شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«فايننشيال تايمز»: مشهد انتخابات الرئاسة المصرية شهادة وفاة للثورة في الشرق الأوسط بأكمله.. وتونس الأمل

لجنة انتخابية

باستثناء تونس، فالديمقراطيات التي نادت بها ثورات الربيع العربي في 2011 توفيّت، وأثبت المشهد المحبط للانتخابات المصرية اليوم كيف تلاشت؛ واتّضح أنّ حكم عبدالفتاح السيسي أكثر قمعًا من مبارك الذي أطاحت به الثورة المصرية. كما دخلت ليبيا في دائرة من الفوضى العنيفة؛ ما جعل المواطنين يشعرون بالحنين للاستقرار النسبي تحت ديكتاتورية القذافي. أيضًا، سوريا البلد الأكثر مأساوية على الإطلاق؛ خاصة بعدما تحولت ثورتها إلى حرب أهلية خلّفت ملايين القتلى والجرحى والمشرّدين.

هذا ما يراه «جدعون راتشمان»، محرر الشؤون الخارجية بصحيفة «الفايننشيال تايمز»، في مقاله الذي ترجمته «شبكة رصد»؛ مؤكدًا أنّ الانهيار العنيف للربيع العربي أضرّ بالقضية السياسية الليبرالية في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم. ففي أميركا، ترفض إدارة ترامب استمرار الترويج لفكرة الديمقراطية؛ معتبرة أنها ساذجة الآن، بينما يوافق الأوروبيون على ذلك في هدوء، ومن موسكو إلى مانيلا، عادى الديكتاتوريين بقوة.

وهذا التفاؤل الكئيب حوّل الديمقراطية جعلني أقضي أسبوعًا في تونس، البلد الذي بدأ فيه الربيع العربي والوحيد الذي لم تُسحق ديمقراطيته كنظرائه بعد.

انتخابات تونسية

وتخضع تونس إلى حكومة ائتلافية، في تحدٍّ للقمع والعنف المنتشر في منطقة الشرق الأوسط، ومن المقرر أن تنظم انتخابات بلدية قريبًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2019؛ بالرغم من تعرضها لهجمات إرهابية في 2015. لكن، يبدو الوضع الأمني تحت السيطرة، وتعود السياحة إليها بقوة.

وفي الوقت الذي يأمل فيه المتفائلون من تمكّن الديمقراطية من تونس في يوم من الأيام، وأن تصبح نموذجًا يُحتذى به لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يخشى المتشائمون من اتخاذ الديمقراطية منحى آخر، وأنه ستنحدر في نهاية المطاف للاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي دمرت الديمقراطية في أماكن أخرى في المنطقة.

لكن، بالرغم من تشائم المتشائمين، تختلف تونس عن غيرها في امتلاك مزايا سياسية طبيعية، مقارنة بجيرانها؛ فهي خالية إلى حدٍ ما من الانقسامات القبلية والدينية التي طفت على السطح بسرعة في ليبيا وسوريا، كما كانت تونس أوّل دولة في العالم تمتلك دستورًا مكتوبًا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبالرغم من أنّ مؤسساتها الرسمية فاسدة وتنتشر فيها البيروقراطية؛ لكنها دولة فاعلة ويمكنها الاستمرار لما بعد الثورة.

كما تمتلك تونس قاعدة تعليمية قوية؛ أدّت فيها المرأة دورًا بارزًا، وفي الحياة العامة أيضًا؛ ويبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة، مقارنة بمصر (95 مليون نسمة)، كما أنّ جيشها ليس له تقاليد سياسية.

مظاهرات في تونس لحقوق المرأة

وتنعم تونس بسمعة إسلامية معتدلة؛ ففيها «حزب النهضة» السياسي الإسلامي الرئيس، وهو جزء من الائتلاف الحاكم. وقال المحرر: «أخبرني زعيمها راشد الغنوشي الأسبوع الماضي أنه يرفض استخدام مصطلح الإسلام السياسي، ويفضّل الغنوشي (الذي أمضى 20 عامًا في منفاه السياسي بلندن) أن يطلق عليها اسم الديمقراطية الإسلامية، مؤكدًا دعم حقوق المرأة في قضايا الميراث والزواج من غير المسلمين».

لكن، بالرغم من ذلك، ما زال تونسيون علمانيون تساورهم شكوك عنيفة بشأن أهداف حزب النهضة، ويخشون من اعتدال الغنوشي الظاهري؛ فأجندته يجب أن تكون أكثر راديكالية، مثل مصر وتركيا، التي عادي فيها الإسلاميون في النهاية لمحاولة فرض قيمهم على المجتمع الأوسع؛ وهذه الشكوك تؤكّد خطورة تعرّض تونس لاضطرابات إقليمية أوسع، والخطر أنّ الإرهابيين المقيمين في ليبيا قد يعبرون إلى تونس عبر الحدود ويسعون لنشر الاضطرابات، كما حدث في 2015، والقلق الأكبر أن تنجّر تونس إلى الحروب بالوكالة في المنطقة.

راشد الغنوشي ـ رئيس حركة النهضة التونسية

والضعف الوحيد الآن الذي يعتري تونس «الاقتصاد»؛ إذ كمنت جذور الثورة التونسية في اليأس الاقتصادي داخل المدن الصغرى والقرى والضواحي، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 50%، ومنذ 2011 لم تنخفض معدلاتها إلا بدرجات بطيئة، وتباطأ النمو بالفعل؛ خاصة في السنوات التي سبقت الثورة، كما لا يمكن العثور على رواد أعمال شباب في العاصمة التونسية.

ويقول مسؤولون حكوميون إنّهم يأملون في زيادة الصادرات، لكن الجهود الرامية لسد عجز الميزانية يعني أن تونس ستستمر في مدة تقشف لا بأس بها، والجهات المانحة الدولية ممزقة بين ضخ مزيد من الأموال إلى تونس وخوفها من أن تؤدي المساعدات إلى تأخير التخفيضات الضرورية بسبب الإعانات والبيروقراطية. ومع ذلك، لا يوجد شك في رغبة الأوروبيين في دعم تونس.

في الأسبوع الماضي، زار السير «سياران ديفاني»، الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني، تونس للمرة الثالثة في غضون ثلاث سنوات؛ وشملت أنشطته هناك تنظيم نواد لمناظرة الشباب في جميع أنحاء تونس، إضافة إلى تدريس اللغة الإنجليزية وتدريب نشطاء المجتمع، موضحًا أنّ جهودًا مماثلة لدعم المجتمع والاقتصاد التونسي محور البرامج من الاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا وفرنسا (التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون تونس الشهر الماضي).

والإبقاء على الاستثناء التونسي على قيد الحياة قد يثبت أنّ الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان يمكن أن تتجذر في الشرق الأوسط؛ خاصة أنّ ثورة الربيع العربي بدأت في تونس، والآن تحتاج إلى البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء العربي الذي اجتاح دول الشرق الأوسط.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023