شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحذيرات من كارثة تهدد القطاع العقاري في مصر

تحذيرات من كارثة تهدد القطاع العقاري في مصر
توقّع تقريرٌ اقتصاديٌّ وقوع كارثة في السوق العقاري المصري، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية؛ خاصة بعد قرار تعويم الجنيه.

توقّع تقريرٌ اقتصاديٌّ وقوع كارثة في السوق العقاري المصري، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية؛ خاصة بعد قرار تعويم الجنيه.

ووفقًا للتقرير الذي نشره موقع “ساسة بوست”، فإن مصر على أعتاب فقاعة عقارية قد تقضي على الأخضر واليابس.

ما الفقاعة؟ 

هناك مصطلح اقتصادي شائع من المحتمل أن نلجأ إليه بكثرة الفترة القادمة، ونوظفه في سياق القطاع العقاري المصري، وهو “اقتصاد الفقاعة” أو “اقتصاد البالون”، ويعني بشكل عام ارتفاع الطلب نسبيًا على أصل من الأصول، يعقبه ارتفاع في الأسعار؛ ومن ثم ينشط سوق هذا الأصل حتى يلفت انتباه المستثمرين، ثم يبدؤون في ضخ الأموال في هذا الأصل، ويتم اقتراض أغلب هذه الأموال من البنوك، ثم تزداد وتيرة ارتفاع أسعار هذا الأصل ليتم جذب المزيد من المستثمرين وإغراؤهم لاقتناء هذا الأصل؛ حتى تصل الأسعار إلى درجة خيالية غير حقيقية، ولا تلبي الطلب الحقيقي، وإنما ما حدث كان طلبًا مُصطنعًا أدى إلى مثل هذه الارتفاعات.

وفي هذه اللحظة تتشكل “الفقاعة” أو “البالون”، ليبدأ سوق هذا الأصل في الركود كمقدمة للكارثة التي توشك على الوقوع، ثم تقترب مواعيد أقساط البنوك على المستثمرين والشركات فتسارع الأخيرة بالبيع بأسعار مخفضة حتى لا تتعثر وتعلن إفلاسها، وتبدأ موجة جماعية من البيع؛ ليزداد العرض ويقل الطلب الذي تأثر سابقًا والأسعار المبالغ فيها. 

ومن ثم؛ تنفجر فقاعة هذا الأصل، وينخفض سعره إلى مستويات كبيرة ربما تجاوز 50% من سعره السوقي. 

ولكن، في نفس الوقت، لا يوجد طلب حقيقي يستوعب هذا الانخفاض في الأسعار؛ فتحدث الأزمة، وربما ينهار قطاع ذلك الأصل برمته؛ وبالتالي يتعثر المستثمرون في السداد، وتتأثر البنوك بمثل هذا التعثر؛ ليدخل الاقتصاد الكلي في أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، تزداد حدتها مع كبِر حجم تمويل ذلك الأصل. 

خرجت الأزمة المالية العالمية الطاحنة عام 2008 من رحم فقاعة عقارية بدأت في التكون والتبلور منذ العام 2004، لتنفجر خلال عام 2007 مكونة كرة ثلج أخذت في التدحرج لتصيب البنوك والأسواق المالية في الولايات المتحدة ثم العالم.

 تهيئة الفقاعة

وبالعودة إلى القطاع العقاري المصري، نجد أن العام الماضي 2016 كان نقطة فاصلة في اندفاع شريحة كبيرة من الأفراد إلى اقتناء العقار؛ بهدف الاستثمار فيه، وهربًا من معدلات التضخم المرتفعة، ولحفظ قيمة المدخرات بالجنيه المصري الذي شهد تراجعًا كبيرًا أمام الدولار، إلى أن تم التعويم الكامل؛ لتتجاوز قيمته بعد التعويم 100% عن قيمته قبل التعويم.

“طفرة عقارية بطلب وهمي”، حيث تشير مبيعات الشركات العقارية إلى حجم الطفرة العقارية التي حدثت خلال عامي 2015 و2016؛ ففي الربع الأول وحده من عام 2015 نما القطاع العقاري بمعدل 30%، ومن ثم ارتفعت أسعار مبيعات الوحدات السكنية بنسبة تصل إلى 20%، كما ارتفعت أسعار الأراضي بمعدل 35%، واستمر الارتفاع في الربع الثاني من ذلك العام، وزادت أسعار الوحدات السكنية بنسبة 26% للشقق والفيلات في القاهرة الجديدة، و23% في السادس من أكتوبر.

