جاء تنازل مصر للسعودية عن جزيرتي “تيران وصنافير” ليطرح سؤالا مهما؛ وهو هل يكون ما جرى نموذجا لتسوية الحدود بين الدول العربية أم يفجر الصراعات والخلافات من جديد؟ بمعنى أنه من الممكن أن يتم اتخاذه نموذجا يحتذى به أم يتسبب في مشكلات داخلية وخارجية للقطر العربي الواحد.
يمكن القول بأنه على الصعيد الداخلي قد يتسبب هذا التنازل أو التسوية في رفض شعبي بالداخل، خاصة إذا كانت كل الخرائط والمناهج وما سواهما تقول إن هذا المكان أو ذاك ملك للدولة المتنازلة، كما هو الحال في مصر بعد التنازل عن الجزيرتين.
أيضا هناك سؤال آخر، وهو: هل يمكن أن يتسبب هذا التنازل في تأجيج الصراعات مرة أخرى بين مصر والسودان، وكذلك بين الدول العربية وبعضها بعضًا؛ بسبب صراعات الحدود ومحاولة الضغط من صاحب الحق، كما يعتقد في استرداد أرضه مسوقا للنموذج المصري السعودي، وفي حال رفض ذلك يمكن أن يتسبب هذا الرفض في صدام بين هذه الدول؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحت نفسها عقب التسوية المصرية السعودية المشار إليها ونحن بدورنا طرحناها على الخبراء، ولكن قبل معرفة إجاباتهم سنعرض للصراعات والخلافات الحدودوية بين الدول العربية.
من المعروف أنه ليست هناك دولة عربية واحدة تقريبًا لا تمتلك نزاعًا حدوديًا مع جاراتها، سواء العربية منها أو غير العربية؛ فقد تطورت بعض النزاعات الحدودية بين البلدان العربية إلى حرب يصفها البعض بالـ”مجنونة” كحرب الخليج الثانية بين العراق والكويت.
السعودية والإمارات
أيضا لدينا النموذج السعودي الإمارتي؛ فلظروف تتعلق بنشأة بلدان الخليج نشأت بينها جميعًا مشكلات وخلافات حدودية، هذه إحداها؛ لم يكن هناك ما يحسم الحدود بين البلدين، أعلنت الإمارات دولة مستقلة في العام 1971 وفي محاولاتها للتعاون مع دولة قطر الشقيقة حاولت السعودية المفاصلة بينهما لمنع تأسيس تحالف بين البلدين، انعكس هذا حين رفضت السعودية إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.
وافق الشيخ زايد عام 1974 على اتفاقية مع السعودية تقضي بمنح السعودية قطاعًا ساحليًا شرق العديد في مقابل تنازلها عن واحة البريمي للإمارات، عقد الاتفاق بدون علم قطر ولم يمط اللثام عنه إلا عام 1995.. ثارت المشكلات الحدودية بين البلدين عام 2006 عندما أصدرت الإمارات في كتابها السنوي خرائط تظهر فيها خور العديد تابعة للمياه الإقليمية الإماراتية.
شهدت العلاقات تطورًا سلبيًا جديدًا عام 2009 عندما أوقفت السعودية دخول المواطنين الإماراتيين إليها باستخدام بطاقات الهوية كما هو معمول به، فقط احتجاجًا على قيام الإمارات بتغيير خارطتها الجغرافية الموجودة على بطاقات الهوية بين مواطنيها. تقول الإمارات إنها وافقت على اتفاقية 1974 من منطق الاضطرار فقط وهذا لا يعني أن منطقة العديد تابعة للسعودية.
شهدت العلاقات تطورًا مخيفًا بإطلاق زورقين تابعين للإمارات النار على زورق سعودي في خور العديد واحتجز اثنان من أفراد حرس الحدود السعودي، ولا زالت المشكلات الحدودية عالقة بين البلدين.
