وقَّع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، اتفاقية كامب ديفيد، مع الكيان الصهيوني في سبتمبر 1978، ومنذ ذلك التاريخ أعلنت القوات المسلحة أنه لا حرب بعد أكتوبر، ليفتح السادات منذ ذلك التاريخ باب الاقتصاد الوطني أمام تدخل دولة الجيش فيه، مما أدى إلى لجوء القادة العسكريين إلى تقديم الولاء لمؤسسة الرئاسة لأنها الضامن الوحيد لبقائهم السياسي.
وبذلك استطاع السادات أن يمسك بخيوط المؤسسة العسكرية، بينما انتشر رجالها بين المؤسسات المدنية والصناعية، ليكوّن قادة الجيش إمبراطورية اقتصادية خاصة بهم من جيوب الشعب.
وكانت أولى بوادر تدخل قادة الجيش في الحياة المدنية والنهم من ثروات البلاد في أعقاب حركة الضباط في يوليو عام 1952، خصوصا بعد انقلاب جمال عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب، وتثبيت نفسه رئيسا للبلاد عام 1956، حيث بدا عامل التغيير الاجتماعي حين أشرف الجيش على إعادة توزيع الأراضي وتطبيق السياسات الاشتراكية.
وبحسب دراسة أعدها يزيد صايغ، الباحث بمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، بعنوان "فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر"، أطلقها في أغسطس 2012، قال إنه في عهد مبارك تم دمج القوات المسلحة بالنظام فتخلت عن مهمتها الأيديولوجية تلك، واستقطب كبار الضباط إلى النظام الرئاسي، وتغلغلت في الحياة المدنية لدرجة أصبح وجودها أمرا اعتياديا وطبيعيا في نظر الآخرين وفي نظر الجيش نفسه.
وسار الدمج في نظام المحسوبية التابع لمبارك، منذ أن تولى إدارة البلاد خلف السادات، من خلال الوعد بمنح "بدل ولاء"، على غرار نظام السادات، يحصل عليه كبار الضباط عند التقاعد في مقابل امتناعهم عن الانخراط في السياسة وقبولهم لرواتب متدنية نسبيا خلال سنوات الخدمة، وهذا ما يضمن لهم في ما بعد فرصة لمواصلة وظيفة في القطاع الحكومي، فيضيف راتبا ثانيا إلى المعاش التقاعدي العسكري.
يقول يزيد صايغ في دراسته "كما أدى الصراع المتصاعد مع الإسلاميين خاصة بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 إلى التسريع في ضم سلك ضباط القوات المسلحة إلى داخل نظام مبارك.
وكانت نقطة التحول التي حدثت في عام 1991 عندما أطلق مبارك حملة كبرى لخصخصة المشروعات الاقتصادية، والتي وفّرت فرصة لكبار الضباط للوصول إلى حيز كبير من الاقتصاد المصري الذي بقي مملوكا للدولة.
إلى أين وصل العسكر؟
ويكشف صايغ عن الأجهزة التي تغلغل فيها الضباط، مؤكدا أنه تركز بشكل خاص على هيئات رقابية وإدارية منتقاة، وكان أهمها هيئة الرقابة الإدارية التي كان الهدف من إنشائها أن تكون أداة للسلطة الرئاسية، إذ يطابق دورها دور هيئة النيابة الإدارية وقد عملت في عصر مبارك كوسيلة لترهيب المعارضين ومعاقبتهم، ومثلت وسيلة لاستعادة اختراق الجيش لإدارات الدولة.
وشهد مجال الحكم المحلي أيضا أكبر تركيز للضباط المعيّنين في مناصب مدنية، حيث يلعبون دورا في المحافظة على النظام على جميع مستويات السلطة بداية من المحافظات ووصولا إلى الأحياء والقرى.
كما يخترق الضباط أيضا قطاعات الخدمة المدنية، حيث يديرون الجامعات أو يتواجدون في مجالس إدارة الكليات الأكاديمية، ويعملون مدراء وموظفين في المستشفيات الحكومية والملاعب الرياضية، ويرأسون هيئات متنوعة مثل الإذاعة والتليفزيون.
ويتمتع المتقاعدون العسكريون أيضا بتمثيل كبير في الوزارات والهيئات الحكومية التي تتعامل مع القطاعات المتعلقة بالأراضي، ويهيمنون على الجهاز المركزي للتعمير التابع لوزارة الإسكان الذي يتولى بناء المساكن والطرق.
وهذا كله إلى جانب الاقتصاد العسكري الرسمي الخاص الذي تديره "جمهورية الضباط"، والذي يدر عليها مصادر لا تمر عبر الخزينة العامة، ويشمل الصناعات العسكرية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للدولة، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، والمشاريع المدرة للدخل كالنوادي والفنادق العسكرية.