وفي عام 2016، وتحديدًا في فترة ما قبل تعويم الجنيه المصري، بلغ معدل النمو في قطاع الأنشطة العقارية حوالي 4.6% في العام المالي 2015-2016؛ ليرتفع هذا المعدل في الربع الثاني من العام الماضي إلى 6.2%. 

وعلى سبيل المثال، قالت مجموعة طلعت مصطفى إنها حققت نموًا في مبيعاتها بنسبة 107% خلال أول تسعة أشهر من العام الماضي 2016، وبلغت هذه المبيعات 5.5 مليارات جنيه؛ لترتفع أرباح الشركة بنسبة 15.7% عن العام الذي يسبقه، ليبلغ صافي الأرباح خلال الأشهر التسعة حوالي 616 مليون جنيه، مقارنةً بـ532 مليون جنيه عام 2015.

وتشير أرقام الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى أن هناك زيادة بمقدار عشرة أضعاف في الاستثمارات الأجنبية في السوق العقاري المصري عام 2016، مع زيادة الشركات الأجنبية العاملة في مصر بمقدار ستة أضعاف. 

وظل العقار ذا خصوصية في ذهن المصريين ونفسيتهم على مدار عقود؛ باعتباره ملاذًا آمنًا، ووعاءً ادخاريًا محدود المخاطر، كما أنه يتميز باستدامة ارتفاع سعره، ولا يحتاج إلى كثير خبرة، مقارنة بالمشروعات الأخرى، ويظل العقار محتفظًا بمكانته القوية أمام الأوعية الادخارية الأخرى كالذهب أو العملات الأجنبية كالدولار، وذلك نظرًا للسمة الغالبة على هذين الوعاءين، وهي التذبذب المستمر والتأثر بحركة الاقتصاد العالمي، كما أنه لا يتأثر كثيرًا بالوضع السياسي القائم؛ بل إن الاضطرابات السياسية تعزز نمو القطاع العقاري في مصر. 

وبعد ثورة يناير 2011 انخفض إجمالي الاستثمارات في القطاع العقاري؛ لينشط من جديد خلال عامي 2013 و2014، ليبدأ ما يمكن أن نطلق عليه طفرة عقارية خلال عام 2015، ومع ارتفاع أرباح الشركات العقارية والأفراد المستثمرين نزحت كميات ضخمة من رؤوس الأموال إلى القطاع العقاري في مصر، لتزداد وتيرتها خلال العام الماضي 2016؛ ومن ثم ارتفع حجم الطلب العقاري بهدف الاستثمار إلى مستويات قياسية؛ لا سيما قبيل الإجراءات الحكومية في شهر نوفمبر، حتى قدّره بعض المطوّرين بـ60% من إجمالي حجم الطلب العقاري في مصر.

نمو قطاعي معاكس للنمو الكلي

وما يثير القلق والريبة في الوقت نفسه لهذا النمو هو عدم وجود ما يقابله على مستوى النمو الاقتصادي الكلي؛ بل على العكس، يشهد الاقتصاد المصري تراجعًا ملحوظًا في معدلات النمو الاقتصادي. ففي أعقاب ثورة يناير بلغ معدل النمو الاقتصادي 2.2% فقط، ليرتفع على استحياء إلى ما يناهز 4% تقريبًا في العامين الماضيين.

وانتقل معدل البطالة على الرغم من ذلك إلى خانة العشرات، حتى وصل إلى 13% عام 2013؛ ليستمر بنفس المستوى حتى عام 2015، كما انخفضت المدخرات المحلية بنسبة 27.1% بين عامي 2009 إلى 2013 تقريبًا. 

وتشهد الفترة الحالية منذ بداية تعويم الجنيه المصري والارتفاع المضطرد لمعدل التضخم تراجعًا حادًا في الطلب الحقيقي؛ بسبب التراجع الكبير في القوة الشرائية على مستوى القطاعات كافة، لينال القطاع العقاري النصيب الأكبر من هذا التراجع بسبب وجود الفقاعة السعرية التي تشكلت على مدار العامين الماضيين، والتي لن تتوقف عند هذا الحد أيضًا؛ لارتفاع مدخلات الإنتاج العقاري كالحديد والأسمنت، واستمرار جنوح أسعار الأراضي، الذي تعززه الدولة نفسها من خلال المتاجرة في الأراضي الجديدة المطروحة كما هو مبين من طروحات العاصمة الإدارية الجديدة. 

وفي السياق ذاته، أكد سميح ساويرس، رئيس شركة أوراسكوم القابضة للفنادق والتنمية، أحد أقطاب الاستثمار العقاري والسياحي، في أواخر شهر نوفمبر 2016، أن نمو القطاع العقاري سيستمر حتى العام المقبل، وربما بعد عام آخر، وبعد ذلك من المتوقع أن يدخل في فقاعة؛ بسبب “هوامش الربح الجنونية” والعدد الكبير من المطورين العقاريين الذين يعملون في القطاع.

