شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الرسالة الأولى إلى الشعب الروسي

الرسالة الأولى إلى الشعب الروسي
أخيرا أخذت المواقف السعودية تقترب من الرؤية التركية لمعالجة الأوضاع المأساوية في سوريا والمنطقة، وكانت الرؤية التركية ترى أن أي تحرّك دولي حقيقي لمساعدة الشعب السوري ينبغي أن يبدأ من الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج

أخيرا أخذت المواقف السعودية تقترب من الرؤية التركية لمعالجة الأوضاع المأساوية في سوريا والمنطقة، وكانت الرؤية التركية ترى أن أي تحرّك دولي حقيقي لمساعدة الشعب السوري ينبغي أن يبدأ من الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، ولا سيما السعودية، وكذلك مصر.

أما الشعب الثاني والدولة الثانية التي كان ينبغي أن تتدخل للدفاع عن الشعب السوري بعد الدول العربية فهي الجمهورية التركية والشعب التركي، فما تعرّض له الشعب السوري من مجازر ومذابح وإبادة بشرية وحروب كيماوية محرّمة دوليا، من طغمة مستبدة بالسلطة في سوريا ومن أعوانها في الظلم من الطائفيين الإيرانيين، كان كبيرا جدا، لا ترضى به أمة قومية ولا أمة مسلمة مؤمنة.

استعداد سعوديّ للتدخّل

وعندما بدأت السعودية تتخذ المواقف الحاسمة في مواجهة محور الشر الذي يعبث بالمنطقة العربية، وجدت تركيا أنها مطالَبة بأن تتجاوب مع التقارب السعودي الخليجي في تناول القضايا في المنطقة بطريقة جديدة وجدية، بدأت التلميحات الأولى للتدخل السعودي في سوريا بإعلان السعودية تشكيل «التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب» قبل شهر تقريبا، والذي ضم نحو 35 دولة إسلامية، والتصريح الجديد المهم جاء على لسان اللواء السعودي أحمد العسيري، المتحدث العسكري السعودي الذي قال فيه: «نحن مستعدون لإرسال قوات برية لمحاربة الجماعات الإرهابية وقتال تنظيم «داعش» في سوريا إن لزم الأمر». وأضاف: «إن الرياض جزء أساسي من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وأن المملكة لن تتردّد في إرسال قوات على الأرض لمحاربة التنظيم المتطرّف على الأراضي السورية متى ما أقر التحالف الدولي ذلك».

وذكر مراقبون عسكريون غربيون في الرياض أن تركيا والسعودية بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة ودول من التحالف الغربي استكملت استعداداتها للتدخّل العسكري المباشر في سوريا، وأنها كانت تنتظر نتائج اجتماعات جنيف بشأن سوريا، التي كان مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا يرعاها ويمهّد لها بلقاءات مع وفدي المعارضة السورية والنظام الأسدي، فجاء تأجيل مفاوضات جنيف إلى 25 فبراير الحالي نقطة مفارقة في الرؤية الإسلامية والرؤية العدوانية الإيرانية والروسية، التي هددت المعارضة السورية، إما بالرضوخ إلى الحل السياسي الذي تفرضه روسيا، أو أن تتعرض إلى التدمير والقتل، كما كشف وزير الخارجية الأمريكي كيري، بعد لقائه في جنيف مع وزير الخارجية الروسي لافروف، متشمّتا كيري أو مبتهجا بأن المعارضة السورية سوف يقوم الروس بالقضاء عليها في الأشهر الثلاثة المقبلة، بسبب رفضها الخضوع للإملاءات الروسية، ومبشّرا كيري أو مهدّدا المعارضة السورية الأصلية بأنها سوف تنتهي من شدة القصف الروسي المقبل، بل الذي بدأ والمعارضة السورية الأصلية لا تزال في جنيف، وبالأخص القصف الجوي العدواني الروسي الذي نال ريف حلب ومعظم مناطق الشمال السوري.

