شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

إيران من العزلة إلى الإنطلاق

إيران من العزلة إلى الإنطلاق

بقلم: م.عاصم عليوة

ثمانية أيام متواصلة تمكنت فيها ست دول ( أمريكا – انجلترا – فرنسا – روسيا – الصين – ألمانيا ) إلى التوصل لإتفاق مع إيران – أطلق عليها إتفاق لوزان ، هذا الإتفاق نص فى ثناياها على تخفيض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب من ألف كيلو جرام الى ثلثمائة كيلو جرام ، ونسبة تخصيب اليورانيوم لا تتجاوز 3.7 % لمدة 15 عاما ، وتخفيض أجهزة الطرد المركزى من 19 ألف جهاز الى 6104 جهاز طرد مركزى ، وتحويل جميع المفاعلات النووية الحادية عشر إلى مفاعلات بحثية عدا مفاعل واحد فقط ، و السماح لمفتش الوكالة الدولية بتفتيش هذه المفاعلات باستمرار ، كل هذه الاشتراطات مقابل رفع العقوبات المفروضة على ايران منذ عدة سنوات ، هذا هو مجمل الاتفاق المبدئى الذى سيتحول الى اتفاق نهائى بحلول 30 يونيو المقبل ، هذا الاتفاق يبدو للوهلة الاولى ان ظاهره الانكسار ولكن باطنه ملئ بالانتصار لكل الاطراف .

الرابح الأكبر

خرجت إيران من هذا الاتفاق محققة اهداف عدة ، ترجمتها الى مكاسب سياسية و اقتصادية و عسكرية ، فسياسيا حصلت إيران على اعتراف دولى بأحقيتها فى التكنولوجيا النووية حيث يقضى هذا الإتفاق الحفاظ على البنية التحتية النووية ، فضلا عن أنه سيزيد من الثقل السياسى لطهران فى المنطقة بأسرها ان لم يكن فى العالم كله ، اما اقتصاديا فهذا الاتفاق يعيد إيران الى الخريطة الدولية الاقتصادية ، وان العقوبات التى سترفع عنها تقدر بمائة مليار دولار، فضلا عن رفع خطر الاستيراد و التصدير من والى إيران ، مما سيسهم فى نهضة اقتصادية شاملة ستشهدها إيران على المستوى القريب ، أما عسكرياً فستعمل إيران على استيراد الأسلحة التى فى احتياج اليها ، بعد رفع حظر بيع الأسلحة عنها ، كما ستعمل على تطوير و تحسين منظومتها العسكرية .

صمت عربي

فور صدور الاتفاق اى رد فعل للدول العربية سوى عمان التى وصفت الاتفاق بانه تاريخى ، أما السعودية تمنت أن يحقق هذا الاتفاق الاستقرار فى المنطقة ، وكان ذلك خلال مكالمة هاتفية بين الملك سلمان و الرئيس اوباما ، اما القاهرة فقد اعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية ان مصر ستواصل مع المجتمع الدولى لمعرفة تفاصيل هذا الاتفاق .
الشاهد ان الدول العربية كانت بعيدة كل البعد عن تفاصيل هذا الاتفاق ، بالرغم من انها اولى دول العالم تاثرا بهذا الاتفاق ، و هذا التجاهل يدل على ان العرب اصبحوا امرا ثانويا حتى فيما يخص امنهم القومى ، ولابقاء الصمت العربى على حاله دعا اوباما قادة الخليج لعقد قمة خليجية امريكية بكامب ديفيد ، لشرح لهم الموقف الدولى واطلاعهم على بنود هذا الاتفاق.

استنكار إسرائيلي

بمجرد اعلان الاتفاق دعا نتنياهو حكومته المصغرة الى اجتماع لمناقشة نتائج هذا الاتفاق ، و اعقب ذلك بيان اكد فيه نتنياهو ان هذا الاتفاق يهدد الدولة الصهيونية ، و سيشكل خطرا على العالم باسره ، وانه يساعد إيران على امتلاك السلاح النووي ، واكد ان اسرائيل ستمارس كل ما تملكه من وسائل للضغط على المجتمع الدولى لايقاف هذا الاتفاق ، وهو ما حدث بالفعل منذ شهر ، عندما القى نتنياهو كلمة فى الكونجرس الامريكى مطالبا اعضاؤه بالوقوف ضد اى اتفاق يبرم مع ايران ، لان فى ذلك تهديد للدولة اليهودية .
الشاهد ان اسرائيل تدرك مخاطر امنها وتعمل على انهاء هذه المخاطر ، ويبدو هنا التعامل الامريكى واضحا ، فقد تم دعوة نتنياهو الى امريكا قبل اتمام هذا الاتفاق ، اما العرب وبعد انتهاء المفاوضات و اعلان الاتفاق تمت دعوتهم لكامب ديفيد ؟!

ازدواجية المعايير

هذا الاتفاق إن دلّ فإنما يدل على أن المجتمع الدولى يتعامل مع الدول بطرق مختلفة ؛فبمجرد سعى إيران للحصول على التكنولوجيا النووية فرض عليها العقوبات وتم التضييق عليها ، وفعل أكثر من ذلك ف العراق وسوريا وليبيا من قبل ، أما إسرائيل فهى اليوم تمتلك أكثرمن مائتى رأس نووية فى تهديد واضح للأمن والسلم الدولى ، ومع ذلك لم يتخذ العالم ضدها أى قرار ، ولم يستطع أن يصدر أى قرار أو توصية يدعوها بوقف أنشطتها النووية ، أو على الأقل السماح لمفتش الوكالة الدولية بزيارة مفاعلاتها ،هذه الازدواجية تؤكد أننا ما زلنا نعيش فى عصر القوى هو الذى يتحكم فى المشهد الدولى ، فقوة إسرائيل نافذة ، ولا يستطيع أحد أن يتحدث عما تمتلكه من رؤساء نووية ، ولولا أن إيران تمتلك بعضاً من القوة وشيئا من النفوذ لفعل بها ما فعل بالعراق .. إذاً من يملك القوة سيملك القرار فى مجتمع تسيطر عليه معايير مزدوجة .