وفي الوقت نفسه، فإن الطلب على العقارات بدأ في الانخفاض، بينما ترتفع الأسعار؛ وكل ذلك يعتبر مؤشرًا على حدوث أزمة وشيكة في القطاع.

 ركود ما قبل العاصفة 

وبناء على ما تقدم وغيره، فالمشهد الحالي عبارة عن سوق عقاري بأسعار سوقية مُبالغ فيها، مدفوعة بإقبال العديد من الأفراد على الاستثمار في العقارات ومضاربتهم فيه؛ ظنًا منهم بتواصل ارتفاع أسعارها ومن ثم جني الأرباح. 

ويزداد هذا الإقبال بسبب الوضع الاقتصادي الحالي، الذي يبدو معه أن ترك المدخرات سواء بالجنيه أو بالدولار لا يعد خيارًا آمنًا؛ لدرجة التذبذب الكبيرة بينهما. ومن ثم؛ فالعقار هو الوعاء الاستثماري الأنسب، وبالتالي فهو طلب خادع غير حقيقي، مع تراجع للطلب الحقيقي؛ ونتيجة لذلك فإن شبح الركود ربما يبدأ في الظهور خلال الأشهر القليلة القادمة، وهو مقدمة انفجار الفقاعة.

ولا يجب التغاضي عن حقيقة أنه بعد التعويم وارتفاع أسعار مواد البناء خسرت عديدٌ من الشركات أموالًا طائلة لتعاقدها مع المشترين وتأجيل تسليم الوحدات في المستقبل، وذلك بأسعار ما قبل التعويم. 

هذه الشركات اضطرت إلى اللجوء إلى الاقتراض بكثرة للوفاء بالتزاماتها، والعودة من جديد للمشروعات الجديدة التي تمكنها من سداد القروض وتحقيق الأرباح، ويعد هذا الأمر بمثابة المادة التي تُلقى على الأزمة وتفاقمها وتعجل بها. 

تأثير انفجار الفقاعة

ويقفز هنا سؤالٌ محوريٌّ مفاده: “ماذا بعد انفجار الفقاعة كليًا؟”. يتوقف أثر وقع هذا الأمر على حجم التمويل العقاري خلال الفترة التي سبقت هذا الانفجار؛ فكلما ارتفعت ديون المستثمرين الأفراد وكذلك الشركات زادت حدة الأزمة وتعمقت آثارها لتضرب قطاعات أخرى (كالبنوك)؛ لتتبعها هزات عنيفة تنسحب على الاستثمار بشكل عام، ومن ثم يسقط الاقتصاد الكلي في شرك الركود الذي يتبعه ضعف في النمو الاقتصادي المتراجع في الأساس.

وجزئيًا، بعد انفجار الفقاعة تتراجع أسعار العقارات بشدة لتصل إلى مستوياتها الطبيعية، وتفاقم الركود بشكل أكبر؛ ظنًا من قوى الطلب الحقيقية باستمرار الانخفاض، حتى تصل الأسعار إلى دون المستويات الطبيعية، وبالتالي تقع خسائر مهولة تؤدي إلى إفلاس العديد من الشركات العقارية المتوسطة والصغيرة. 

أما الرابح الأكبر من جراء هذه الأزمة فهو المشتري النهائي الذي يقوم بالشراء عند نقطة الانخفاض الكبرى، ليحوز العقار ربما بنصف ثمنه السوقي، وكذلك الشركات الكبرى التي لديها مديونيات منخفضة ولم تتأثر كثيرًا بالأزمة ولديها وفرة في السيولة؛ فتشتري كثيرًا من هذه العقارات التي انخفضت أسعارها ويتمنى أصحابها التخلص منها في أسرع وقت خوفًا من مزيد من الانخفاضات.

ما الذي يمكن عمله من أجل تفادي هذا الطوفان المحتمل؟ 

يُفضل الابتعاد عن الاستثمار في العقارات الفاخرة التي تبلغ الوحدة الواحدة منها ملايين الجنيهات، والاتجاه إلى الاستثمار في وحدات متوسطة يسهل بيعها وقتما تشاء؛ لكِبَر شريحة المشترين لمثل هذه الوحدات، أو التحول إلى الوعاء الاستثماري المناسب لهذه المرحلة، وهو الذهب. 

وفي جميع الأحوال، ينبغي عدم الانجرار وراء عروض الشركات العقارية المغرية بطول مُدد السداد، كما لا ينبغي اللجوء إلى الاقتراض من أجل شراء عقار في الوقت الراهن.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023