السياسة الروسية العدوانية

إن السياسة التركية لا تسعى للتصعيد في الصراع مع روسيا ولا مع إيران، ولا تدعو لإنشاء تحالفات عسكرية لتدمير المنطقة أكثر مما هي فيه، لأن حكومة العدالة والتنمية حكومة مدنية وسياسية واقتصادية، وليست حكومة عسكرية ولا حربية، ولكن السلوك الطائفي الإيراني تجاوز حدود الصبر، رغم التحذيرات التركية للقيادة الإيرانية بتغيير سياستها الطائفية في المنطقة، لأنها سياسة عقيمة، وقد أوصلت إيران إلى الاستسلام أمام أمريكا في مشروعها النووي، وبدل أن ترتدع القيادة الإيرانية عن أخطائها السابقة وخسارتها لمعركتها في سوريا وغيرها، إذا بها تأتي بمحتل أجنبي صليبي جديد، هو العدوان الروسي على سوريا، وروسيا أشد ضياعا في السياسة العدوانية على سوريا، وهي تظن أن معركتها في سوريا ستكون سهلة، ولكنها فوجئت بفشل خطتها الأولى التي وضعتها للأشهر الأربعة الأولى، فلم تحقّق منها شيئا يذكر، إلا تدمير المساجد وحرق المستشفيات وتدمير المخابز والأسواق والمدارس، بينما فصائل المعارضة العسكرية والجيش السوري الحر، لم يتأثر كثيرا من القصف الروسي الهمجي، ومنذ أن بدأت روسيا تتحرّش بتركيا تم التأكد من فشل الحملة العسكرية الأولى للعدوان الروسي، وأن بوتين بدأ يتخبط ويحرف الأنظار عن هزيمته العسكرية في سوريا، إلى اصطناع مشاكل دولية مع تركيا وغيرها، بما فيها السعودية، لأن قصف المعارضة السورية التي ترعاها السعودية بالطائرات الروسية هو اعتداء على السياسة السعودية مباشرة، فضلا عن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على السعودية، وهي من مصادر روسية.

وتهديد روسيا الأخير بالقضاء على المعارضة السورية الأصلية التي تدعمها السعودية وتركيا وقطر، وهم كبير، تبشّر به أمريكا لتوريط روسيا أكثر بالدماء العربية والإسلامية، فأمريكا تريد أن تحل صورة روسيا القاتلة للشعوب الإسلامية بديلا عن الصورة الأمريكية القاتلة بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001 واحتلال العراق عام 2003، إضافة لمصالحها الأخرى من تدمير البلاد العربية وإعاقة نهضتها لعقود مقبلة، ورغم اليقين التام بفشل روسيا بالقضاء على المعارضة السورية الأصلية، إلا أن المسؤولية تزداد على السعودية وقطر وتركيا، بعدم ترك الشعب السوري فريسة سهلة للروسي بوتين المتغطرس، فالشعوب العربية والأمة الإسلامية ينبغي أن تجد من يدافع عنها، ولا يتركها للقيصر الصليبي الذي يقصف الشعب السوري بكل قسوة وحقد.

مسؤولية الدول والمنظمات تجاه الأزمة

المسؤولية الأولى التي ينبغي على دول الأمة العربية والإسلامية أن تقوم بها هي توجيه الرسائل السياسية للشعب الروسي، فالشعب الروسي مطالَب بأن يتخذ قراره المستقل في العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، إن كانت سلاما وتعاونا أو عدوانا وحربا، وأن يتحمّل مسؤولية ذلك، ولذا لا بد من اتّباع كافة الوسائل والطرق التي توصل رسائل الأمة العربية والاسلامية إلى الشعب الروسي، والجهات المرشّحة لإيصال هذه الرسائل هي: منظمة التعاون الإسلامي، التي ينبغي عليها أن ترسل وفودها إلى روسيا الاتحادية وأن تلتقي مع الجهات المعنية بالخطاب الديني، وفي مقدمتها الكنيسة الأرذودكسية الروسية، فهي غير معنية بمباركة حرب يقتل ويحرق فيها أطفال سوريا باسم الحرب على الارهاب، وقد ثبت بعد أربعة أشهر أن القتلى من المدنيين السوريين ومن الأطفال والنساء والشيوخ ودور العبادة والمدارس والأسواق، ولا بد أن تعلم الكنيسة الروسية أن المنظمات الإرهابية لم تُستهدف بالقصف الروسي على سوريا.

ـ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وما يمثله من منظمات وهيئات ورئاسات دينية في العالم الإسلامي، فهذه الجهات مطالبة بأن ترسل وفودها إلى روسيا لمخاطبة الشعب الروسي ومؤسساته الدينية والعلمية، ومطالبته بأن يتخذ قرارا رافضا للحرب العدوانية على الشعب السوري، لأن حجة القيادة الروسية بالحرب على الإرهاب غير صادقة ومزورة.

منظمات حقوق الإنسان وهيئات الرقابة على شفافية القرارات الدولية، وضرورة تقيّدها بالمعايير العالمية في حماية الشعوب وتجنّب تعرّضها للأذى من الحروب العدوانية، فمنظمات حقوق الإنسان العربية والإسلامية ينبغي أن تجتمع مع نظيراتها في روسيا، وتُطلِعها على الحقيقة.

ـ وسائل الإعلام والصحافة الرسمية والأهلية والخاصة، وعبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي، ينبغي أن تحمل رسائلها وتوصلها إلى الشعب الروسي، بأن الحرب التي تقودها القيادة الروسية في سوريا خرجت عن مسارها المعلن بالحرب على الإرهاب، وأنها تحارب الشعب السوري بغير حق.

