شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

النكبة الباردة – عائشة عبادي

النكبة الباردة – عائشة عبادي
عند الحديث عن أمر يتعلق بالنكبة اعتادت ألسنتنا أن تقول "سنة ال48" أو "بوقت النكبة" وفي كل عام ذكرى النكبة، وكأن التاريخ بالنسبة للفلسطيني قد قسم إلى ما قبل النكبة وما بعد النكبة

عند الحديث عن أمر يتعلق بالنكبة اعتادت ألسنتنا أن تقول “سنة الـ48” أو “بوقت النكبة” وفي كل عام ذكرى النكبة، وكأن التاريخ بالنسبة للفلسطيني قد قسم إلى ما قبل النكبة وما بعد النكبة، أو كما يقول جدي عند كل حديث له عن أي حدث قبل النكبة “على زمن البلاد” وأي حدث بالنكبة وبعدها “لما هجرونا وبعد ما طلعنا”.

نتحدث عن النكبة وكأنها شيء من الماضي حدث وانتهى ونحي ذكراها كل عام، لكنى أرى أن النكبة بدأت عام 1917 يوم أن وعد من لا يملك لمن لا يستحق”وعد بلفور” وما عام ثماني وأربعين سوى الموجة الأقوى فيها، كذلك النكبة ما زالت مستمرة لم تتوقف للحظة، وكل ما نعيشه هو النكبة التي بدأت بذاك الوعد، وكيف تكون النكبة التي هدمت وهجرت فيها حوالي 530 بلدة فلسطينية  قد انتهت ونحن كل يوم نرى هدم البيوت تارة بحجة ملكية الأرض للمؤسسة الإسرائيلية، وتارة بحجة عدم الترخيص الذي حتى لو حاول صاحب الارض الحصول على رخصة لا يمنحونه إياها غالبا، وأخرى لان صاحب البيت قام بعملية ضد الاحتلال، و الأدهى حين تهدم قرية بكاملها كقرية العراقيب للمرة الـ105 لان الدولة لا تريد الاعتراف بها، ويطالب أهلها بدفع تكاليف الهدم، ويوم الثلاثاء 10.1.2017 هدم 11 منزلا بقرية قلنسوة بالداخل المحتل “أراضي48” إضافة إلى 50 ألف منزل يتهدده خطر الهدم بحسب خطة “الكمينتس” قانون التخطيط والبناء الذي بموجبه تتوسع عملية هدم المنازل وملاحقة المواطنين العرب وتهجيرهم ومنع التطوير الاقتصادي، فأي نكبة تلك التي كانت بعام 48 ونحن ما زلنا نعيشها بوتيرة أخف وأبطئ هي نكبة باردة، ومع الحرب المعلنة من المؤسسة الإسرائيلية على الوجود العربي مستغلة الانشغال العربي بباقي البلدان، أراها  في مرحلة ما ستشتد وتصل للصدام المباشر.

كذلك يوم 10.1.2017 عقدت “مجموعة فلسطين” في البرلمان التشيلي جلسة ناقشت فيها الذكرى المئوية بنهاية العام لوعد بلفور، وأقروا إطلاق حملة دولية تطالب بريطانيا بالاعتذار للفلسطينيين.

بداية عند قراءتي للخبر تبسمت باستهزاء ثم سرحت بتفكيري، على ماذا ستعتذر بريطانيا بالضبط؟ وماذا سينفعنا اعتذارها؟ هل سيعيد  عقارب الزمن مئة عام للوراء، هل سيعيد الدولة العثمانية والوطن الواحد؟، أم سيعيد الشهداء، أم سيبني البلدان المهدمة ويعيد اللاجئ والنازح لوطنه؟.

يا سادة بريطانيا التي تطالبونها بالاعتذار لم تسكب فنجان قهوتها على فستاني لتعتذر، بريطانيا هذه قال رئيس وزرائها السابق”توني بلير” أنها  أخطأت بمشاركتها بالحرب على العراق وأسند ذلك إلى أن التقرير الذي بني عليه قرار الحرب كان خطأ، فماذا استفاد العراق وأهله من اعتراف بريطانيا بخطاها بعد أن أصبح العراق بحاله ليس لها من دون الله كاشفة، وبماذا ستبرر هذه المرة  استعمارها لفلسطين ومنحها وعد بلفور لليهود؟.

وإن فلسطين ما هي إلا جزء مما فعلته بريطانيا، هذه التي تطالبونها بالاعتذار آذتنا كأمة إسلامية بأسرها فقد دعمت إسقاط دولة الخلافة، وقسمت تركتها مع فرنسا، وأوغلت في بحر دم أسالته من أهلها، وقطعت أوصال جسد الأمة وزرعت بقلبها السرطان الذي تطالبونها بالاعتذار عنه، كما غرست سموم مغذية له بكل الدول بحسب تقسيماتها، وكان للمحيطين النصيب الأكبر من جرعة السموم كي يعتاش  ويتغذى منها وتمده بالحياة، وهم الحثالات الذين نصبوهم حكام لقمع الأمة وليكونوا عينا ساهرة لحفظ السرطان، فهل سينفعنا اعتذارها بأعمارنا التي عشناها مواطنين مع وقف التنفيذ، أم عن عيش الخيام لأجدادنا أم سيعوضنا عن الغربة التي نشعر بها ببلادنا وقد غيرت ملامحها وغيبت روحها الحقيقية عن المكان، أم عن اللغة والهوية اللواتي أجبرنا عليهن وهم لا يمتون لنا بصلة؟

هل ستعتذر لجدي عن ألامه والذي حين سأله أحد أحفاده بمرضه إذا ما كان موجوع ، فأجابه ” يا سيدي من ال48 وأنا موجوع” أم عن والده الذي قتله  جندي بريطانيا، أم بيته الذي هدموه وكل قريته التي أخرجوه منها، وكل أجدادنا كذلك ، أم ستعوض جيلنا الذي يعيش تبعات عام ثماني وأربعين ويضيق عليه الخناق بكل المجالات، فالنكبة أجدادنا أبطالها ونحن ضحاياها.

أقدر كل شخص يقف داعما للحق الفلسطيني، لكن كفلسطينية أعيش الواقع أرى الاعتذار مدعى للسخرية وأراه سخافة فلا هو يدين مجرم ولا يعيد حقا لأهله.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023