نناقش في هذا المقال خمس استراتيجيات اتبعها الانقلاب لإخماد الثورة، فشلت أربعة منها حتى الآن ، مما دفعه للاستراتيجية الخامسة وهي: محاولة تفجير الإخوان من الداخل، وهو ما يبدو أنه بدأ فيه الآن. كما نبين هنا لماذا يمكن أن تفشل هذه الاستراتيجية أيضا.
***
أيقنت الدولة العسكرية في مصر في وقت مبكر أن الإخوان مصرين كل الإصرار على خضوع كافة المؤسسات – بما فيها الجيش – لرقابة البرلمان، بيت الشرعية في أي دولة، مما مثل خطرا وجوديا على إمبراطوريتهم العسكرية التي تعززت عقب اتفاقية كامب ديفيد.
كما أدرك العسكر أن الإخوان غير مستعدين للتهاون في موضوع دعم المقاومة في فلسطين. والقاصي والداني يعلم الآن أن حرب غزة 2012 كانت تست اختبار لمدى جدية مرسي في دعم غزة!
لذا كان الانقلاب على الرئيس مرسي – ليس فقط بهدف إزاحتهم من الحكم، وإنما القضاء عليهم تماما من الحياة السياسية والاجتماعية في مصر- قرارا تم اتخاذه في وقت مبكر للغاية، الأمر الذي أكدته لاحقا تسريبات كثيرة على رأسها تسريب السيد البدوي.
وفي سبيل ذلك اتبع قادة الانقلاب خمس استراتيجيات، فشلوا في أربع منها حتى الآن، ويبدو أنهم بدأوا في الخامسة.
***
أربع استراتيجيات اتبعها الانقلاب.. وفشلت
________________________________
1- شرعنة الانقلاب بموافقة الإخوان عليه
___________________________
اعتقد الجميع أن ضغوط قادة الانقلاب وكاترين أشتون ستدفع الإخوان للرضوخ والقبول بالأمر الواقع وهو ما لم يحدث. كانت الاستراتيجية في البداية قبول الإخوان بالانقلاب لإضفاء شرعية على ما حدث. وكان ذلك يتم بإحدى ثلاث وسائل:
أ- تنحي الرئيس أو سفره، وهو ما رفضه الرئيس تحت تهديد السلاح وأعلن أن ثمن الشرعية حياته.
ب- قبول الحزب أو قيادات الإخوان بالمشاركة في الحكومة التي تشكلت بعد الانقلاب، وهو ما رفضه كل الإخوان رفضا قاطعا حتى ولو بصورة فردية شخصية (مثل الدكتور باسم عودة)
ج- انفضاض الناس من الشوارع، وهو ما فوجئ به الجميع إذ وجدوا عشرات الآلاف في الشوارع في عز الحر والصوم، متمسكين بشرعية الرئيس المنتخب.
وأذكر أنه في أول زيارة لكاترين أشتون لمصر بعد الانقلاب، أدلت ببعض التصريحات نقلتها جميعا الصحف المصرية باستثناء تصريح واحد نقلته الصحافة الأجنبية. هذا التصريح كان : الوضع على الأرض فاق جميع تصوراتنا!
***
2- الصدمة والرعب
_______________
الاستراتيجية الثانية التي اتبعها الانقلاب العسكري كان سياسة الصدمة والرعب، بالقيام بأكبر عمليات مجازر جماعية ضد أنصار الرئيس حتى تتوقف التظاهرات وينتهي الأمر، وهو ما لم يحدث، ودفع أنصار الشرعية ثمن ذلك غاليا غاليا غاليا.
***
3- القبول بمصالحة تفقد الإخوان مصداقيتهم
_________________________________
الاستراتيجية الثالثة التي اتبعها قادة الانقلاب كان محاولة دفع الإخوان للقبول بمصالحة تقبل بالانقلاب، وهو ما نقله إعلاميون محسوبون على الانقلاب مثل عبد الرحيم علي.
وهذا أيضا فشلوا فيه فشلا ذريعا، وكل تصريح خرج من قيادات من أنصار الشرعية يشتم منها نية التصالح مع الانقلاب كان الرد فيها من الإخوان قيادة وقواعد عنيفا؛ أذكر هنا مبادرة العمدة وتصريح فتح الباب المتحدث عضو البرلمان عن الإخوان 15 عاما!
وعندما فشل النظام في ذلك لجأ إلى محاولة نزع مصداقية الإخوان ومطلب الشرعية بمحاولات مصالحة بين الإخوان والعلمانيين الذين أعطوا غطاء للانقلاب، لكن الرد أيضا كان عنيفا ولا سيما من القواعد. فوجوه كياسر الهواري والبرادعي وبلال فضل وعلاء عبد الفتاح وأحمد ماهر كانت ولا زالت تعتبر من وجهة نظر الإخوان شريكًا أصيلًا في الانقلاب لا يقل جرمهم عن السيسي، ولم تفلح محاولات الصلح بينهم تحت دعاوى الاصطفاف الثوري الكاذبة.
***
4- فوضى السلاح: السيناريو الجزائري
_____________________________
الاستراتيجية الرابعة التي اتبعها قادة الانقلاب كان محاولة عسكرة الثورة، والتحول للنموذج الجزائري أو السوري، وهو ما يعني فناء الجميع وبقاء السيسي لسنوات، وربما لعقود. في هذه الأثناء ظهرت فجأة ولاية سيناء التي تفتح الطريق لمن يرغب أن يترك فكر الإخوان وينضم للعمل المسلح.
