شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الجزيرة»: قوات حفظ السلام تضر أكثر مما تنفع.. استغلالات واعتداءات

قوات حفظ السلام

تُرسَل قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة، إلى البلدان التي دمرتها الحروب من أجل مساعدتها للانتقال إلى السلام، لكن بعضهم يُتهمون بارتكاب جرائم ضد الشعب الذي يفترض أن يحموه.

ووفقًا لتحقيق أجرته وكالة «أسوشييتد برس» بين عامي 2004 و2016، تلقت الأمم المتحدة قرابة ألفي ادعاء بالاستغلال والانتهاك الجنسيين من قوات حفظ السلام التابعة لها، وفي حين تقول الأمم المتحدة إن سياستها لا تتسامح مطلقًا مع الاستغلال والانتهاك الجنسيين، يرى الناجون والنشطاء والمحامون ومنظمات حقوق الإنسان أنّ هذه الجرائم سُمح لها أن تمر دون عقاب.

تحاول «شبكة الجزيرة» في هذا التقرير الوقوف على أسباب تحوّل بعض من قوات حفظ السلام إلى ما أسمتهم «الحيوانات المفترسة».

اقتصاد الاستغلال

يقول «مارشا هنري»، أستاذ مساعد في مدرسة لندن للاقتصاد، إنّ قوات حفظ السلام تتلقى ملايين الدولارات من أطراف خارجية فاعلة، ونادرًا ما تصل هذه الأموال إلى المُستهدَفين منها في المجتمع المحلي الموجودين فيه؛ ما يعزز بشكل أو بآخر الشعور بإمكانية الإفلات من العقاب، لافتًا إلى أنّ المشاركين في الأمر يعتبرون وجودهم في مثل هذا الموقف امتيازًا حتى لو كان محفوفًا بالمخاطر؛ خصوصًا في بلد يعاني من تدهور الأوضاع.

ويضيف «باولا دونوفان»، من حملة عالم بلا إيدز، لـ«شبكة الجزيرة»، أنّ قوات حفظ السلام لديها كثير من الحصانات والامتيازات، ويركبون في درجات رجال الأعمال؛ ما يخلق حاجزًا بينهم وبين من يخدمونهم، فدائما ما ينظر إليهم أبناء المجتمع المحلي بـ«هم ونحن». ويضيف «كيلي جو بلون»، المدير السابق في معهد العدالة والمصالحة في جنوب إفريقيا، أنّه غالبًا ما ينظر إليهم من المحليين على أنهم المنقذون؛ لكنهم يرتكبون أعمالًا تندرج تحت العنف، سواء اقتصاديًا أو جنسيًا.

وأضاف «هنري» أنهم لا يتفاعلون مع السكان المحليين بشكل جيد، وما يفعلونه هو التظاهر والتفاخر من داخل مركباتهم المدرعة وخوذهم الزرقاء؛ ما يعزّز نزع الطابع الإنساني عن السكان المحليين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق فرقًا واضحًا بينهم.

فيما تحدث جندي من قوات حفظ السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى، رفض ذكر اسمه، قائلًا لـ«شبكة الجزيرة» إنّ كتيبته أصدرت تعليمات بألا يتحدثوا إلى السكان المحليين؛ منعًا لوقوع أخطاء، مضيفًا أنهم متهمون بفعل أشياء، لم يرد الإفصاح عنها.

حفظ السلام وتجارة الجنس

قالت شبكة الجزيرة إن هناك اقتصادًا واحدًا يمكن أن يغذيه وجود قوات حفظ السلام؛ ففي بحثٍ نشر عام 2016، وجد الباحثون أنّ أكثر من 50% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة الاستقصائية في العاصمة الليبيرية «مونروفيا» شاركن في ممارسة الجنس، وقالت أغلبيتهن إنّ 75% من زبائنهن كانوا من قوات حفظ السلام.

ويعد البحث، الذي أجري على نطاق واسع في مونروفيا بليبيريا، أولى دراسة أُعدّت عن العلاقة بين حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وعاملات الجنس، وجاء فيه أنّ «الجنس مع موظفي الأمم المتحدة بمثابة حياة بالنسبة إليهن»، ووصف هذه الممارسات بأنها تقوّض أهداف الأمم المتحدة الأوسع لبناء السلام في ليبريا؛ فعندما تنسحب البعثة تخلف وراءها اقتصادًا اعتمد عليهم بشكل كبير في توفير سبل العيش لكثيرات.

وقالت «الجزيرة» إنه بين عامي 1991 و1993 ثارت وكالات إغاثة دولية ضد ما وصفته بـ«السلوك التعسفي» الذي ارتكبته قوات حفظ السلام في كبوديا، من زيارات لبيوت الدعارة وممارسة البغاء من فتيات دون السن القانوني؛ ورد حينها رئيس بعثة الأمم المتحدة في كمبوديا حينذاك «ياسوشي أكاشي» بأن الأولاد سيظلون أولادًا.

