كثر الجدال في الأيام الأخيرة حول موضوع الاصطفاف الوطني الذي دعت إليه بعض الشخصيات الوطنية لمواجهة النظام العسكري الفاشي الذي يدير مصر الآن. اعترض قطاع ليس بالقليل (أغلبهم ممن ينادي بعودة الشرعية المتمثلة في الدكتور محمد مرسي والبرلمان ودستور 2012 ومجلس الشورى) على هذا الموضوع وهاجموه بشدة لأسباب مختلفة؛ من أهمها عدم قبولهم الاصطفاف مع بعض الشخصيات وبعض الحركات والاحزاب شاركوا في تظاهرات 30 يونيو 2013 وطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة واتهموهم بالخيانة.
لا شك أن الأمر يحتاج إلى التأني وعدم إطلاق الاتهامات لمجرد اختلافنا مع بعض الشخصيات والحركات في طريقة إدارة المرحلة.
مبدئيا لا بد أن يعترف الرافضون للاصطفاف الوطني بالآتي:
1- فاز الدكتور محمد مرسي بنسبة 51.73% من إجمالي أصوات الناخبين، مما يدل على الفرق البسيط جدًا بينه وبين مرشح الثورة المضادة “أحمد شفيق”.
2- وقع التيار الإسلامي (وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين) في أخطاء كثيرة منذ الاستفتاء على الدستور في مارس 2011، مرورًا بفترة حكم المجلس العسكري، ثم فترة حكم الدكتور مرسي وحتى انقلاب الثالث من يوليو عام 2013، لا يتسع المجال لذكرها.
3- شعبية الإخوان المسلمين نتيجة الأزمات المفتعلة والتشويه الإعلامي الظالم وعدم تعاون أجهزة الدولة بشكل جاد وصلت إلى أدنى مستوى لها يوم الانقلاب على الدكتور مرسي ولم تتغير كثيرًا حتى بعد أن أثبت النظام الحالي للجميع أنه فاشل في حل الأزمات.
4- ليس كل من نزل احتجاجات 30 يونيو فلولًا وعملاء وانقلابيين ومجرمين، ولكن كان هناك من لديه مطالب مشروعة.
هذه بعض النقاط التي يجب أن نعترف بها ولا يستطيع قارئ جيد للمشهد أن ينكرها.
ثورة 25 يناير كانت مفاجئة للجميع والسقوط السريع للمخلوع مبارك لم يعط فرصة للقوى المشاركة في الثورة لترتيب أوراقها حتى وصلنا إلى يوم الاستفتاء على الدستور في مارس 2011 الذي كان بداية شق الصف الثوري وبداية أولى خطوات الثورة المضادة (بعيدًا عن الدخول في مسألة أيهما كان على حق معسكر “نعم” أم معسكر “لا”).
مرت الأيام ووقعت أحداث كثيرة أشهرها أحداث “محمد محمود”، و”مجلس الوزراء”، و”العباسية”، و”ماسبيرو”، و”الاتحادية”، ومع مرور الوقت يتفرق الثوار أكثر فأكثر حتى وصل الاستقطاب إلى مرحلة مخيفة، وبعد ذلك وقعت احتجاجات 30 يونيو، تلاها الانقلاب العسكري في 3 يوليو.
تصدر الإسلاميون المشهد وواجهوا الآلة العسكرية بمفردهم ووقعت مجازر كثيرة بحقهم وكانت الصدمة في مجزرة رابعة العدوية في أغسطس 2013.
مع مرور الوقت، أصبحت المعركة بين الإخوان المسلمين (فصيل) والطغمة العسكرية، وواجه أعضاء الإخوان المسلمين أشد أنواع التنكيل نتيجة هذا الصراع.
بدأت الأمور تضيق شيئًا فشيئًا وبدأ الزخم الثوري يقل نتيجة هذا القمع وطبيعة الصراع التي كانت تبدو لكثير من الشعب على أنه صراع على السلطة متمثلة في ثنائية (انقلاب وشرعية).
يجب أن يفهم أبناء التيار الإسلامي طبيعة المعركة الحالية وأن ثنائية (انقلاب وشرعية) المستفيد الوحيد منها هو النظام الفاشي الجاثم على صدورنا.
ويجب أن ندرك أن فشل النظام الحالي يومًا عن يوم يزداد، ويومًا عن يوم ينفض الناس من حوله، ولكن في الوقت نفسه لا بد أن نعترف أن المنفضين أكثرهم لا يتجهون إلى معسكر “الشرعية” ولكنهم في انتظار راية جامعة يتفق عليها الجميع.
كثيرًا ما أسمع من أبناء المعسكر المناهض للانقلاب مقارنة بين الأوضاع في مصر والأوضاع في أميركا الجنوبية في فترة الانقلابات العسكرية في “البرازيل”، و”تشيلي”، و”أورجواي”، و”الأرجنتين”، ولكنهم لم يلاحظوا أن شعوب هذه البلدان لم تتحرر وهي تطالب بعودة شرعية أو برلمان أو دستور، ولكنها تحررت بعد أن اتفقوا على مبادئ عامة متفق عليها من الجميع مثل ملف المعتقلين، والمختفين قسريًا، وتردي أحوال المعيشة، والتحول الديمقراطي.
