرحل ولكن الشعب هو الذي يرحل، هذه قصة أخرى مستأنفة قصة “بشار الجزار” وشعب سورية، إنه يقول حينما يطالب الجميع من شعبه أو يكاد بأن يرحل، فإنه يقول بملء فيه مستخفا أنه باقٍ في مكانه وفي منصبه لن يغادره بحال، تسانده في ذلك دول تحاول دعمه ودعم فاشيته وقتله لشعبه من دون أي حساب، دول في الإقليم مثل إيران ودولة كبرى مثل روسيا تدعم استمراره وتعتبر ذلك أمراً حيويا حتى لو فني شعب سورية بأسره.

وفي الحقيقة أن بشار الجزار الذي استولى على السلطة بمسرحية هزلية في مشهد عبثي، يتولى فيه بشار الابن السلطة بعد موت الفاشي الأكبر حافظ الأسد، تولى الابن بعد العبث بالدستور لأن عمره كان أقل مما نص عليه الدستور، تغير الدستور وعدلت مواده من أجله حتى يصير رئيساً، وبدا الأمر مسرحية هزلية لعب فيها البرلمان السوري الدور الأكبر في إخراج مشهد حقير يدل على الاستهانة بالشعب، تم فيه تنصيب “بشار الجزار” في سدة الحكم.

وفي مسار السخرية المضحكة المبكية طفق البعض يتحدث أنه كان على برلمان سورية أن لا يغير الدستور ولكن كان عليه أن يغير شهادة ميلاده تهكماً وسخرية من أن تبديل عمره في شهادة الميلاد أكثر يسراً من تعديل الدستور على النحو الفاضح الذي تم به، بات كل ذلك يشير إلى سخرية الشعوب يعبرون ويهمسون مشيرين إلى حقيقة هؤلاء الذين يتصدرون السلطة في بلادنا، هؤلاء المستبدون الذين يتلذذون كل يوم بمجازر شتى لقتل الشعوب واستباحة دمائهم والاستخفاف بأرواحهم ونفوسهم، بات هؤلاء يستخفون بحرمة النفوس ويقتلون الأطفال قبل الكبار والشيوخ قبل الشباب والمرأة قبل الرجل، يمارسون ذلك بدم بارد لا يعرفون لحرمة النفس الإنسانية معنى ولا يقدرون لقداسة الروح من مغزى.

لا زال “بشار الجزار” يواصل هوايته في قتل شعبه بالبراميل المتفجرة وبطائراته العاهرة وبأسلحته الفاجرة يقتل كل نفس تتنفس من غير جريرة، ولكنه يغطي كل ذلك بمقولة جهنمية بأنه “يحارب الإرهاب” يسانده في ذلك بعض الدول في الإقليم وفي الخارج ويدعمه بالتواطؤ والصمت كثير من الدول في بلاد العرب وكذا في بلاد الغرب والأمريكان، لا يقيمون وزناً لسوريا الشعب ويستخفون بمعنى الإنسان فيها، بينما لو مات منهم أحد قامت الدنيا ولم تقعد، ويموت المئات في حلب، ولكننا لا نجد سوى صمت العالم والذي لا ينطق بكلمة حتى بالشجب أو الاستنكار، يموت الأطفال ولا حياة لمن تنادي، ولكن في كل مرة يبقى “بشار الجزار” مزهوا بقتل المئات بل الآلاف، ويهجر الناس من بلداتهم ومدنهم هرباً وفراراً بأرواحهم وفي كل مرة يطلق الجزار صيحات “إنني أحارب الإرهاب”.

إن هذا الجزار هو عين الإرهاب الذي يتدثر به كل مستبد فاشي يحاول أن يغطي على استبداده وجرائمه بكلمة سحرية يتقبلها الغرب تواطؤا ونفاقا للأسف بكل دوله وقادته، ويجعل منها أيقونته السحرية التي تعطي لهؤلاء صك على بياض لقتل شعوبهم وإزهاق أرواح مواطنيهم.

تحولت نكتة التندر والملهاة إلى أكبر مأساة، شعب يقتل، شعب يرحل، دعونا نقوم بحسبة بسيطة.. ماذا فعل “بشار الجزار” بشعبه؟ لقد قتل ربع مليون على الأقل من شعب سوريا استشهد هؤلاء منذ ثورة عليه طالبت بالحقوق، فقط أنهم يريدون العيش بكرامة، ولكن المستبد له رأي آخر “إن من اعترض عليه قتل بكل سلاح فتاك”، لا يقبل من أحد أن يتفوه بكلمة “لا”، إن كلمة “لا” تفجر غضب المستبد فتتحول إلى زخات رصاصات أو براميل متفجرة لا تبقي ولا تذر، لقد أصيب من جراء حربه الفاجرة على شعبه أكثر من نصف مليون وربما يصل عددهم  إلى المليون، هؤلاء بما أصيبوا لا يحصلون معاشهم أو يدبرون أحوالهم.

ومن نتائج حربه الفاجرة أن رحل اثنان من الملايين كانوا من اللاجئين وهجر نحو تسعة ملايين، نتساءل مع من يستفسر، ما هو عدد شعب سورية هؤلاء جميعاً من شهداء ومن لاجئين ومن مهجرين يزيدون عن نصف هذا الشعب. لم يبق على أرض سورية إلا ذوي الحاجة أو قليلي الحيلة الذين لا يستطيعون هجرة يتلقون كل صنوف القتل بأسلحة عاتية يستخدمها “بشار الجزار” بلا أدنى حرج، بل يستقدم من المقاتلين من كل صوب وحدب من حزب الله في لبنان ومن الحرس الثوري في إيران ومن طائرات روسيا المغيرة باستمرار وتقتل بلا حساب، إن “بوتين الملعون” الذي لا يقدر النفس الإنسانية ولا حرمتها يدلي بأحد تصريحاته المريبة والعجيبة من أنه ليس هناك أفضل من حرب حقيقية يمكن أن يجرب فيها أسلحته الحديثة، هكذا أسلحة تجرب لقتل الناس بدم بارد بغارات من طائرات.

شعب سورية وهو أقل من خمسة وعشرين مليونا من البشر أكثر من نصفه رحلوا وهجروا أو قتلوا أو أصيبوا، ماذا يعني سوى تلك الحقيقة المرة أن الأسد الفاشي باقٍ وشعبه يرحل، إن هذا يعني ضمن ما يعني أن العالم يتواطأ بمؤامرة صمته على مجازر حلب وعلى مجزرة رابعة والنهضة، كلها مجازر بعضها من بعض وكلهم فاشيون لا يقيمون للنفوس حرمة ولا للإنسانية قدسية، فقط هم يقتلون من أجل تمسكهم بكرسيهم، فدونه تفنى الشعوب يجعلون ذلك ثمناً زهيداً لبقائهم على كراسيهم، وأيديهم مخضبة بدماء شعوبهم ولسان حالهم يقول: لن نرحل بل على الشعوب أن ترحل، قالها البعض حينما أكدوا أنه من لم يعجبه حكم السيسي فيجب عليه أن “يغور”، وأن من يقاوم بشار عليه أن يرحل وإلا لاقى مصير أبناء حلب براميل متفجرة وقتل مستمر يدخل إلى أيامه الثلاثة عشر والبقية تأتي، فاشيون مقيمون لا يرحلون وشعوب تقتل وشعوب ترحل وعالم يصمت، هذه هي القضية نكتة ملهاة أصبحت أكبر واقع مرٍ ومأساة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023