شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

“السودان”: انقلابات على انقلابات.. 11 انقلابا وثورتان في نصف قرن

“السودان”: انقلابات على انقلابات.. 11 انقلابا وثورتان في نصف قرن
على الرغم من أن انقلابات عديدة حول العالم رفعت رايات الاستقرار وداعبت آمال شعوبها بكلمات رنانة من قبيل التنمية...
على الرغم من أن انقلابات عديدة حول العالم رفعت رايات الاستقرار وداعبت آمال شعوبها بكلمات رنانة من قبيل التنمية والبناء والاستقرار، فإن انقلابات السودان المتوالية تفضح أن الانقلاب لا يجر على البلاد إلا الانقلاب، ولا يفتح للتنمية آفاقا، اللهم إلا تنمية الصراعات، هذا ما يلمسه المتتبع لانقلابات السودان الأحد عشر.
 
"السودان" من أكثر بلدان العالم التي تكررت فيها الانقلابات العسكرية، فلها تاريخ حافل، حيث وقع فيها أكثر من 11 انقلاباً عسكرياً، فضلاً عن عدد كبير من محاولات الانقلاب الفاشلة، منذ استقلالها عام 1956 وحتى تاريخ اليوم، كما قامت السودان بثورتين شعبيتين أطاحتا بحكمين عسكريين قويين.
 
ولم تكن انقلابات السودان، مجرد انقلابات على رئيس شرعي منتخب، أو حكومة ديمقراطية تم انتخابها، بل كانت الانقلابات تتم على انقلاب سابق، فتنقلب مجموعة من ضباط الجيش على حكومة وطنية أو رئيس شرعي، ليقوم ضباط آخرون من بعدها لينقلبوا على من سبقهم، ولذلك يرى محللون أن "السودان مثال حي على أن الانقلابات العسكرية لا تجلب للأوطان استقرارا، وإنما إرادات الشعوب وحكوماتها الديمقراطية المسئولة أمام شعوبها هي التي تنهض بالبلاد".
 
بدأ مسلسل الانقلابات مع تشكيل أول حكومة ديمقراطية منتخبة في العام 1956، ووقعت اول محاولة انقلابية في تاريخ البلاد في العام 1957، قادتها مجموعة من ضباط الجيش والطلاب الحربيين بقيادة اسماعيل كبيدة، ضد اول حكومة وطنية ديمقراطية بعد الاستقلال برئاسة الزعيم السوداني إسماعيل الأزهري، ولكن المحاولة أحبطت في مراحلها الأخيرة.
 

انقلاب على الانقلاب

 
وفى عام 1958 وتحديداً بـ 17 نوفمبر من هذا العام، نجح أول انقلاب عسكري في السودان بقيادة الفريق ابراهيم عبود، والذي قاده ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم الازهري ورئيس الحكومة الاميرلاي عبد الله خليل.
 
وشكل الانقلابيون آنذاك حكومة عسكرية برئاسة عبود، حكمت البلاد بأسلوب شمولي دكتاتوري استمر لمدة 7 سنوات تخللته محاولة انقلاب أخري قادتها مجموعة ضباط أشهرهم، أحمد عبد الوهاب، وعبد الرحيم شنان ومحيي الدين أحمد عبد الله. وهي المحاولة الفريدة والوحيدة التي يتم فيها استيعاب الانقلابيين في نظام الحكم بدلا من اقتيادهم الى المشانق أو الزج بهم في السجون في أفضل الأحوال.
 

الثورة الأكبر

 
وقد شجع هذا التعامل المرن مع الانقلابيين على تدبير انقلاب آخر ضد عبود قاده الرشيد الطاهر بكر المحسوب على التيار الإسلامي في البلاد، ولكن هذه المرة تعامل نظام عبود معه بالحديد والنار، حيث أعدم 5 من قادته شنقاً حتى الموت، وزج بالآخرين في غياهب أعتى سجن في الخرطوم وهو "سجن كوبر" الواقع في الخرطوم بحري، وظل عبود من بعدها يحكم في هدوء إلى أن أطاحت به ثورة شعبية في 21 أكتوبر 1964، والتي تعتبر أكبر ثورة في تاريخ البلاد لتأتي حكومة ديمقراطية جديدة.
 
 
ولكن كما هو الحال، والسيناريو المتكرر، في جميع البلاد التي شهدت ثورة شعبية عارمة، تنازع الثوار على الحكم، ليتخلل فترة الحكم استقطاب حاد ونزاعات سياسية، وهيئت تلك النزاعات والخلافات أرضا خصبة لانقلاب عسكري جديد، حيث شهدت البلاد أشهر انقلاب عسكري في تاريخ السودان الحديث وهو انقلاب 25 مايو 1969 الذي قاده آنذاك العميد جعفر محمد نميري، ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي والقوميين العرب.
 
ومن أبرز قادة الانقلاب الرائد خالد حسن عباس، وزين العابدين محمد عبد القادر، وأبو القاسم محمد إبراهيم، وأبو القاسم هاشم، وهاشم العطا، وبابكر النور، وفاروق حمدنا الله.
 

برك الدم

 
وفى تلك الفترة أسس جعفر محمد النميري حكمه، وامتد هذا الانقلاب لمدة 16 عاما ليعرف هذا الانقلاب بأنه أكثر الانقلابات تأثيرا على البلاد، وبالرغم من تحسبات "النميري" للانقلابات مستفيدا من التجارب السابقة، فإن فترة حكمه شهدت محاولات كثيرة للانقلاب فشلت جميعها، ولكنها حولت العاصمة السودانية إلى برك دم.
 