ويذكر هنا أيضا مجموعات البلاك بلوك التابعة للمخابرات أو للكنيسة والتي بدأت تنشط وتتبنى عمليات عنف دون أن يذكرها إعلامي في قناة، أو محام في بلاغ، أو قاض في محكمة من تلك التي توزع تهم الإرهاب مجانا على جمهور الكرة وروابط الأندية وعلماء الأزهر، فضلا طبعا عن المتظاهرين الأكثر خطورة على أمن مصر!
ولا أنسى هنا الشاب مينا الذي ضبط في الصعيد وهو يرتدي النقاب ويحاول زرع عبوة متفجرة.. وطبعا لم يتحدث عنه إعلام الانقلاب ونسي الناس قصته.
من جهة أخرى فإن اختطاف البنات واغتصابهن في المدرعات والسجون، وأحكام الإعدام الباطلة، كان الهدف منها دفع الشباب الغيور لهذا السيناريو.
علينا أن نعترف هنا أن “سلميتنا أقوى من الرصاص” في العام الأول للانقلاب حمت مصر من هذا السيناريو، ولا شك أن وجود جماعة قوية منظمة مؤثرة في مصر مثل جماعة الإخوان المسلمين – ورغم الضغوط – قد ساعد على صد ضغوط النظام وتحويله لطاقة إيجابية في محاولة كسر الانقلاب دون أن يؤدي ذلك إلى انفلات الأوضاع وعسكرة الثورة.
ولا يعني ذلك أنه منذ العام الثاني لم تحدث أعمال نوعية من أنصار الانقلاب، لكنها بقيت انتقائية في حالات بعينها. لا أقول إنها فردية أو تغرد خارج السرب، لكن لا يمكن بحال من الأحوال أن نصفها بالعموم، وأنها تندرج بالأساس تحت باب الردع والدفاع عن النفس أو القصاص، وليس المبادرة بالقتال.
***
5- التفجير من الداخل
_______________
الاستراتيجية الخامسة – والتي أرجو أن تكون الأخيرة إن شاء الله – هي تفجير الجماعة من الداخل. نعم تفجيرها بافتعال أزمات وحدوث انقسامات، مستغلين القبضة الأمنية الشديدة، ووجود معظم القادة المجمع عليهم في السجون أو قضوا نحبهم شهداء. ويجب الإشارة هنا أن نجاح هذه الاستراتيجية في الجزائر كان أحد أهم أسباب بقاء الانقلاب وإخماد الثورة.
في رأيي يجب وضع اعتقال الدكتور وهدان في إطار رغبة الأمن في القبض على آخر قيادة مجمع عليها من غالبية الأطراف على الأرض، لما له من قدر في قلوب الجميع. ويبدو أنه تم اعتقاله حين بدأ التواصل مع طرفي الأزمة.
هناك كذلك عدم سهولة تداول البيانات والمعلومات.
نعم.. علينا أن نعترف أن المعلومات، شحيحة، نادرة، ضبابية، وكل معلومة صحيحة تنسج المخابرات حولها عشرات المعلومات الخاطئة، هذا غير الهري والهري المضاد في السوشيال ميديا.. وهذا طبيعي ومتوقع.
***
وماذا بعد؟؟
_________
علينا أن نتمسك بالحقائق ونبتعد عن الاستنتاجات، والحقائق التي بين أيدينا هنا هي التالي:
1- هناك إجماع من جميع الأطراف على القصاص ومقاومة الانقلاب.
2- هناك إجماع من جميع الأطراف على عدم عسكرة الثورة، حتى الفريق الداعم للعمليات النوعية يضعها في إطار الردع أو الدفاع عن النفس أو القصاص كما قلنا ولا ينادي أحد بفكرة عسكرة الثورة.
3- هناك متحدث رسمي جديد للجماعة لا يختلف عليه أحد – حتى الآن.
بناء على هذه الحقائق، أدعو جميع الأطراف إلى:
_____________________________________
ا- محاولة الالتقاء (رغم بعض الصعوبات)، وإن عبر وسطاء مقبولين مختارين والجلوس لتبادل الرؤى والأفكار، وطرح جميع المسائل على الطاولة.
2- وعدم الانفراد بالرأي واتخاذ قرارات فردية أحادية الجانب في القضية موضوع الخلاف حتى يتم التواصل بين جميع الأطراف.
3- عدم اللجوء إلى الإعلام إلا في أضيق الحدود.
4- احترام القيادات المنتخبة أيًا كانت هذه القيادات.
5- عدم الانسياق وراء الأخبار التي يتم تداولها من هذا المصدر أو ذاك، حتى يتم التثبت من مصادر موثوقة. وإياك ثم إياك ممن يقول لك: المعلومة دي من مصدر موثوق.. أو المعلومات دي وصلتني بس مش للنشر…إلخ هذا الهري.
واعلموا أن هناك قسم كامل في المخابرات اسمه قسم الشائعات.. ولكن لهذا قصة أخرى.
أسأل الله عز وجل توحيد الصف وتأليف القلوب.. إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه.
“وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (الأنفال: 63).