شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

بعد وقف أميركا تمويل «أونروا».. سكان غزة «تحت حصارين»

«نحو الأسوأ».. هكذا يتوقع لاجئون فلسطينيون في قطاع غزة أن تؤول أوضاعهم الإنسانية والاقتصادية، عقب قرار الولايات المتحدة الأمريكية، الجمعة الماضي، وقف كامل تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».

الوكالة كانت تعاني أساسًا من أزمة مالية منذ قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يناير الماضي، تقليص مساهمتها خلال 2018، إلى 65 مليون دولار، مقارنة بـ365 مليونًا في 2017، بدعوى أن واشنطن طلبت معالجة «مشاكل في طريقة عمل الوكالة»، لكن لم يحدث تغيير.

اللاجئون في غزة، وهم أكثر من 1.3 مليون، يعانون ظروفًا إنسانية واقتصادية متردية للغاية، وهي معاناة يشاركهم فيها نحو مليون فلسطيني آخرين (من غير اللاجئين) في القطاع؛ جراء حصار إسرائيلي مستمر منذ 12 عامًا.

يتخوف هؤلاء اللاجئون من توجّه إدارة «أونروا» إلى تقليص المزيد من خدماتها المقدّمة إليهم، خاصة في مجالي المساعدات الغذائية والتعليم؛ بسبب السياسة الأمريكية تجاه الوكالة الأممية.

ودعا لاجئون، في أحاديث منفصلة مع وكالة الأناضول، إدارة «أونروا» إلى حشد التمويل اللازم للاستمرار في تقديم خدماتها، كونّها وكالة أممية استحدثت لإغاثة الفلسطينيين الذي هُجّروا من أراضيهم قسراً عام 1948.

وأكدّوا رفضهم «إنهاء قضيتهم وحقّهم في العودة»، متمسكين بحق الرجوع إلى أراضيهم التي هُجّر آباؤهم وأجدادهم منها، حين قامت إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة في ذات العام.

ويقول فلسطينيون إن واشنطن تستهدف «أونروا» في محاولة لتصفيه قضية اللاجئين، تمهيدًا لإعلان خطة سلام أمريكية، تتضمن إجبار الفلسطينيين على تنازلات مجحفة لصالح الدولة العبرية.

** انهيار كامل

وهي تدخل مقرّ توزيع المساعدات الغذائية التابع لـ«أونروا»، تقول الأربعينية ختام الخالدي، التي هُجّر أجدادها من قرية «كرتيا» (على بعد نحو 29 كم عن غزة)، إنها تحصل على سلة غذائية من الوكالة بشكل دوري.

الخالدي، وهي من سكان مخيم جباليا شمالي غزة، تضيف للأناضول أن «السلة فيها طحين وزيت وسكر وحمص وعدس.. أساسيات الحياة».

وتحذّر من أن القرار الأمريكي بوقف دعم الوكالة، من شأنه أن يؤثر سلبًا على اللاجئين الفلسطينيين في غزة، والذين يعيشون أصلًا حياة إنسانية صعبة للغاية.

وتشدد على أن «الحصار بات لا يطاق، الوضع الاقتصادي سيء جدًا.. لا توجد وسيلة للحياة هنا، ولا توجد فرص عمل، حتّى الكرامة الإنسانية لم تعد موجودة؛ بسبب التدهور الحاصل».

وتصف الخالدي القرار الأمريكي بـ«القرار المجحف، الذي يخدم المصالح الإسرائيلية والصهيونية في المنطقة الفلسطينية والعربية».

وتؤكد أن كل «الذين هجّروا من ديارهم وأحفادهم ومن يتبعوهم هم لاجئون بنص القرار الأممي».

وتذكر بأن «أونروا» مطالبة بـ«استمرار تقديم الخدمات لجميع اللاجئين طالما لم يتم حل قضيتهم، ولم يعودوا إلى ديارهم التي هُجرّ أجدادهم منها».

وتتابع: «أرجعُونا إلى بلادنا الأصلية حتى نكون مواطنين، وعندها لن تلزمنا وكالة أونروا».

وتستنكر الخالدي مساعي «الإدارة الأمريكية الحالية لشطب حق عودة اللاجئين”، وتضيف: “تريد أمريكا أن تحرمنا من حقنا في العودة وصفة لاجئ، لكننا سنبقى لاجئين نحمل تاريخ أجدادنا حتّى عودتنا».

وتحذّر من أن «السياسية الأمريكية بحق أونروا تقود اللاجئين الفلسطينيين في غزة نحو الانهيار الكامل على الأصعدة السياسية والاقتصادية والإنسانية».

ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) لعام 2017، يعاني نحو 53 بالمائة من سكان غزة من الفقر، فيما قالت الأمم المتحدة، العام الماضي، إن 80 بالمائة يتلقون مساعدات إنسانية عاجلة.

بدوره يرى اللاجئ الستيني أحمد أبو كويك، من مدينة اللد (38 كم عن مدينة القدس) أن القرار الأمريكي من شأنه أن يؤثر سلبًا بشكل كبير على اللاجئين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، نحو 5.9 مليون لاجئ، بحسب أحدث بيانات فلسطينية رسمية.

ويتابع أبوكويك، في حديث مع الأناضول، أن “القرار (الأمريكي) قد يؤدي إلى المزيد من التقليصات في خدمات أونروا، وهذا يفاقم المعاناة التي نعيشها أصلًا في غزة بفعل الوضع الاقتصادي السيء والحصار”.

ويضيف أن القرار ربما يؤثر سلبًا على مدارس أونروا ويؤدي إلى «إغلاقها بشكل كامل، ما يضرب مستقبل أجيال فلسطينية كاملة ويودي بها نحو المجهول».

