يطلق مصطلح “الإبادة” على سياسة القتل الجماعي المنظمة، على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي وعادةً ما تقوم بها حكومات وليست أفرادًا ضد مختلف الجماعات.
صنفت “الإبادة” كـ جريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948، ووضعت موضع التنفيذ 1951 بعد أن صادقت عليها عشرون دولة.
من الدول العربية التي صادقت عليها “المملكة العربية السعودية ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب وسوريا وتونس”.
في هذه الاتفاقية، بِمُوجِب المادة الثانية، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية مثل قتل أعضاء من الجماعة أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ويمكن القول إن هذه البنود تنطبق على الأحداث التي حدثت وتشابهت -إلى حد كبير- في ميداني رابعة العدوية والنهضة في مصر عام 2013 وميدان السماوي في الصين عام 1989.
مذبحة السماوي
في عام 1989، أقدم الجيش الصيني على مذبحة بشعة لآلاف العمال والطلاب المعتصمين خلف المتاريس في أهم ميادين العاصمة بكين، ميدان “السلام السماوي”.
مع صعود الزعيم الصيني، دينج شياو بينج، خلفًا للزعيم الصيني، ماو تسي تونج، بدأت حركة كبرى للإصلاح الاقتصادي في الصين، لكن ذلك لم يكن كافيًا، لا سيما مع اعتقاد القيادات الطلابية أن الإصلاحات وسعت من سلطات الحزب الشيوعي الصيني وسيطرته على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وفي عام 1987، عزلت السلطات الصينية النائب العام للحزب، “هو ياو بينج”، الذي كان من ذوي الميول الإصلاحية داخل الحزب، إلا أن وفاته في عام 1989 كانت الشرارة التي أشعلت تلك التظاهرات.
قاد الطلاب الصينيون حركة قوية من أجل الديمقراطية في 15 إبريل من عام 1989، وانضم لهم عدد من المدنيين الصينيين في العاصمة بكين، ليبدأ اعتصامهم في الميدان الذي احتلوه طيلة 7 أسابيع.
وفي يوم 20 مايو، أعلنت الحكومة فرض الأحكام العرفية على البلاد، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لإنهاء المظاهرات التي استمرت بدعم شعبي.. وبعد عدة أسابيع، اتُخذ قرار بتنظيف الساحة بالقوة من المتظاهرين.
وإذا بمدفعية الجيش الثقيلة توجه لصدور العمال والطلاب الذين واصلوا الاعتصام بميدان السلام السماوي، وإذا بعجلات الدبابات تدهس المئات، بينما يسقط آلاف الضحايا قتلى نتيجة للقذف البشع بالنيران، ويتم اعتقال عشرات الآلاف.
كانت هذه هي طريقة الطبقة الحاكمة المذعورة في إعادة الهدوء، إلا أن هناك شيئًا مهمًا تم دفنه مع آلاف العمال الذين دفنوا في تلك الأيام؛ ذلك الشيء هو ادعاء حكام الصين أنهم يحكمون باسم الطبقة العاملة.
مذبحة رابعة
وتتشابه الأحداث إلى حد كبير بين ما حدث في ميدان السماوي بالصين عام 1989، وما حدث في فض اعتصام ميدان رابعة العدوية عام 2013 مع فجر 14 أغسطس 2013؛ حيث فضّت الشرطة المصرية -مدعومة بقوات من الجيش- اعتصامين مؤيدين للرئيس محمد مرسي، بميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة، بعد أكثر من 48 يومًا قضاها المعتصمون هناك، مما خلف آلاف القتلى والجرحى.
وبدأ الاعتصامان في 28 يونيو، قبيل مظاهرات معارضة لـ مرسي في الـ30 من الشهر نفسه قادت إلى قيام الجيش بانقلاب عسكري عزل فيه الرئيس مرسي في 3 يوليو 2013.
وتباينت الأرقام المقدمة من قبل الهيئات الرسمية وغير الرسمية بشأن ضحايا مجزرة فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، وبينما لم تتعد الأرقام الرسمية حاجز 632 قتيلًا، وصلت التقديرات غير الرسمية إلى خمسة آلاف.
