شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ما يجب على الأحزاب في الوقت الراهن – ياسر عبد العزيز

ما يجب على الأحزاب في الوقت الراهن – ياسر عبد العزيز
الذين أرجعوا العنف في المجتمعات الفقيرة إلى فقر تلك المجتمعات، وعدم استطاعة الحكومات إدارة الموارد الاقتصادية في البلاد بشكل جيد، إنما هم يركنون إلى أحد جناحي المعادلة وينظرون إلى المشكلة بعين واحدة من فوهة ماسورة.

انتهينا في مقالنا الأخير قبل أن نقطع سلسلتنا بمقال عن أعظم ثورة عرفتها مصر في العصر الحديث في ذكراها نحيي ثورة القلوب قبل ثورة الشعوب، فالفرد الثائر ينتج شعبا ثائرًا، فلا يغرنكم نزول الحشود من عدمها ولا يحبطنكم من لا يفهم من السياسة إلا المنافع، وعود على بدء؛ وتكملة لما عزمنا فإن المقال الأخير (شروط يجب أن ننجزها ومعوقات يجب أن نجتازها) في السلسلة التي بدأناها معكم تكلمنا فيها عن الشروط التي يجب أن تتهيأ من أجل إقامة دولتنا المأمولة من عناصر يجب أن نعدها لتلك الدولة المأمولة. ومن آليات الديمقراطية التي بها تمارس السياسة (الأحزاب). 

هذه الأرض الخصبة التي تنتج الوعي العام لدى منتسبيه و مناصريه، وهي مصنع الأطروحات وبنك الأفكار للوطن. ولقد كان مما كان في أيام ثورتنا المجيدة تسرب شعار ( لا معارضة ولا أحزاب … هي ثورة الشباب) وهو شعار لا أرى له مطلق إلا عدو تلك الثورة ومخطط فشلها. فمطلق الشعار أراد أن يوحي بأن الأحزاب هي ليست وسيلة للإصلاح ولا يمكن أن تعمل بآليتها مع ثورة أتى بها الشباب.

ولو عدنا لمفهوم الثورة كما ذكرنا في مقالات سابقة، إنما هي التغيير، وما أُسست الأحزاب إلا لهذا الدور. وإن كانت جُلّ اهتمامات الشعوب في التغيير المعيشي المستند إلى ازدهار اقتصادي، فالثورات تؤتي ثمارها لدى رجل الشارع البسيط بالنمو الاقتصادي، والنمو الاقتصادي الحقيقي لا ينفك عن نمو سياسي ديمقراطي موازي له. فالتنمية الاقتصادية إن لم يصاحبها تنمية سياسية ديمقراطية وانفتاح نحو الشفافية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار فإن هذه التنمية لن تؤتي ثمارها.

فالذين أرجعوا العنف في المجتمعات الفقيرة إلى فقر تلك المجتمعات، وعدم استطاعة الحكومات إدارة الموارد الاقتصادية في البلاد بشكل جيد، إنما هم يركنون إلى أحد جناحي المعادلة وينظرون إلى المشكلة بعين واحدة من فوهة ماسورة. ذلك لأن المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار والشفافية المطلوبة في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية، إلى جانب الحق المطلق في المعرفة، وحرية تداول المعلومات، إنما هي من العوامل المهمة في تمهيد هذا النمو، ولن يكون هذا إلا من خلال أحزاب يمارس فيها الفردُ حقّه في طرح أفكاره لخدمة وطنه.

ودور الأحزاب الرئيسي في المجتمعات الديمقراطية أو المجتمعات التي تحبو نحو الديمقراطية في أنها تقوم بتوحيد المصالح الاجتماعية وتمثل أصحاب تلك المصالح وتوفر لهم كيانًا يقومون بالمشاركة من خلاله في التعبير عن تلك المصالح الاجتماعية. فالحزب أشبه ما يكون بميدان لتدريب الأفراد ليصبحوا قادة لأمتهم، ذلك لأن الحزب إما أن يكون هو الحكومة فيسير شؤون البلاد، أو في مقاعد المعارضة يصوب للحكومة مسارها ويطرح عليها البدائل ويقترح الحلول.

وعليه فيجب على الحزب أن يمارس هو أولاً الديمقراطية الداخلية ويدرب أعضاءه على تداول المناصب. ومن مهام الأحزاب أن تحدد حاجات المجتمع وتعبر عنها بطريقة يفهمها الشعب والنظام السياسي في الوطن ولذلك على الحزب أن يكون أكثر اتساقا والتصاقا بالمجتمع وأن تعبّر كوادره عن كل طبقاته أو على الأقل أغلب طبقات ذلك المجتمع. وحتى يصل الحزب إلى هذه الحالة من النضوج الديمقراطي يجب أن يتدرب أعضاؤه على تلك الأفكار، وعلى قادة الأحزاب أن يتحلوا بسلوك أكثر انفتاحاً نحو الديمقراطية وأن يؤسسوا للديمقراطية داخل الأحزاب. فإهمال الأحزاب التطوير الداخلي فيها يجعل الحزب يضمر، مما يجعل الحزب غير قادر على إرضاء توقعات المواطنين مما يؤدي إلى نفورهم عنه ويفقدهم بالنتيجة الثقة بهم.

