شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

انسحاب الاتحاد الإفريقي من الجنائية الدولية.. الأسباب والبدائل

انسحاب الاتحاد الإفريقي من الجنائية الدولية.. الأسباب والبدائل
أيد الاتحاد الإفريقي الانسحاب بشكل جماعي من المحكمة الجنائية الدولية؛ إلا أن القرار غير ملزم، إذ تعارض نيجيريا والسنغال قرار الانسحاب. وقد انسحبت جنوب إفريقيا وبوروندي من قبل، واتهمتا المحكمة بالاستهانة بسيادتهما.

أيد الاتحاد الإفريقي الانسحاب بشكل جماعي من  المحكمة الجنائية الدولية؛ إلا أن القرار غير ملزم، إذ عارضت نيجيريا والسنغال قرار الانسحاب.
وقد انسحبت جنوب إفريقيا وبوروندي من قبل واتهمتا المحكمة بالاستهانة بسيادتهما واستهداف الأفارقة بشكل غير عادل.
ونفت المحكمة هذه الاتهامات وتمسكت بموقفها من أنها تنشد العدالة لضحايا جرائم الحرب في إفريقيا.
واتخذ الاتحاد الإفريقي القرار أمس الثلاثاء بعد جدل أثناء قمة رؤساء الدول في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
كما نص القرار على أن الاتحاد الإفريقي سيعقد محادثات مع الأمين العام للأمم المتحدة للدفع نحو إعادة هيكلة المحكمة الجنائية الدولية.
وحضر الرئيس السوداني عمر البشير القمة الإفريقية وهو أحد الذين تطلبهم المحكمة الدولية في تهم ارتكاب مجازر في دارفور!
بداية الخلاف
وقد بدأت المعركة الحقيقية بين دول إفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية في يونيو عام 2015م، عندما تجمع عشرات من الزعماء الأفارقة في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا لحضور قمة الاتحاد الإفريقي بمشاركة الرئيس السوداني عمر البشير -الذي صدرت بحقّه مذكرة اعتقال دولية بتهمة الإبادة الجماعية حينها- فغلب على نقاش القمة الرئيس حول المساواة بين الجنسين سؤالٌ رئيس آخر: هل ستعتقل جنوب إفريقيا -التي تعتبر منارة لحقوق الإنسان في القارة الإفريقية- رئيس السودان وتسلمه للمحكمة الجنائية الدولية؟
وعلى الرغم من أن محكمة محلية في جنوب إفريقيا أمرت باعتقاله، فإن طائرة الرئيس عمر البشير تمكنت من الإقلاع من بريتوريا بمساعدة من حكومة جنوب إفريقيا.
بعد عامٍ من هذه الحادثة، التي تراها جنوب إفريقيا منتهكة لسيادتها، اتخذت أمرها لتكون أول دولة تسحب عضويتها رسميًا من المحكمة الجنائية الدولية؛ بحجة أن التزاماتها تجاه المحكمة تمنعها من ضمان الحصانة الدبلوماسية للقادة والمسؤولين. موضّحة –على لسان وزير العدل– أن عليها أن تكون قادرة على تقديم هذه الحصانة لكي تتمكن من استضافة مفاوضات السلام.
مواقف إفريقيا غاضبة
يقول الكاتب السوداني عبد الحكيم نجم الدين إن القراءة المتأنية لتصريحات جلّ الزعماء الأفارقة تعطي انطباعًا بأنهم لا يرون احتياجهم للمحكمة الجنائية الدولية، حتى وإن كان بعضهم لا يزال يقرّ بأهميتها ويفكّر في طبيعة عضويته فيها.
ويتابع: ليست جنوب إفريقيا وحدها تظهر غضبها من الجنائية الدولية؛ فالرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وعد في وقت سابق بأنه سيبذل قصارى جهده كي تخرج كل دول القارة من المحكمة، وأشاد بقرار جنوب إفريقيا بالانسحاب، مضيفًا بأن المحكمة الجنائية الدولية “غير مجدية”؛ هذا بالرغم من أنه –أي رئيس أوغندا– طلب مرةً من المحكمة مساعدته في محاكمة المقاتلين المتمردين في بلاده.
 وفي وقت سابق من شهر أكتوبر، صوت البرلمان البوروندي لصالح مغادرة المحكمة وتقديم انسحابها إلى الأمم المتحدة. ووصفت دولة غامبيا المحكمة في الأسبوع الماضي بأنها “المحكمة القوقازية الدولية” لاضطهاد الناس ذوي الألوان وإذلالهم، وخصوصًا الأفارقة.
أما كينيا، فقد طرحت مقترح الخروج من المحكمة الجنائية الدولية في قمة الاتحاد الإفريقي في يناير من هذا العام، داعية إلى “وضع خارطة طريق لانسحاب الدول الإفريقية”؛ وهو مقترح لقي تأييدًا بين الدول الإفريقية الأخرى الأطراف في نظام روما الأساسي.
 وأشارت حكومة ناميبيا أيضًا إلى أنها تعيد النظر في عضويتها، قائلة إن البلاد لم تعد بحاجة إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد أن صارت مؤسساتها القضائية ثابتة وقوية. ولعل ما يعزز فكرة الانسحاب الجماعي هو موقف الاتحاد الإفريقي الذي أفاد بأنه سيدرس الانسحاب الشامل من المحكمة.
أسباب الانسحاب
ومن الواضح أن الأفارقة فقدوا رغبتهم في عضوية المحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها في 2002 مع عضوية 122 دولة عالمية، منها 34 دولة إفريقية؛ وذلك لما يرونه من تحيز في أسلوبها. وعزّز فقدان الرغبة كون تسع من الحالات العشر التي تنظر فيها المحكمة حاليا بالتحقيق هي حالات تتعلق بالبلدان الإفريقية. وقد ظن البعض أن انتخاب الغامبية “فاتو بنسودا” في منصب كبير المدعي العام للمحكمة في عام 2011م سيغير وجهة نظر الأفارقة وآراءهم تجاه المحكمة؛ إلا أن شيئًا من ذلك لم يتغير.
فنّدت المحكمة الجنائية الدولية الاتهامات الموجهة إليها بالتحيز، وقامت بدعوة الأكاديميين وغيرهم من الخبراء أن يشاركوا في النقاش، مشيرة إلى أن عدد الحالات الإفريقية التي تقوم بالتحقيق فيها تقتصر على الدول الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة وعلى الجرائم التي ارتكبت بعد عام 2002.
وفي حملته للدعوة إلى انسحاب البلدان الإفريقية من الجنائية الدولية، أشار الرئيس الأوغندي موسيفيني إلى أنها تتجاهل وجهات نظر القادة الأفارقة بشأن القضايا الإفريقية؛ واستشهد بحالة ليبيا عندما نصحت لجنة الاتحاد الإفريقي الأوروبيين بعدم التدخل في الأزمة، لكنهم تغاضوا عنها. كما أن الوزير الأوغندي للشؤون الخارجية هنري أوكيلو أوريم أكد أن المحكمة الجنائية الدولية كثيرًا ما تزعج الزعماء الأفارقة المنتخبين شرعيًا ولا تحترمهم، مضيفًا أن أعضاء المحكمة متغطرسون ويقوضون بشكل خطير صوت الأفارقة.