ويدعو اللاجىء الفلسطيني إلى ضرورة بذل «الدول العربية والإسلامية جهودًا سياسية ودبلوماسية من أجل التصدّي لقرار الولايات المتحدة».

** معاناة المخيمات

من إحدى أزقة مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي غزة، تخرج الشابة هدى البرعي (29 عاما)، لتنشر ملابس طفلتها التي غسلتها على يديها لتوّها أمام باب المنزل.

البرعي، التي هُجّر أجدادها من قرية “دمرة” (نحو 12 كم عن غزة)، تنظر بغضب إلى القرار الأمريكي بوقف تمويل «أونروا».

وتقول للأناضول: «بالكاد نستطيع أن نعتاش على السلة الغذائية التي تقدّمها لنا الوكالة كل ثلاثة شهور، فكيف سيكون الحال عندما تقطعها بشكل كامل ؟!».

وتتخوف البرعي من تأثير القرار الأمريكي سلبًا على خدمات «أونروا» التي تقدّمها إلى اللاجئين، ما يؤدي إلى قطع المساعدات الغذائية المقدّمة.

وتوضح اللاجئة الفلسطينية أن الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين صعب للغاية، وربما وصل قاطنوه إلى تحت خط الفقر، على حدّ قولها.

وتضيف: «لو أردنا الحديث عن الأوضاع الاقتصادية أو الإنسانية أو حتّى البنى التحتية للمخيم، فكله تحت الصفر».

ويعتاش معظم اللاجئين الفلسطينيين في المخيم على مساعدات غذائية تقدّمها إليهم “أونروا”، في ظل انعدام توفر فرص العمل بالقطاع.

وتضيف قائلة: «الناس وضعها كتير صعب، يمرض أحدهم ولا يجد ثمن العلاج فإما يستدينه من جاره وإما ينتظر العلاج المجاني».

كما تتخوف البرعي على مصير طلبة مدارس «أونروا» في حال قررت الوكالة إغلاق مدارسها.

وتقول: «لدينا أبناء وأحفاد داخل الوكالة، ما مصيرهم في حال أغلقت الوكالة أبوابها بسبب الأزمة المالية والقرار الأمريكي الأخير؟».

وتدين البرعي القرار الأمريكي الذي قالت إنه «يخدم المصالح الإسرائيلية، ويمهّد لشطب حق عودة اللاجئين».

وترى أن المجتمع الدولي تآمر على اللاجئين الفلسطينيين وأوجدوا لهم وكالة «أونروا» كـ«مسكن كي يمضي الوقت على حق العودة».

وكانت «أونروا» قد تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتضيف اللاجئة: «كان المفترض منذ البداية أن تتم إعادتنا إلى أراضينا التي هجّرنا منها، دون استحداث وكالة أونروا».

وتدعو البرعي الدول «العربية إلى الوقوف بجانب اللاجئين الفلسطينيين ونصرة حقهم في العودة، وتقديم التمويل لوكالة أونروا كي تستمر في تقديم خدماتها».

** حق العودة

أمام العيادة الصحية التابعة لـ «أونروا» غربي مدينة غزة، تُرتب اللاجئة حليمة المسارعي (82 عاما) ملابس أطفال تعرضها للبيع على طاولة خشبية متهالكة.

كانت المسارعي في عمر 12 عاما حينما هُجّرت من قرية «حمامة» (الجنوب الغربي من ساحل فلسطين المحتل).

ولا زالت تذكر تلك الزجاجات والأحجار التي اخترقت قدماها الناعمتين أثناء الهجرة مشيًا على الأقدام الحافية؛ كأنها حدثت لتوّها.

وتقول المسارعي إن وجود وكالة «أونروا» في حياتهم لم يعوضّهم عن أيام «التعب والهجرة والخوف والسير نحو المجهول».

لكنّ الوكالة الأممية بطبيعة الحال، قدّمت القليل من المساعدات الغذائية للاجئين الفلسطينيين كي تساعدهم على الاستمرار في حياتهم، كما تضيف.

وتشير إلى أن عائلتها في اللحظات الأولى لوصولها إلى غزة بعد الهجرة «كانت تخلط ردّة القمح بالرمل وتعجنها وتأكلها كالخبز»، في إشارة إلى العوز.

وللعام الأربعين على التوالي، تعمل المسارعي بائعة ملابس أمام مقر العيادة الصحية لـ«أونروا»، لكنّها تعاني اليوم من صعوبات جمة لكبر سنّها وإصابتها خلال الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على غزة، منتصف 2014.

وبالكاد تستطيع اللاجئة الفلسطينية توفير «لقمة عيشها من خلال بيع تلك الملابس» في ظل قلّة إقبال المواطنين على الشراء بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.

وتوضح المسارعي أن «أونروا تحاول إنهاء خدماتها في غزة، حيث قلّصت العشرات من موظفيها».

فيما تدعو المسنة الفلسطينية، الوكالة إلى «عدم تقليص خدماتها والمساعدات الإنسانية، لأنها الشيء الوحيد الذي يُعين اللاجئين على الحياة».

وترفض المسارعي كافة «المخططات الأمريكية والإسرائيلية لإغلاق وكالة أونروا وإنهاء حق عودة اللاجئين».

وتقول: «فليرجعونا إلى بلادنا، سنأكل رمل هناك ولا نريد أن يعطونا ذهب في غزة».

وتختم بالتشديد على أن «حق العودة ثابت، ولن تستطيع الإدارة الأمريكية أن تحرم اللاجئين الفلسطينيين منه».



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023