وتظهر حينئذ نبرة الكفران بالأحزاب وسرعان ما يغذيها النظام الاستبدادي الذي يتحيّن الفرصة ليرتد بالمجتمع إلى الدكتاتورية. فيبدأ من خلال أجهزته الأمنية المتنوعة ومن خلال الإعلاميين المأجورين في ترديد مقولة أن الأحزاب لا تسعى إلا إلى المناصب، وقادة الأحزاب لا يعملون إلا لمجد شخصي حتى لو على مصلحة الوطن. وتنسحب بالتالي المؤسسات الديمقراطية من الحياة العامة، لمصلحة الدكتاتورية، وهو ما عملت عليه دولة العسكر ونجحت فيه إلى حد بعيد، وهنا تأتي الكارثة بأن يفضل المواطن العادي حكم المستبد على حكم ديمقراطية الأحزاب المتنازعة كما مكر به. والناظر إلى الحالة في فنزويلا يجد السيناريو مطبق كما هو.

فقد حاول الرئيس السابق هوجو تشافيز فرض نفسه على الشعب بالقوة في أوائل التسعينات إلا أن الشعب رفضه وتمسك بالديمقراطية وبالأحزاب، إلا أن ضعف الأحزاب وعدم ممارستها للديمقراطية الداخلية وعدم إشراك أعضائها ومن ثم أنصارها في القرارات أدى إلى انفصال الأحزاب عن قواعده فأضعف البناء الديمقراطي ومن ثم انعزل عن الشارع، ففقدت الأحزاب مصداقيتها لدى المواطنين.

وهنا عرض تشافيز نفسه على الشعب كبديل لهذه الأحزاب الضعيفة المتخبطة، واستطاع أن يتصدر المشهد السياسي لملئ الفراغ الذي أحدثته تلك الأحزاب بينها وبين الشعب. لاحظوا التشابه الكبير بين ما حدث في فنزويلا وما حدث في مصر.

فتشافيز ظهر بمظهر العسكري القوي المنظم صنيعة المؤسسة الوطنية بامتياز ليصلح ما أحدثته الأحزاب (في حالتنا الثورة) في الحياة اليومية للمواطن العادي.

فاستطاع تشافيز أن يعدّل الدستور لصالح الدكتاتورية فانتقلت كل مقاليد الحكم بيده وتراجعت الديمقراطية مقابل الدكتاتورية، وتقبل الشعب ذلك على أمل في حياة أكثر استقراراً، بعدما لاقوه من الأحزاب.

والذي يرجع في الأساس إلى ضعف في البنية الديمقراطية داخل الأحزاب وانقطاعها عن قواعدها وعن الشعب.

والعبرة من درس فنزويلا وتدبرا في حالتنا في مصر، يجب أن يعمل قادة وشباب الحالة الثورية على أنفسهم أكثر وترتيب البيت من الداخل وأن يمارسوا الديمقراطية داخل أحزابهم وحركاتهم ليتدربوا على سياسة كياناتهم.

فيجب على الأحزاب أن تتبنى علاقة أكثر ديمقراطية مع أعضائها من خلال التدريب المستمر على تداول المناصب وغرس ثقافة الديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار وعدم الاستئثار به.

ومن ناحية أخرى التواصل مع المواطنين لكسب ثقتهم من خلال الانخراط الحقيقي في مشاكلهم وتبني هذه المشاكل وطرح الحلول حتى إذا ما حانت الفرصة كانوا مهيأين للعمل بآليات ديمقراطية ومقبولين لدى الشعب، بعد أن شيطن النظام كل ما هو ثوري. فالتحدي الآن مع أنفسنا أولا ثم مع إعادة الثقة للشعب في الكيانات الوطنية التي يجب أن تضع لها ميثاق شرف يعملون عليه؛ تتلاشى فيه المصالح الشخصية والآنية أمام مصلحة الوطن الكبرى.

فالظرف يحتاج إلى زعماء بلا مجد وبلا شهرة وبلا بريق، يحتاج إلى جنود مجهولين، لا يعنيهم أن تصفق لهم الجماهير، ولا يعنيهم أن تكون أسماؤهم على كل لسان وصورهم فى كل مكان، وأنا كلّي ثقة أن من شباب يناير المجهولين من هم بهذه الصفات.

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023