شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

احتفال القتلة على أنقاض حلب – ياسر الزعاترة

احتفال القتلة على أنقاض حلب – ياسر الزعاترة
لم تضع الحرب أوزارها بعد، واحتفال أولئك سابق لأوانه، وسيدركون ذلك كما أدركوا من قبل في جولات سابقة، وليتذكروا كم مرة احتفلوا خلال خمس سنوات، ثم تبين أن المعركة لا تزال طويلة، تماما كما هو حال الحروب الطائفية.

هياج استثنائي في إعلام التابعية الخامنئية، بسبب التقدم الذي أحرزته عصابات “الولي الفقيه” في حلب، لكأنها تخوض معركة مع دولة كبرى، وتحقق الانتصار النهائي الذي سيغدو كل شيء بعده على ما يرام.

ليس بوسع أحد أن ينكر الواقع الميداني على الأرض، ولولا بسالة الثوار لكان ينبغي أن يحدث ما هو أسوأ من ذلك قبل شهور، لكن ذلك لا ينبغي أن يُنسي المحتفلين؛ من طهران إلى موسكو وصولا إلى ضاحية بيروت الجنوبية وسائر مناطق الأتباع، بأنه انتصار على شعب، وليس انتصارا على مؤامرة كما كانوا يزعمون، وها إن فضيحتهم بالتحالف مع نتنياهو عبر بوتين تغدو على رؤوس الأشهاد، فضلا عن التواطؤ الأمريكي مع العدوان الروسي الإيراني.

والفرق كبير دون شك، بين من يؤيدون ثورة شعب نبيلة ضد طاغية فاسد، تقف من ورائه أقلية محدودة استمتعت بالسلطة والثروة، أو جزء منها بتعبير أدق، وبين من يقفون في المربع الآخر، لا سيما إذا كانوا يتوسلون قيما نبيلة في خطابهم، بينما هي تصفعهم ليل نهار وتفضح تناقضاتهم.

هذا التقدم الميداني الذي يحتفل به الشبيحة ليس من لون الانتصارات التي تستحق الفخر، بل هو من اللون الذي يجلل أصحابه بالعار، فهو انتصار قوة دولية كبرى، ومعها قوة إقليمية كبرى، ومعها أتباع من كل مكان، على فصائل محاصرة ومعزولة، يعلم الجميع أن من حاصرها وضغط في كل اتجاه من أجل حرمانها من السلاح النوعي هي أمريكا التي يهتفون ضدها في العلن ويعانقونها في السر والعلن، بخاصة في العراق، لأن العناق في سوريا يبدو مع الصهاينة بشكل أوضح.

هو إذن انتصار بطعم العار؛ لمن يعرفون العار، لأنه انتصار لطاغية ضد شعب، وانتصار لقوىً كبرى على فصائل معزولة ومحاصرة، حتى لو قيل إن هناك ثلاثة دول تدعمها هي تركيا والسعودية وقطر، لأن هذه الأخيرة لا تقدم الكثير مما يمكن أن يواجه تلك القوى في المقابل.
لكن من قال رغم ذلك كله إنه انتصار بالمعنى الحقيقي للانتصار، وليس مجرد جولة من جولات حرب طويلة؟ إن ما ينبغي أن يكون واضحا هو أن هذا التقدم لا يعني بحال أننا إزاء حسم عسكري قريب، بل يؤكد أن المعركة ستطول أكثر فأكثر، لأنه تقدم سيغري أولئك بالمضي في البرنامج العسكري بدل البحث عن حل سياسي، وهذه المجموعات المسلحة لن تسلّم بحال، بل ستواصل حربها بكل وسيلة ممكنة، وهي ربما تكون أكثر خطورة في الوضع الجديد، ثم هل ستتحمل إيران وروسيا كلفة إعمار بلد مدمر، حتى لو حصلوا عليه كاملا غدا أو بعد غد؟! مجرد سؤال افتراضي.

ما جرى خلال الأيام الماضية عبر سياسة الأرض المحروقة يمنح وهما للانتصار وليس انتصارا فعليا، والمعركة واحدة في سوريا والعراق واليمن، وحتى لبنان، وهذا المشرق لن يستقر بحال من الأحوال في ظل شعور الغالبية بالظلم، لاسيما أنها غالبية لم تعرف الاستسلام أبدا، ودمها النازف طوال القرون شاهد على ذلك.

لقد اتضحت المعركة بالكامل، فهذه الغالبية في المنطقة تتعرض لعدوان سافر، وهي لن تركع بحال، سواء وقف بوتين مع إيران، أو تواطأت أمريكا معها، ومن أفشلوا الغزو الأمريكي للعراق لا بد سيفشلون هذه الغزوة، بخاصة أن وجهها الطائفي البشع لم يعد يخفي نفسه، حتى لو وجد صغارا ينتمون بالاسم للغالبية يصفقون لها هنا وهناك.

لم تضع الحرب أوزارها بعد، واحتفال أولئك سابق لأوانه، وسيدركون ذلك كما أدركوا من قبل في جولات سابقة، وليتذكروا كم مرة احتفلوا خلال خمس سنوات، ثم تبين أن المعركة لا تزال طويلة، تماما كما هو حال الحروب الطائفية.

هنا في سوريا يقف دم الشعب السوري في مواجهة سيف خامنئي وعصاباته، ويقف الحسين مع الشعب، وليس مع من يشوّهون صورته بنصرة طاغية، لكن الانتصار هنا لن يكون معنويا فحسب، بل سيتبعه انتصار حقيقي، ولو بعد زمن قد يطول.

هذا الكلام ليس على سبيل التعزية، بل هو نتاج قراءة واقعية لتاريخ أمة واجهت الكثير من قبل، لكنها لم تستسلم في يوم من الأيام، وهي لن تستسلم في مواجهة هذه الغزوة، وسيدرك خامنئي ذلك عاجلا أم آجلا.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023