وتعليقًا على تصريحات «أكاشي»، تقول «ساندرا وايتورث»، أستاذة العلوم السياسية في جامعة يورك الكندية ومؤلفة كتاب «الرجال والعسكرية» و«حفظ السلام في الأمم المتحدة: تحليل جنساني»، إنّ «إحلال السلام في كمبوديا كانت يحدث برجال يعتقدون أنّ من امتيازتهم كعسكريين سهولة الوصول إلى البغايا ومضايقة السيدات غير العاملات في الجنس».

الاستغلال وسوء المعاملة

تقول «شبكة الجزيرة» إنّ الأمم المتحدة لا تشجّع على العلاقات الجنسية بين قوات حفظ السلام والمجتمع المحلي؛ بحجة أنها تعزز من العلاقات غير المتكافئة، لافتة إلى الاستغلال بأنه دفع أموال مقابل إقامة علاقة جنسية مع فرد من المجتمع المحلي، ويفلت مرتكبه من الملاحقة القضائية؛ لاعتباره استغلالًا وليس إساءة، ولكن من الممكن إعادته إلى وطنه.

فالأمر متروك للأمم المتحدة لتقرر ما إذا كان سلوك قوات حفظ السلام استغلالًا أو إساءة معاملة، لافتة إلى تصريح «أوليفييه سالغادو»، المتحدث باسم إدارة أنشطة حفظ السلام في الأمم المتحدة، بأنّ الاستغلال الجنسي علاقة غير متكافئة ولا يعتبر استغلالًا، أم استخدام القوة القسرية في ممارسة الجنس فالأمر يصبح اعتداءً، مشددًا على أن الاثنين يخالفان القيم الأساسية للأمم المتحدة.

موضحا أنّ حالات استغلال جنسي قد تتحول إلى اعتداء جنسي؛ وهو الأمر الذي يجب أن يولى أقصى اهتمام.

الجنس التوافقي وديناميكيات القوة غير المتكافئة

في عام 2003، عندما وضع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان سياسة رفض التسامح مطلقا مع الاعتداء والاستغلال الجنسيين، أراد بها تنحية قوات حفظ السلام عن الانخراط في علاقات تخالف الأهداف التي تسعى إليها هذه القوات وتؤثر على مدى نزاهتها ومصداقيتها.

لكن الأكاديميين والباحثين اختلفوا في مدى فاعلية هذه السياسة؛ فرأى «هنري» أنّ الضغط على قوات حفظ السلام لإبقاء أنفسهم معزولين عن ممارسة الجنس لفترات طويلة أمر غير معقول، ويرى عسكريون أن دفع أموال مقابل ممارسة الجنس لا يعتبر مخالفة كبرى، مؤكدًا أنهم سيفعلونه بعيدًا عن أعين المنظمة.

ويوافقه «بول هيغات»، أستاذ علم الاجتماع والسياسة والدراسات الدولية في جامعة بريستول بالمملكة المتحدة، إنه من غير المجدي حظر العلاقات الجنسية على قوات حفظ السلام.

ويقول «جيل ماثورين»، من حملة عالم بلا الإيدز، إن ممارسة البغاء الاختيار الأخير لأولئك الذين يعانون من الجوع أو يعيلون أسرهم؛ لذا على قوات حفظ السلام أن تعيد تفكيرها في مواقفهم من السلطة والامتيازات الممنوحة لهم.

هكذا يتم الأمر.. اعتداءات بالجملة

استعانت «شبكة الجزيرة» بشكوى وردت إلى الأمم المتحدة خاصة بواقعة اغتصاب جندي من قوات حفظ السلام لفتاة تبلغ من العمر 13 عامًا في عام 2004، كانت الضحية «هيلين ويمبي» في منزلها بقرية بونيا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، عندما جاء فرد من قوات حفظ السلام إلى الباب. وعندما علم أنه لا يوجد أحد كبير في المنزل اقتحمه واغتصبها أمام أعين أشقائها الصغار.

وهو الوقت الذي أفادت فيه وسائل الإعلام الدولية بأن أفراد قوات حفظ السلام يتبادلون البيض والموز وزبدة الفول السوداني لممارسة الجنس مع النساء والأطفال في قرية ويمبي، وقالت النساء المعنيات إنهن جائعات أو مشردات أو بحاجة إلى أشياء لأطفالهن أو أسرهن.

ويوجد حاليًا أكثر من 22 ألف جندي من قوات حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنذ عام 2015 وحتى الآن أبُلغ عن 47 واقعة استغلال وانتهاك جنسيين ولم يُسجن منهم سوى خمسة متهمين.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023