لم يقم بالثورة الإيرانية فصيل واحد، ولكنها كانت ثورة تضم الإسلاميين والليبراليين، اتفقوا على خلع الشاه، ولم تكن الثورة الفرنسية ثورة حزب أو جماعة واحدة ولكن كانت ثورة جامعة اتفق فيها الجميع على مواجهة الامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين والطبقة الأرستقراطية، كما لم يكن الكفاح في جنوب إفريقيا من أجل مطالب حزبية بل اتفق الجميع على مواجهة نظام الفصل العنصري.
يقول المفكر الأميركي جورج سانتايانا: “إن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بإعادته”.
وبناءً على ذلك لا بد أن نتعلم من أحداث سوريا في ثمانينيات القرن الماضي؛ بعد أن استفرد نظام حافظ الأسد بالإخوان المسلمين وارتكب بحقهم مجزرة في مدينة حماة، ومن أحداث الجزائر في العشرية السوداء؛ عندما انفرد النظام العسكري في الجزائر بالإسلاميين بعد إلغائه للانتخابات.
بقاء الإسلاميين بمفردهم على الساحة يضعف موقفهم ويجعل من السهل التفنن في تشويههم طبقًا لأفكارهم؛ فأصبح إطلاق لفظ “الإرهاب” ذا مصداقية عالية والذي ارتبط في ذهن الكثيريين بالإسلاميين، وهذا ما يصعب تحقيقه إن كانت الساحة تضم جميع أطياف الشعب. الحرب خدعة وكما يوجد في الحروب كر وفر يوجد في السياسة أيضًا كر وفر، وهذا ما فعله قادة الثورة المضادة بعد خلع مبارك حتى انقلاب 3 يوليو؛ فكلما فشلوا في وضع وتحقيق خطة للانقلاب على الثورة انتقلوا مباشرة إلى خطة أخرى، ويمكن للجميع مراجعة الأحداث. لا يمكن لأحد التحدث الآن هل ستكون الثورة سلمية أو مسلحة؟!! ما دام فصيل واحد هو الذي يتصدر المشهد؛ لأن إعلان فصيل واحد رفع السلاح يعتبر بمثابة انتحار سياسي.
ما الحل إذًا؟
الحل يكمن في خمسة محاور رئيسية:
1- الاصطفاف الوطني على مبادئ عامة تلم شمل الجميع والبعد قدر الإمكان عن التفاصيل حتى نستطيع أن نصل لما يسمونه “الكتلة الحرجة”.
2- التفريق بين من طالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة وبين من أيدوا القتل بشكل واضح وصريح؛ لأن هناك فرقًا شاسعًا بينهم، وهذه هي مسؤولية النخبة التي تتصدر المشهد الثوري الآن.
3- استقبال المنفضين من حول النظام الحالي بالترحاب والفرح والاحتواء وليس بالشماتة والتخوين والطرد، ما داموا انفضوا قبل تغير المعادلة وموازين القوى، فإنك أن تأتي متأخرًا خير لك من أن لا تأتي أبدًا.
4- وضع رؤية مشتركة لما بعد زوال الانقلاب حتى يعرف الشعب ما هو البديل وما هي مآلات الأمور بعد زوال الطغمة العسكرية؛ لأن غموض المستقبل يجعل الكثير يفضل عدم المجازفة والسير وراء المجهول.
5- استخدام المصطلحات والكلمات التي تهدئ النفوس وتساعد علي توحيد الصف والحذر كل الحذر من الإيميلات الوهمية التي تخترق صفوف شركاء الثورة على شبكات التواصل الاجتماعي وتبث سمومها لضمان استمرار الشقاق والخلاف بين رفقاء يناير، فليكن شعارنا لتقل خيرًا أو لتصمت.
يقول المفكر الدكتور “محمد بن المختار الشنقيطي”، في مقال نشره تحت عنوان “الجهاد على بصيرة”.
“إن الجهاد ضد الاستبداد فعل اجتماعي جامع يحتاج إلى لم الشمل ورص الصف، فهزيمة المستبدين وإقامة دولة الحرية والعدل أصعب من أن تنوء بهما طليعة مجاهدة”.
كما قال أيضًا: “لن تنجح منازلة غاز خارجي، ولا ثورة على مستبد داخلي، إلا تحت راية جامعة، تلملم شتات الأمة، وتوحد أحرارها على مطلب الحرية والعدل للجميع. ولن تنتصر الهبة الجهادية الحالية ضد الاستبداد إلا إذا تحولت تيارًا اجتماعيًا جامعًا”.
ليس الهدف من مقالي هذا الدعوة إلى إعلان الاستسلام أو الخنوع ولا أنكر حق شريحة ليست بالقليلة بمطالبتها بعودة الشرعية. كما أيضًا لا أقصد من مقالي هذا تحميل التيار الإسلامي تبعات كل شيء وأعلم جيدًا أن هناك متطرفين علمانيين وليبراليين لا يمكن الاصطفاف معهم ولكنهم بالتأكيد أقل من المعتدلين.
في النهاية، على الجميع أن لا ينسى من هم في السجون والمختفين قسريًا والمطاردين والمهجرين في سيناء وإيجاد حل لإنهاء معاناتهم المستمرة، وفك الله أسر الدكتور محمد مرسي وكل المعتقلين دون استثناء.
إن شاء الله وأطال في عمري سأوجه رسالة أخرى إلى القوى الأخرى غير المنتمية إلى الإسلام السياسي.