اختبار حرج

يبدو أن الاتفاق سيسبب أزمة سياسية طاحنة فى أمريكا حيث يقضى الاتفاق برفع العقوبات الأمريكية عن إيران ، وقد وافقت الادارة الأمريكية ممثلة فى جون كيرى على ذلك ، ولكن رفع العقوبات هو من اختصاص الكونجرس الأمريكى ، ولذلك فقد توجه نتنياهو إلى الكونجرس لأن الأخير هو من يملك رفع العقوبات عن إيران ، ويبدو أن اللوبى الصهيونى فى أمريكا يدعو لرفض هذا الإتفاق ، وإذا نجح فى ذلك فإن هناك أزمة ستحدث بين الإدارة الأمريكية والكونجرس ، لأنه لو تم رفض رفع العقوبات من قبل الكونجرس فإن الإتفاق مع إيران كأن لم يكن ، وعندها ستكون الإدارة الأمريكية فى موقف حرج لا تحسد عليه .

الرقم الصعب

إيران منذ الثوره الإسلامية و هى تخوض معارك سواء كانت عسكرية أو سياسية أو إقتصادية ، و رغم ذلك كانت تسعى دائما ألا تخرج من أى معركة خاسرة ، بل تسعى دائما لتحقيق مكاسب لها ، و التمكين لنفسهاو زيادة نفوذها ، و بدأت تبحث عن أى مكان يمكن أن يحقق لها أهدافها و يزيد نفوذها ، فبدأت. بلبنان و دعمت المقاومة اللبنانية الممثله فى حزب الله و زادت فى دعمها لها حتى أصبح لها الكلمه الأولى فى هذه البلد .

لم تتوقف إيران عند ذلك و انتهزت فرصة إحتلال أمريكا للعراق ، و استثمرت تلك الفرصة و تمكنت من نشر رجالها فى دوائر الحكم العراقى ، إلى أن خرج علينا مستشار الرئيس الإيرانى ليؤكد أن إيران أصبحت امبراطورية عاصمتها بغداد ، لم تتك إيران الربيع العربى يمر بسلام فدعمت شيعة البحرين ، و دعت العالم إلى الإعتراف بأن ما يحدث فى البحرين ثورة مثل باقى ثورات العرب ، و عندما أراد العالم ان يدعم الثورة السورية ، وقفت إيران ضد رغبة السوريين ، و دعمت بشار الأسد بكل ما تملك ، و أفشلت الثورة السورية ، و ما زالت سوريا حتى الآن تغوص فى دماء أبنائها و تعيش فى دماء بنيانها بسبب النفوذ الإيرانى المتواجد فى دمشق ، و عندما أراد عبد الله صالح أن يخون اليمن تحالف مع الحوثيين المدعومين من إيران ، فمكنهم من مؤسسات الدولة اليمنية ، و ما أن تمكن الحوثيون انقلبوا على صالح ، و أصبحت إيران هى التى تحكم اليمن من خلال أحد أذرعها .
إذا الهلال الإيمانى الشعبى يزداد كل يوم فى المنطقة ، و ينشر النفوذ الإيرانى إقليميا كانتشار النار فى الهشيم ، فهل بعد هذا الإتفاق سيتقلص الدور الإيرانى ؟
كلا سيزداد النفوذ الإيرانى و ستصبح إيران هى الرقم الصعب فى أى معادلة تختص المنطقة بأسرها .

كلمة أخيرة

إن إيران تزداد قوة و نفوذا فى المنطقة ، و السبب الرئيسى فى ذلك هم العرب أنفسهم لأنهم هم من هيأوا لإيران هذه الفرصة ، من خلال أفعالهم فعلى سبيل المثال: – 

(١) محاربة أكبر فصيل سنى ذو قاعدة شعبية عريضة فى المنطقة ، مقابل مصالح شخصية لبعض الملوك و الرؤساء .

(٢) عدم دعم المقاومة ، بل العمل على حصارها ، والوقوف ضدها ، واصدار احكام بحظرها ،واعتبارها منظمات ارهابية ، ومساندة اسرائيل والتواصل معها .

(٣)تكالب الرؤساء والملوك على اقامة دولة ديكتاتورية ومستبدة مهما كلفهم الامر .

(٤)العيش تحت كنف امريكا ،واتباعها سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، وعدم العمل على تحقيق السيادة العربية ،فالقواعد الامريكية تملئ بعض البلدان العربية ، والبعض الاخر مجالة الجوى مستباح للطائرات الامريكية مقابل معونات سنوية.

(٥)عدم استيعاب العرب الشيعة ،والعمل علىة اهمالهم ، وانشاء العداوات معهم مما جعل ولائهم للدولة الايرانية ، فكانوا اداة لايران ، تحركهم كيف شاءت فى المجتمعاتالعربية .

إن على العرب فرصة تاريخية ، بان يلتحموا مع شعوبهم وان يعلموا ان قوتهم بايديهم وليس بيد احد ،وانهم ان ارادوا ان يعيشوا فى هذا الزمان فليبحثوا عن قوتهم فلا عيش فى هذا الزمان الا للاقوياء .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023