ثلاثون عاما أقنعنا فيهم النظام السابق بأن المخلوع محمد حسني مبارك هو صاحب الضربة الجوية الأولى, وارتبطت حرب أكتوبر بإنجازات المخلوع وبدورة الباسل فيها على حد قوله، كما لعب الإعلام وقتها دورا مهما لترسيخ هذه القناعة لدى المصريين على مدار الثلاث عقود, وإهمال كل من له دور حقيقي بحرب أكتوبر.
وكشف اللواء الطيار محمد عكاشة – أحد طياري حرب أكتوبر – مفاجأة بأن كل ما روج له إعلام النظام السابق كان من محض الكذب؛ حيث قال في حوار له: "إنه شعر بالصدمة حينما سأله أحد الشباب في ميدان التحرير عن حقيقة ما إذا كان مبارك بالفعل قد استقل طائرته وقاد القوات الجوية في حرب أكتوبر أو أنه كان صاحب أول قنبلة تلقى على إسرائيل وصاحب أول ضربة جوية بالفعل".
وأكد «عكاشة» أن المخلوع مبارك لا يستطيع أن يقول: إنه صاحب الضربة الجوية الأولى التي بدأت في السادس من أكتوبر؛ حيث بذلت الجنود والقوات المسلحة من الدماء الكثير قبل السادس من أكتوبر بسنوات حتى تتحقق هذه الضربة كما أن الرئيس المخلوع حسني مبارك, الذي كان قائدا للقوات الجوية إبان حرب رمضان لم يشارك كطيار في الطلعة الجوية الأولى كما روجت آلة الدعاية وكما روج لذلك مطربو الحكومة.
وقال عكاشة: إن الضربة الجوية اشترك في تنفيذها حوالي 5 آلاف شخص، ولم تكن من تصميم مبارك وإنما قام برسم تفاصيلها اللواء محمد شبانة – رئيس غرفة عمليات بحرب أكتوبر – منوها إلى أن تنفيذ الضربة نفسها قد اشترك فيها حوالي 200 طيار يقوم بخدمتهم 200 مهندس و5000 ميكانيكي، مستنكرا اختزال مجهود قام به حوالي 6 آلاف في شخص واحد هو حسني مبارك، وتجاهل المجهود الذي قام به عدد من اللواءات أثناء حرب أكتوبر, ومن بينهم اللواء جمال محمد علي – المسئول عن الهيئة الهندسية – وهي الهيئة المسئولة عن عملية عبور خط بارليف وعن إنشاء أغلب المطارات والممرات.
فيما تحدث قائد ثاني القوات الجوية الفريق أول محمود شاكر عبد المنعم عن دوره بالتخطيط والإعداد والتدريب على الضربة الجوية والمعارك الجوية بالبرنامج الإذاعي «حديث ذكريات» بعد 6 سنوات من حرب أكتوبر، وقال أثناء حديثه: إنه قام بالتخطيط للضربة الجوية والإعداد لها, وتدريب الطيارين عليها, وقدم بروفة بمشروع الضربة الجوية إلى الرئيس السادات قبل الحرب بشهرين؛ للتأكد من نجاحها, وهذه الحقائق التاريخية الثابتة التي يعلمها جميع كبار قادة القوات المسلحة حرص الرئيس المخلوع على تغييب الشعب عنها طوال ثلاثة عقود برفع صوره من بانوراما حرب أكتوبر حتى ينفرد وحده بصاحب الضربة الجوية بتزييف التاريخ, وهو ما كان ليستطيع أن يفعله إلا بعد وفاة القائد الثاني في أبريل.
ويذكر أنه تم تنفيذ الضربة الجوية في ثلث ساعة، وعادت الطائرات المصرية في الثانية وعشرين دقيقة خلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوي من حيث الوقت والارتفاع.
وفور عودة الطائرات بدأت أجهزة التليفونات العديدة الموجودة بمركز قيادة القوات الجوية في الإبلاغ عن الطائرات التي عادت سالمة، واتضح أن جميع الطائرات عادت سالمة بفاقد خمسة طائرات فقط وهو عدد هزيل ولا يكاد يذكر بالنسبة لخسائر إسرائيل نفسها أثناء تنفيذها لضربتها الجوية عام 1967.
وبذلك فقد حققت الضربة الجوية نجاحا بنسبة 90% من المهام المكلفة بها، بينما بلغت نسبة الخسائر 2% وهي نتائج أذهلت العدو قبل الصديق فقد كان تقدير الاتحاد السوفيتي الرسمي بواسطة خبرائه قبل أن يخرجوا من مصر أنه في أية حرب مقبلة فإن ضربة الطيران الأولى سوف تكلف سلاح الطيران المصري على أحسن الفروض 40% من قوته ولن تحقق نتائج أكثر من 30%.
وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم 6 أكتوبر قبل الغروب لكن نظرا لنجاح الضربة الجوية الأولى في تحقيق كل المهام التي أسندت إلى القوات الجوية فقد قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية.
وكان من نتائج الضربة الجوية أن فقدت إسرائيل توازنها بالكامل ليس لأربعة وعشرين ساعة الأولى والحاسمة فقط وإنما لأربعة أيام كاملة فقدت فيها السيطرة على قواتها في سيناء وانقطع الاتصال كاملا بهذه القوات.