الأحزاب السياسية، في الدول العربية والدول الإسلامية وكل دول العالم الحر، ينبغي أن تكون على علم بما يجري من حرب عدوانية ظالمة من القيادة الروسية على الشعب السوري المدني. هذه الرسائل السياسية والإنسانية ينبغي أن تصل إلى الشعب الروسي بكل أطيافه ومنظماته الإنسانية والدينية والسياسية والحزبية وغيرها، فعندما قامت أمريكا بحربها الظالمة على العراق قامت المظاهرات في الشوارع الأمريكية والأوروبية ضدها، والحرب الروسية على سوريا لا تقل ظلما عن تلك الحرب، وفي الحالتين كانت القيادة الإيرانية الطائفية هي المحرّضة على حرب الأمريكان والروس على الشعب العراقي والسوري، وهذا العداء الإيراني ضد العرب وضد المسلمين السنة ليست أمريكا طرفا فيه، وكذلك ليست روسيا طرفا فيه، فلا ينبغي للقيادة الروسية أن تنخدع بالأكاذيب الإيرانية بأن ثورة الشعب السوري من أجل إسقاط رئيس الدولة لأنه علوي وشيعي، فهذه أكذوبة كبرى، لأن أسرة الأسد حكمت أكثر من أربعين عاما في سوريا قبل أن يأتي الربيع العربي، فلا يوجد صراع طائفي بين المسلمين السنة والشيعة، وعلى فرض وجوده فالشعب الروسي لا ينبغي أن يكون طرفا في هذه الحرب الطائفية. على الشعب الروسي أن يحفظ كرامته وسمعته وأخلاقه فلا يرسل جنوده لقتال العرب والمسلمين ظلما وجورا، فإذا كان للقيادة الروسية وبوتين على رأسهم، أطماع اقتصادية في سوريا ونفطها فقد ولّى زمن تحصيل الغنائم الاقتصادية عن طريق الاحتلال والاستعمار للدول الأخرى، وهذه سياسية استعمارية غربية لا ينبغي أن تسلكها روسيا الاتحادية، وإلا فإنها على طريق الضياع والانهيار، فالشعب الروسي يعرف عن الشعب العربي والأمة الإسلامية الشجاعة، وإنها لا تفرط بحق لها، والأمة العربية والإسلامية تتعرّض اليوم للعدوان الروسي دون مبرّر.

رسالة يجب أن تصل

هذه الرسالة ينبغي أن تصل إلى الشعب الروسي قبل بدء التحالف الإسلامي بأي عمل عسكري في سوريا لمحاربة الإرهاب، لأن الاصطدام العسكري بين التحالف الإسلامي والجيش الروسي واقع لا محالة، إذا بقيت روسيا على خطتها العدوانية ضد الشعب السوري والعرب والمسلمين، ولا بد أن يكون الشعب الروسي على معرفة بأن قيادته الروسية هي التي ورّطته في هذه الحرب العدوانية، وأن فلاديمير بوتين هو من يتحمّل المسؤولية عن قتل كل طفل سوري، وهو المسؤول عن قتل كل جندي روسي جاء محاربا في سوريا ظلما وجورا وعدوانا. والمزاعم التي تطلقها القيادة الروسية بأن تركيا تقوم بتحضيرات عسكرية لاقتحام الأراضي السورية، مزاعم باطلة، وقد وصفها الرئيس التركي أردوغان بالمثيرة للضحك، لأن الاستعدادات التركية هي لحماية الأراضي التركية من الأحزاب الإرهابية التي تدعمها القيادة الروسية ضد تركيا، فالقيادة الروسية أخطات في تدخلها العسكري في سوريا أولا، وأخطأت في التحرش بتركيا ثانيا، وتخطئ أكثر في محاولتها القضاء على المعارضة السورية الأصلية بالقصف الجوي والقوة العسكرية المدمرة، وكل المكاسب التي تتوقع أن تجنيها روسيا من عدوانها على سوريا لن تعوضها عن الخسائر التي سوف تفقدها من تخريب علاقتها الاقتصادية والسياسية والسياحية مع تركيا، ولو أحسنت روسيا علاقتها الاقتصادية مع الدول العربية، وبالأخص مع السعودية ودول الخليج لكان أفضل لها من تعاونها المدمر مع القيادة الإيرانية الطائفية المريضة، ولذا فإن على روسيا أن تنظر إلى التعاون العربي والتركي على أنه تعاون دفاعي، في المستوى السياسي اولا، ولكنه قابل للتحول إلى المستوى العسكري دفاعا عن الأمن القومي العربي والتركي، لأنها هي الدول المعنية بأمن هذه المنطقة قبل غيرهم.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023