العفو الدولية
ذكرت منظمة العفو الدولية، في بيان أصدرته يوم 16 أغسطس، أن “عدد الضحايا تعدى ستمائة شخص بعدما استخدمت قوات الأمن القوة المميتة غير المبررة ونكثت بوعدها بالسماح للجرحى بمغادرة الاعتصام بأمان”.
وفي 20 أغسطس، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “استخدام قوات الأمن المصرية للقوة في فض اعتصام رابعة العدوية يعد أسوأ حادث قتل جماعي في التاريخ المصري الحديث؛ حيث بلغ عدد الضحايا على الأقل 337 قتيلًا”.
وتقول المنظمة الدولية، إن التقرير الذي يتألف من 195 صفحة، “يوثق كيف فتحت قوات الشرطة والجيش المصري النار بالذخيرة الحية بشكل ممنهج على حشود من المتظاهرين المعارضين لإطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسى في 3 يوليو عام 2013، خلال ست مظاهرات في شهري يوليو، وأغسطس عام 2013، ما أسفر عن قتل 1150 شخصًا على الأقل، دون أن يخضع أحد للمساءلة القانونية”.
ويتضمن التقرير “دراسة تفصيلية لتخطيط وتنفيذ فض اعتصام ميدان رابعة العدوية؛ حيث نظم عشرات الآلاف من أنصار مرسي، بينهم النساء والأطفال، اعتصامًا مفتوحًا سلميًا إلى حد كبير، في الفترة من 3 يوليو إلى 14 أغسطس؛ للمطالبة بإعادة مرسي”.
الأقمار الصناعية
استخدمت “رايتس ووتش” صور الأقمار الصناعية في ليلة واحدة من أيام الاعتصام، 2 أغسطس، لتقدير أن ما يقرب من 85 ألف متظاهر كانوا في الميدان في تلك الليلة”.
وقالت إنه “في 14 أغسطس، هاجمت قوات الأمن مخيم احتجاج رابعة من كل مداخله الرئيسية، وذلك باستخدام ناقلات الجنود المدرعة والجرافات، والقوات البرية، والقناصة، وأصدرت قوات الأمن القليل من التحذير الفعال وفتحت النار على الحشود الكبيرة، ولم تترك مجالًا للمتظاهرين للخروج الآمن لنحو 12 ساعة”.
وتابعت المنظمة: “وأطلقت قوات الأمن النار على المرافق الطبية المؤقتة ووضعت القناصة لاستهداف كل من يسعون إلى الدخول أو الخروج من مستشفى رابعة، وفي نهاية اليوم، أُضرِمت النيران في المنصة المركزية، والمستشفى الميداني، والمسجد، والطابق الأول من مستشفى رابعة، على الأرجح من قبل قوات الأمن”.
وأفاد التقرير، أن باحثي المنظمة، رصدوا أن “قوات الأمن أطلقت الذخيرة الحية على المتظاهرين، ما أسفر عن قتل المئات جراء إصابتهم في رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم، واستخدمت القوة المميتة دون تفرقة”.
شهود عيان
وخلال إفادتهم، قال بعض شهود العيان، إنهم “شاهدوا مسلحين داخل الطائرات التي شاركت في فض الاعتصام”، وقالت إحدى الشاهدات إنها “بينما كانت تسير لاحظت مروحية تحلق على ارتفاع منخفض للغاية -نحو ارتفاع بناية من 3 طوابق- توقفت بالقرب منها.
وأضافت أنها “بدأت تركض، وبينما كانت تدخل إلى إحدى الخيام، أطلق مسلح من داخل الطائرة الخرطوش على ساقها، مما أدى إلى إصابتها، فيما قال متظاهر آخر إنه “رأى طائرات هليكوبتر تطلق الغاز المسيل للدموع في وقت سابق من الصباح”.
ويبقى السؤال: هل تمت محاسبة أحد في الصين أو في مصر على دماء شعوبهم التي أغرقت الميادين، أم ستظل الشعوب هي المخطئة لأنها ظنت أنه باستطاعتها أن تتظاهر “سلميًا” لنيل أبسط حقوقها.