 وأشهر الانقلابات على النميري ما نفذه رفقاء دربه في انقلاب مايو من المنتمين مباشرة إلى الحزب الشيوعي في 19 يوليو1971، عرف بانقلاب هاشم العطا، الذي استولى جزئيا على العاصمة الخرطوم لمدة يومين، لكن النميري استطاع أن يعيد سلطته وينصب مشانق للانقلابيين من المدنيين والعسكريين وشملت الإعدامات كلا من زعيم الحزب الشيوعي السوداني آنذاك عبد الخالق محجوب، ومساعده الأيمن الشفيع أحمد الشيخ، وبابكر النور وآخرين من المدنيين، ومن الضباط قائد الانقلاب هاشم العطا (رفيقه في انقلابه) وعشرات من الضباط والجنود.
 

انتفاضة إبريل وتناحر الأحزاب

 
وفي العام التالي وتحديدا 2 يوليو 1976 حاولت القوى السياسية المعارضة لنظام النميري التي كانت تنطلق من ليبيا قلب نظام الحكم، وأوكلت المهمة للعميد في الجيش محمد نور سعد بمشاركة واسعة من عناصر المعارضة تسللت إلى الخرطوم عبر الحدود مع ليبيا، وقد تعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، حيث أعدم قائده محمد نور رميا بالرصاص وحول شوارع الخرطوم لمدة يومين إلى ساحة معارك مع الانقلابيين أسفرت عن مقتل المئات.
 
وقد سارت الأمور في مسارها الطبيعي حتى بدأت الاضطرابات والاحتجاجات ضد حكم النميري في العاصمة الخرطوم، حيث ظل القائد العسكري عبد الرحمن سوار الذهب يراقب لمدة عشرة أيام تقريبا تصاعد الثورة الشعبية ضد النميري، وعندما وصلت الاحتجاجات لحدها الأقصى بعد انضمام النقابات والأحزاب ورفع شعارات الإضراب السياسي والعصيان المدني والقصاص من رموز النظام، اجتمع سوار الذهب مع قادة الجيش وقدر الموقف، وأعلن الإطاحة بنظام النميري في السادس من أبريل عام 1985، بعد ستة عشر عاما من حكمه الذى جاء بدوره عن طريق انقلاب عسكري عام 1969، وقد أعلن سوار الذهب في حينها انحياز الجيش لشعب، وأعقب ذلك اعتقالات واسعة لعدد من رموز النظام.
 
ونظرا لأن سوار الذهب لم يكن طامعا في السلطة، وسلم البلاد لحكومة منتخبة ديمقراطيا بعد عام واحد من حكمه في ظاهرة نادرة بين الانقلابات التي عادة ما يكون زعماؤها متعطشون للسلطة، هناك من يعتقد أن ما جرى انقلاب عسكري أبيض نفذه سوار الذهب، وهناك من يرى أنه قدر الموقف المشتعل في الشارع وقرر الاستجابة لمطالب الشعب في 6 ابريل عام 1985 فيما عرفت بعد ذلك بـ "انتفاضة أبريل".
 
وكالعادة لم يستمر الحال فتناحرت الأحزاب من جديد بعد الإطاحة بالنميري، ونشطت خصوبة الأرض لنشوء الانقلابات العسكرية جديدة في البلاد فجاء انقلاب الرئيس عمر البشير في 30 يونيو 1989 بمساعدة الإسلاميين في السودان بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي وحزبه المعروف آنذاك بـ "الجبهة الاسلامية القومية".
 

آخر الانقلابات

 
تعرض نظام "البشير" لعدة محاولات انقلابية خاصة في بداية عهده، أشهرها المحاولة التي عرفت بـ"انقلاب رمضان" في 1990 بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء طيار محمد عثمان حامد، وهي المحاولة التي انتهت بإعدام 28 ضابطاً في الجيش من المشاركين فيها بمن فيهم قائدا الانقلاب، الكدرو وحامد.
 
وقعت في العام 1992 محاولة انقلاب بقيادة العقيد أحمد خالد نسبت الى حزب البعث السوداني وقد حسمها الرئيس البشير عاجلاً وتعرض قادتها الى السجون. ومنذ ذلك الحين خفت الانقلابات في البلاد ربما لتركيز المعارضة نشاطها المسلح من الخارج عبر أريتريا.
 
وكانت من أحدث محاولات الانقلابات بالسودان هي تلك التي تحدثت عنها الحكومة السودانية في مارس 2004 عن محاولة انقلابية، نسبتها إلى حزب المؤتمر الشعبي، ثم عادت وتحدثت عن محاولة انقلابية أخرى، نسبتها ايضاً إلى عناصر المؤتمر الشعبي.
 
وفى 2008 كانت محاولة خليل إبراهيم في الاستيلاء على السلطة والتي قامت به حركة العدل والمساواة في مايو 2008 بقيادة زعيمها الراحل دكتور خليل إبراهيم، وقد كانت محاولة جريئة، حيث دخلت هذه القوات من تخوم دارفور إلى العاصمة السودانية لقلب نظام الحكم، لكن المحاولة فشلت، واتهمت حكومة البشير دولتي تشاد وليبيا بأنهما وراء المحاولة، وتم القبض على عدد من المشاركين وصدر ضدهم حكم بالإعدام، لكنه لم ينفذ حتى الآن وهم موجودون في "سجن كوبر".
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023