بعد مرور أسابيع على دمج أفيغدور ليبرمان بحكومة بنيامين نتانياهو، كيف يمكن تقييم الخطوة؟ والأهم، ما هي الخطوات التالية؟ هل توسيع حكومة اليمين المتطرف يُعبر عن احتياج يتماشى مع موجات تصاعد اليمين في العالم كله، والذي يستند إلى حراك قطعان جماهير بلا عقل ومعادية للآخر؟ ففي أوروبا العداء للأجانب، وها هي أميركا الرسمية تكاد تسقط، بعد أحداث أورلاندو، في أحضان شعارات توافق هوى اليمين الداعشي.
هل الهدف في تل أبيب هو إلهاء، وربما توريط، الجميع مجدداً في غزة سعياً لتفادي «هجوم السلام» المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ وما هي توجهات ليبرمان الحقيقية، حيث أتى خلفاً لوزير دفاع له خبرة عسكرية من 30 سنة تولى فيها مناصب عدة وحسَّاسة، فيما خبرة ليبرمان العسكرية في حدود العام فقط!؟ هل يمكن لليمين الإسرائيلي المتطرف أن يبرم اتفاقية سلام على غرار ما فعله اليمين في عهد بيغن أو عهد شامير حين أعاد طابا لمصر؟ أم أن ليبرمان سيخرج خطته القديمة لتحقيق السلام إلى حيز التنفيذ والمتمثلة في «ترانسفير» مقابل تعويضات حتى لفلسطينيي الـ48؟
مواقف ليبرمان متعارضة وهو ما يفتح الباب أمام الاحتمالات كافة، فهو الذي عارض دخول القوات البرية إلى غزة وهو الذي عاد وطالب باحتلال غزة، هو الذي قال إنه الوحيد الذي «يفهم العربية» قاصداً التهديد الحقير لأكبر بلد عربي، وهو الذي أعرب بعد توليه مناصب رسمية عن رغبته في التوصل إلى سلام إقليمي وزيارة مصر، وقبوله حل الدولتين و»المبادرة العربية»… بشروط، بعد أن كان قد وصفها في 2007 بأنها خطة لتدمير إسرائيل!
الأسئلة التي تفرض نفسها حالياً على الساحة عديدة وساخنة كالجمر. وفي الأحوال كافة، احتل ليبرمان دور رُمَّانة الميزان في المشهد السياسي الإسرائيلي، وهو ما كان يلعبه دوماً حزب «شاس» الذي جنح لفترة لمواقف اليسار المعتدل، وحالياً يتبنى مواقف نفعية لناخبيه، وكان في الأحوال كافة أقلَّ تشدداً من «إسرائيل بيتنا» (شاس يركز جهوده على التعليم الديني).
سيظل ليبرمان في ظل حكومة هشة لناتانياهو، حتى بعد توسيعها، صاحب نفوذ قوي لو تحول للمعارضة، وهو الاتجاه الذي روَّج له قيادي الليكود بيني بيغن، فهل ستكون هناك لغة مشتركة بين مصر وليبرمان بصفته شريكاً في الحكم أو حتى كمعارض قوي؟ وهل ستطوي مصر صفحة الإساءات البالغة التي وجهها ليبرمان لها ولرئيسها السابق؟ وهل ترانسفير ليبرمان حينما كان زعيماً هامشياً يترأس حزباً صغيراً سيختلف عن ترانفسير ليبرمان «ملك إسرائيل» كما يلقبونه حالياً؟ وما هي مواقف الديبلوماسية المصرية من صعود ليبرمان القوي؟ وما هو سر قوته ونفوذه داخل إسرائيل وخارجها؟
عند الحديث عن توجهات ليبرمان المستقبلية يوضع في الاعتبار موقفه من الغاز المصري والحقول التي يمكن أن تكون محل تفاوض مستقبلي. فحينما شغل منصب وزير البنية التحتية، تصدى بشراسة لمساعي التحول لاستخدام الغاز، لأن أصدقاءه كبار مستوردي الفحم في إسرائيل. وكان واضحاً أن مصلحته الشخصية هي بوقف استيراد الغاز من مصر.
هل يتشبث بمواقفه ضد مصر للإجهاز على كل فرص إحياء عملية السلام خصوصاً أن سبق له التحريض ضد مصر لدى واشنطن قائلاً: «حان الوقت لإزاحة مصر من قائمة الدول المفضلة للولايات المتحدة»؟
ليبرمان الذي نجح في انتزاع قانون بإعدام المقاومين وهو لا يزال خارج الائتلاف الحكومي، قد يحاول تطبيق فكرته في شأن إعدام أعضاء الكنيست العرب إذا رفضوا غناء النشيد الوطني الإسرائيلي (هتكفا) أو التقوا زعماء «حماس»! وهو متورط وابنته بملفات فساد لا تنتهي، وهو لم يبلور خلال سنوات توليه منصب وزير الخارجية سياسة إسرائيل الخارجية حيث تركها لنتانياهو، باستثناء جولات في أفريقيا وأميركا اللاتينية وروسيا، وقد سبق له أن روَّج علانية لتثبيت حكم بديل لحماس في غزة، والبحث عن بديل لأبو مازن، الذي هو من وجهة نظره رئيس غير شرعي وراع للإرهاب، على رغم أن وزارته في الوقت نفسه تحتاج إلى التنسيق الأمني اليومي مع أجهزة السلطة الفلسطينية!
تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع من شأنه أن يعيد إلى الأذهان كارثة تولي عمير بيرتس وزارة الدفاع من دون خبرة أو دراية، ما كبَّد إسرائيل هزيمة في لبنان عام 2006. وهو الاحتمال المرجح سعياً إلى سلام القوة، فتطرفه ودعواته المتلاحقة إلى مزيد من العنف والعنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب، تجعل الحاخام مئير كاهانا، مؤسس حزب كاخ (المحظور)، طفلاً لاهياً بالنسبة إليه، ما يستلزم منا مراقبة تقلباته وتحولاته بكل حذر.