شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الاغتصاب.. طقس في مشهد تنصيب إله الانحطاط – ساري عرابي

الاغتصاب.. طقس في مشهد تنصيب إله الانحطاط – ساري عرابي
الموحد هو أمين الله على الفطرة التي أودعها الله في البشر، فهو في صراع مستمر مع الشيطان الذي تعهد بتغيير هذه...

الموحد هو أمين الله على الفطرة التي أودعها الله في البشر، فهو في صراع مستمر مع الشيطان الذي تعهد بتغيير هذه الفطرة، فلو أن هذا الموحد تطبع مع قهر الواقع، واعتاد على مشاهد ارتكاس الفطرة وانحطاط الكرامة الآدمية، فإن معنى الوجود الإنساني ينتفي، ولذلك فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس كما في الحديث: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دارٌّ رزقهم، حسنٌ عيشهم، ثم ينفخ في الصور"، وإن هذا المشهد الشيطاني المرعب وإن كان آخر ما تختم به هذه الحياة الدنيا، وقد عمَّ الحضورَ البشريَ كلَه، فإنه حاضر إلى ما قبل ذلك لا يغيب، بيد أنه لا يستغرق الوجودَ البشريَ كلَه، لوجود مقاومة الموحدين.

أمناء الله على الفطرة يمضون في معركتهم ضد الانحطاط بالكرامة الآدمية بين حدّين؛ حدّ المثال المركوز في الفطرة، وحدّ الإدراك الواقعي المركوز في العقل، فهم يتمتعون بعدّة نظرية تعينهم على الإدراك الواقعي لإمكان انحطاط الكرامة الآدمية بما تستشنعه الفطرة السليمة، فلا ينصرف بهم المثال إلى اعتزال الواقع والكف عن تصحيحه، إلا أن المثال لا يتطبع مع هذا الواقع ولا يعتاده، إنما يفهم العقلُ ويعي، ويستقبح المثالُ ويستشنع ويشفق، وهذا ما يفسر ردّ الفعل المأخوذ بالصدمة والشفقة الذي أظهره معارضو الانقلاب المصري على مشهد تعرية واغتصاب فتاة في ميدان التحرير في احتفالات تنصيب عبد الفتاح السيسي، رغم أن هذا المشهد متكرر من هذه البيئة الاجتماعية المنحطة، إلا أن مثال الفطرة يأبى الاعتياد على هذا الارتكاس البهيمي، ومع أن هذه البيئة الاجتماعية صورة للمشهد الطاغي قبيل قيام الساعة من الاستجابة لنداء الشيطان، فإن الموحدين لا يتخلون عن أمانتهم على الكرامة الآدمية، فيخوضون معركتهم مع الشيطان حتى على الجمهور الذي استجاب له وتعرض لهم بالعداوة والأذى!

ورغم الواقعية المادية الفعلية لعملية التعرية المقززة والاغتصاب البهيمي التي جرت في ميدان التحرير، فإن هذه الحادثة الواقعية ذات دلالة رمزية على مستويات متعددة يقع فيها الانقلاب، فمن ناحية هي تعبير بليغ عن الطبيعة المنحطة للبيئة الاجتماعية والقوى المصرية الداعمة للانقلاب، ومن نحية ثانية هي تعبير بليغ عن الدوائر العربية والدولية الداعمة للانقلاب، فهي تصوير لانحطاط الكرامة الآدمية وغلبة النداء الشيطاني عليها وتوحش منطق المادة الحسِّي البهيمي وغياب الوعي باليوم الآخر ما يجعل هذا الانقلاب بكل الدوائر المتصلة به والداعمة له جيشًا للشيطان في استهدافه للفطرة التي أودعها الله في الجنس الآدمي، وهي بمعنى مباشر حرب على الإسلام، آخر الرسالات ومنتهى الرعاية الربانية للجنس الآدمي.

وهذه الحادثة الواقعية تعبير رمزي عن طبيعة السلطة السياسية المنبثقة من ذات البيئة الاجتماعية، بما هي بيئة بهيمية وصلت الغاية في انتكاس الفطرة وانحطاط الكرامة الآدمية، ففي كل واحد من المغتصبين الذين عرَّوا الفتاة في طقس الاحتفال بعبد الفتاح السيسي؛ شيء من عبد الفتاح السيسي، فكل واحد من هؤلاء يجد في السيسي صورته، أو مثاله، أو ما يمكن أن يكون معبوده، أو الإله الأعلى لكثرة آلهة الهوى التي يعبدها.

إن رمز المجتمع المنحط في هذه الحالة ليس مجرد "ذكر"، ولا هو محض رئيس دولة، ولم يكن من قبل قائدًا للجيش وحسب، وإنما هو الإله الأعلى الذي يجد فيه المجتمع المنحط صورته، ولأن الإنسان من حيث هو إنسان مهما كان حضور الكرامة الآدمية فيه؛ ينزع للبحث عن معبود، ولأنه من حيث هو منحط الكرامة الآدمية فلا يمكن له أن يهتدي إلى الله تعالى الحق الذي ليس كمثله شيء، فإنه يبحث عما يتكثف فيه التعبير عن انحطاط الكرامة الآدمية وانتكاس الفطرة، ويتلمس الرمز الذي يلقي عليه أخلاقه المرذولة، فإذا كان الموحد يؤمن بالله الذي ليس كمثله شيء وييسعى لأن يتخلق بصفات الله التي كلها عليا، فإن المنحط يؤمن بالإله الذي يجد فيه نفسه، ويتصف بذات أخلاقه المرذولة.

وجد المجتمع المنحط الرمز المعبر عن الوضع المنحط، والذي تتوفر فيه صور المجتمع المنحط كلها، ووجدت كل ذات منحطة في هذا الرمز نفسها، وتبينت فيه ما يشبهها، فعبده هدا المجتمع؛ سجدوا له سجودًا حقيقيًا، وصرحوا علانية بأنه إلههم، وقدسوا حذاءه وانتعلوه في رؤسهم في أبلغ تعبير عن انتكاس الفطرة وتشويه التقويم الأحسن وتغيير خلق الله، فالرأس صار رِجلاً، وحذاء الرمز المعبود عمامة يلبسها عبيده، وكان لزامًا في معبد الانحطاط أن تكون له طقوسه المميزة المعبّرة عن طغيان الهوى، والمكثفة لمعاني الانحطاط كلها، والطاردة للسكينة والطمأنينة، الراكنة إلى الصخب الشيطاني.. إنه الرقص المسعور والاختلاط الشهواني الذي ينتهي بتقديم القربان للإله المعبود من دون الله، إنه الاغتصاب المتوحش الذي يجتمع عليه الآلاف ويشهد عليه الآلاف بلا نكير.. إنها الحقيقة العارية من كل زينة، إنه الواقع الذي يتحدى أمناء الله على الفطرة، إنها العتبة التي حشد لها الشيطان كل رذائله وجعل من كل جندي له لبنة فيها، إنه الشر الذي لا يختبئ، والفجور الذي لا يستحي، إنها العقبة التي حشد لها الشرُّ الحشدَ كلَه، فكيف سيقتحم الموحدُ العقبةَ دون أن تثخنه الجراح؟!

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023