ندّدت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالقرار الأميركي المتغطرس بشأن إعلان القدس عاصمة لمستوطنة الفصل العنصر «إسرائيل». وأمس، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد القرار بـ128 صوتًا مقابل تسعة رافضين و35 ممتنعًا عن التصويت.
يعد القرار المصوّت عليه خطوة أحادية الجانب وباطلة ولاغية، وأجهضت الولايات المتحدة مشروع قرار مماثلًا قدّمته مصر بداية الأسبوع الجاري يطالب بوقف نقل السفارات أو البعثات الدبلوماسية إلى القدس؛ وأيّد 14 عضوًا من أصل 15 القرار، وأميركا الوحيدة التي صوتت ضده.

وتدفع منظمات الدعاية الإسرائيلية والصهيونية في جميع أنحاء العالم بأنّ القرار، الموصوف بأنّه انتصار أخلاقي للفلسطينيين، غير مُلزم. نعم تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم؛ لكنّ هناك عشرة أسباب تدفعنا إلى الاحتفاء به:
الأول: هذا التصويت يعتبر إعلانًا مدويًا بأنّ «إسرائيل» دولة مارقة وليست لها مكانة أخلاقية أو سياسية بين المجتمع الدولي، وهي مجرد مستعمرة أو مستوطنة أوروبية كانت عالقة في حلق المجتمع الدولي ولم تجد لها مكانًا.
ثانيًا: التصويت إشارة إملائية بأنّ الولايات المتحدة تحت حراسة ترامب دولة «فتوة» بلا أسنان، وبدت متأرجحة في كثير من المواقف، وبالتصويت تصدى المجتمع الدولي بشكل غير مسبوق لتهديداتها؛ إذ شرعت أميركا -كما نقل على لسان نيكي- في تدوين أسماء الدول المصوتة لمنع قرارها، لاتخاذ إجراءات عقابية بشأنها؛ لكنّ المجتمع الدولي وجّه لها صفعة مدوية.

ثالثًا: أعلنت 128 دولة أنّ قرار ترامب باطل وملغيّ، وصوّتت تسع دول ضعيفة وصغرى فقط لصالحها؛ مستسلمة للتهديدات. وامتنعت 135 دولة عن التصويت؛ ما يعني أنّ المجتمع الدولي بأسره -باستثناء التسع دول- ليس لديه أي سبب للتخوف من الولايات المتحدة أو «إسرائيل»، وأنّهما تتعرضان إلى إفلاس أخلاقي وانعدام كفاءة سياسية، وأنهما لا شيء سوى تهديدات عسكرية فقط لا غير.
رابعًا: كشف التصويت عن فشل الدبلوماسية لنيكي هالي ونظيرها الإسرائيلي؛ بسبب نهج التخويف والترهيب الذي اتبعاه وأنهما سيعاقبان أيّ بلد يتعارض مع إمبريالتهما «الفظيعة والوحشية». وكما هو الحال في معظم أعضاء إدارة ترامب، تعدّ نيكي تعريفًا لمعنى الفشل وانعدام المهارات الدبلوماسية والنفوذ السياسي، وبما فعلته مثّلت إحراجًا لكل مواطن أميركي.

خامسًا: أظهر التصويت أنّ القضية الفلسطينية مصدر قلق عالمي كبير، لا يقتصر على الدول العربية والإسلامية فقط، وأنّ تهمة «معاداة السامية» لا أساس لها من الصحة، وقذف «إسرائيل» بها أيّ من معارضيها لم يمنع المجتمع الدولي من الحديث بصوتٍ عالٍ معترضا على «السرقة المنتظمة» للشعب الفلسطيني. فهل سيكون العالم كله معاديًا للسامية باستثناء أميركا و«إسرائيل»؟!
سادسًا:كشف التصويت أيضًا أنّ صهر ترامب «جاريد كوشنر» وعصبته من الصهاينة ممولي المستوطنات الإسرائيلية يعانون من خلل أخلاقي، وأنّ كل مواطن أميركي وكل مستعمر إسرائيلي يجب أن ينظروا إلى صورتهم في المرآة ومعرفة ما إذا كان بإمكانهم البقاء هنا لبضع ثوانٍ أخرى أم لا.

سابعًا: إعلان ترامب نفى أمام الأمم المتحدة أن تكون أميركا فعلًا الحامي العادل والقويّ للسلام، وتحوّلت إلى مجرد داعم إمبريالي للسارق الإسرائيلي.
ثامنًا: الفشل المؤسف لنيكي هالي في الأمم المتحدة، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة، وضع حدًا لاتفاقية أوسلو للسلام ووهم الدولتين؛ فمن الآن وصاعدًا أيّ شخص ينطق بعبارة «حل الدولتين» خائنٌ لقضية حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ويشارك في الدعاية الإسرائيلية الشريرة، ويشجعها على تغطية سرقتها المتواصلة للفلسطينيين.
تاسعًا: إعلان أنّ الأمم المتحدة «بيت الأكاذيب»، على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، دليلٌ واضح على الإسقاط النفسي عليه؛ ويمثّل مشاعره كونه رئيس وزراء مستوطنة دأب على الترويج لأخبار وهمية عنها، ويسير بمعادلة: «العالم كله بيت الأكاذيب أما هو فبيت الصدق».
أخيرًا: ما حدث في الأمم المتحدة وضع إدارة ترامب على خلاف مع تصاعد الوعي بالقضية الفلسطينية، وأظهرت إدارته السلطة الخبيثة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الذي يجبر نخبتها السياسية على الإفلات من إرداة الشعب الأميركي وإحراجهم أمام المجتمع الدولي؛ والأمر مجرد وقت فقط حتى يتحرر الشعب الأميركي من عبودية المستعمر الصهيوني.