عندما تجتمع عليك مشاعر.. الخوف.. الغضب.. الأمل.. واليأس.. والترقب، في وقت واحد، فاعلم أنك بميدان رابعة، سبق فض الميدان حشد إعلامي بضرورة فض الميدان مهما كانت الخسائر، ومع فجر 14 أغسطس 2013، قامت قوات مدججة من الشرطة، مدعومة بعناصر من الجيش، بفضّ اعتصامين سلميين “رابعة العدوية” و”النهضة”، بعد أكثر من 48 يومًا قضاها المعتصمون هناك، مما خلف آلاف القتلى والجرحى، والمفقودين.
وبين آنين المصابين وجثامين الضحايا، وألم الفراق، نرصد 4 مشاهد بالغة القسوة حدثت يوم مجزرة الفض.
الطفل رمضان يناشد أمه
بكلمات تنفطر لها القلوب، يطلب الطفل رمضان إبراهيم من أمه أن ترد عليه، بعدما ارتقت ضمن شهداء المجزرة، ويردد الطفل ذو الـ11 ربيعًا من عمره: “اصحي يا ماما اصحي بالله عليكي”.
أسماء البلتاجي
في ذلك اليوم، تقوم أسماء البلتاجي، بعد راحة الفجر، لتستقبل يومها بصلاة الضحى، ثم تضع قبلة على جبين أمها وتخبرها بأنها “ذاهبة لإسعاف المصابين”.
تخرج ذات السبعة عشرًا ربيعًا من عمرها، من خيمتها تطل برأسها كطفل يستطلع أجواءً لم يكن لمثله أن يراها، وتملأ الشهيدة ملء عينيها بمشاهد أشلاء الجثامين، وتساقط الرصاص عليهم كما تتساقط الأمطار من السماء، ومع ذلك أصرت على القيام بواجبها.
“أسماء البلتاجي” التي قتلت، يوم فض اعتصام رابعة العدوية، منذ عامين، الطفلة “الثائرة” والتي لم تكل ولم تمل من المشاركة في معظم التظاهرات منذ 25 يناير ومرورًا بأحداث محمد محمود، والعباسية وحتى يوم مجزرة الفض عندما استقرت رصاصة الغدر في صدرها.
إسعاف المصابين جريمة
بين كسر الحجارة الملقاة على الأرض، والتي تعتبر هي السلاح الرادع للاعتداء اللاإنساني من قبل قوات الأمن، على المتظاهرين السلميين، وسيل الدم على أرصفة شوارع ميدان رابعة، كان هناك المستشفى الميداني لإسعاف المصابين والجرحى، ستة أدوار تمتلئ بأنين المصابين وصرخات أهالي المفقودين، المصابين الذين تتقطع أجسادهم بين طلقات الرصاص الحي والخرطوش والشظايا.. مئات الجثث متراصة في القاعات الرئيسية وفي الطرقات.
“وطي راسك واجري” تحذيرات يطلقها أحد الأشخاص على بعد أمتار من مدخل المستشفى لجميع المارين والمترددين على المستشفى؛ لاستهداف أحد القناصة التابع لقوات الأمن والموجود أعلى أحد الأبنية المواجهة لمدخل المستشفى؛ لمنع دخول المساعدات أو الأدوية.
رغم خطورة الدخول إلى المستشفى، لم يكن أمام المعتصمين مفر من سلك هذا الطريق لنقل المصابين والجثث المتوافدين من محيط الميدان دون انقطاع.
ووسط كل هذا الزحام، نجد رجلًا يحمل أخيه المصاب ويهرول مسرعًا نحو المستشفى الميداني حتى يسعف صديقه أو صاحبه، ولم تتركه رصاصة الغدر يكمل طريقه إلى المستشفى؛ إذ بقناص يطلق رصاصته ليلقى حتفه، كل جريمته أنه أراد أن يساعد صاحبه المصاب.
تجريف وحرق الجثث
يوم الفض تقترب عقارب الساعة من الثامنة صباحًا؛ حيث استطاعت الجرافات محاصرة الميدان من كل النواحي وطوقت القوة الأمنية الميدان تطويقًا كاملًا حتى سدت كل منافذ الدخول أو الخروج من الميدان وبدأت مكبرات الصوت تذيع بيانًا يدعو المتظاهرين إلى الخروج من الميدان وأن فض الاعتصام جاء بقرار من النيابة العامة، ولم تتح الفرصة حتى شرعت القوات المحاصرة للميدان، بالقتل بشكل مباشر وممنهج، من خلال إطلاق الأعيرة النارية الثقيلة والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين الذين لم يملكوا غير الحجارة ليدافعوا عن أنفسهم، استمرت عملية إطلاق النار عشوائيًا حتى الواحدة والنصف ظهرًا، سقط خلالها عدد كبير من المتظاهرين ما بين قتيل وجريح وامتلأت المستشفيات الميدانية بالكامل.
وتحولت النيران المباشرة تجاه نقاط المستشفيات الميدانية وإصابة الأطباء بشكل مباشر، وكذلك تم استهداف الصحفيين وكل من يحمل كاميرا.
استمر تقدم القوات المشاركة في الفض بشكل بطيء إلى أن وصلت إلى المستشفى الميداني الرئيسي الذي تجمعت به الجثث والمصابون.
وما إن اقتحمت قوات الأمن المستشفى الميداني، قامت بقتل بعض المصابين أمام ذويهم، وتم قتل بعض الأطباء الذين رفضوا ترك المصابين، بإشعال النيران في كل الخيام حتى التي كانت تحوي مصابين وقاموا بإشعال النيران في المستشفى الميداني وإحراق عدد آخر من الجثث، ثم قاموا باعتقال 790 شخصًا من بين المغادرين الميدان، بحسب تقرير لمنظمة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش”.
مشاهد حرق المستشفى الميداني وتجريف الجثث