امتداد لمجلس الأمن
 من جانبها، قالت بونيتا ميارسفيلد، أستاذة في مركز يتس للدراسات القانونية التطبيقية بجنوب إفريقيا، إن مجلس الأمن قد تجاهل في بعض الحالات طلبات القادة الأفارقة للتعامل مع قضاياهم الخاصة أولا. ووصفتْ “ميارسفيلد” موقف مجلس الأمن تجاه القضايا الإفريقية بأنه يتميز بـ”عدم الاحترام العميق”، وأن هذه الثقافة تتخلل عمليات المحكمة الجنائية الدولية؛ لأنها “تأتي بتحيز وغطرسة وعجرفة تركت طعمًا مرًا جدا في أفواه الدول الإفريقية”.
 البدائل المطروحة
ويقول سفير كينيا لدى الجزائر، لوا ليموشيلا، إن خروج الدول الإفريقية من الجنائية الدولية، رغم ما يتمتع به من تأييد؛ إلا أن الأكاديميين الأفارقة يرون أنه من الضروري إيجاد محكمة قارية تسدّ مسدّ الجنائية الدولية. ويتابع: في هذا الصدد، فإن هناك محكمة تابعة للاتحاد الإفريقي، وهي “المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” التي تأسست في يونيو 1998 بموجب المادة 1 من البروتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي للحقوق على إنشاء محكمة إفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والذي اعتمدته آنذاك الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) في واغادوغو ببوركينا فاسو. وجاء البروتوكول حيز التنفيذ في 25 يناير 2004 بعد أن تم التصديق عليها من قبل أكثر من 15 بلدًا.
ويستطرد: لكن هذه المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لا تستخدم إلا إذا أحيلت القضية إليها من قبل الدول الأعضاء فقط وليس من قبل الأفراد.

وقد نجحت هذه المحكمة في مقاضاة الرئيس التشادي السابق حسين حبري بتهمة ارتكاب جرائم حرب والحكم عليه بالسجن المؤبد. غير أن الاتحاد الإفريقي في عام 2014 صوّت لمنح الرؤساء والمسؤولين في المستويات الرفيعة حصانة من الملاحقة القضائية، تاركًا ضحايا الجرائم التي ترعاها الدولة دون أي قدرة أو محكمة لمساءلة الظالمين.

وعلى حدّ تعبير الأستاذة القانونية ميارسفيلد: “تخيل لو تم استخدام هذا التصويت (من قبل الاتحاد الإفريقي) لصالح الخير”!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023