المغرب والجزائر
وعلى صعيد الخلاف المغربي الجزائري فعلى الرغم من فترات التعاون والهدوء النسبي التي عرفتها العلاقات بين الجزائر والمغرب، فإن السمة الغالبة لها منذ حصول الجزائر على استقلالها في 1962 هي التوتر والاحتراب، برأي المحلل السياسي مصطفى الخلفي.
الصحراء الحدودية بين البلدين كانت مدار هذا النزاع الذي تطور إلى حرب سميت حرب الرمال، حسب الرواية المغربية فإن هذه الأراضي كانت مغربية قبل الغزو الفرنسي للجزائر وضمها له، الجزائر لا تفرط في هذه المنطقة، وقد اتخذت الجزائر دومًا موقفًا حديًا تجاه هذه القضية؛ ما كان سببًا في إغلاق الحدود بين البلدين منذ عام 1994 وحتى الآن من طرف الجزائر.. حاولت الدولتان حلها عبر الأمم المتحدة، لكنّ أيًا من المحاولات لم تنجح لا السياسية ولا الدبلوماسية ولا العسكرية.
مصر والسودان
شهدت العلاقات بين البلدين شدًا وجذبًا كبيرين، بشكلٍ عام كانت اليد الطولى والمبادرة لإبقاء المنطقة تحت سلطتها، من قبل مصر وقد شهدت المنطقة قصفًا أكثر من مرة على مر السنين بسبب مشكلة هنا أو هناك مع الجانب السوداني.. في عام 2000 قامت السودان بسحب قواتها من حلايب وقامت القوات المصرية بفرض سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.
تتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية كبرى؛ حيث تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًا لكونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر، بينما تعتبرها السودان أحد أسباب وحدة السودان، إضافة إلى اكتشاف خامات المنجنيز باحتياطيات هائلة، كل هذه الأسباب تؤجج من النزاع بين البلدين الذي لا يبدو أنه سيحسم قريبًا.
نموذج فاشل
من جانبه قال السفير إبراهيم يسري، في تصريحات خاصة لـ”رصد” إن هذا النموذج في التسوية فاشل لأنه لم يخضع للقوانين والدساتير والأعراف الدولية، فرغم أن كل الخرائط العثمانية تقول إن الجزيرتين تابعتان لمصر فإن مصر لم تتبع الخطوات المعروفة في ذلك، وأولها التحكيم الدولي كما حدث في مشكلة طابا، وهو ما جرى أيضا بين السعودية وقطر في نزاع حدودي بينهما كان يجب على مصر أن تعود إلى دستورها والمادة 51 منه وعدم التخلي عن السيادة الوطنية والرجوع للبرلمان وإجراء استفتاء لأنه يحرم التنازل عن السيادة الوطنية.
وعلى صعيد الخلافات العربية والعربية وإمكانية تكرار ما جرى قال إنه يمكن أن يتكرر هذا التنازل كما جرى من جانب مصر للسعودية؛ لأن العالم العربي لا تحكمه القوانين والمؤسسات بقدر ما تحكمه القبلية فمن تأجيج ووصول لحالة حرب كما هو الحال بين المغرب والجزائر وسابقا بين السعودية والإمارات وبين شطري اليمن إلى تسوية قبلية يراعى فيها الخواطر والجيرة أكثر ما يراعى فيها القوانين والأعراف الدولية المتبعىة في هذا الشأن، لافتًا إلى أنه يمكن أن يتسبب هذا النموذج في تأجيج الصراعات بين الدول العربية على خلفية المطالبة بالمعاملة بالمثل، سواء في مشكلة حلايب وشلاتين بين مصر والسودان أو بين السعودية والإمارات وقطر.
مراعاة خواطر
ورأى سامح راشد، الخبير في الشؤون العربية بمركز الأهرام، في تصريحات صحفية، أن هذا النموذج في الحل بين مصر والسعودية وتسوية الخلافات بينهما نموذج لا يحتذى لأنه لم يتم إخضاعه لمعايير التسوية المعروفة، سواء بإخضاعه للتحكيم أو حتى الاستفتاء أو أخذ رأي المؤسسات الممثلة للشعب، ولكن تم بشكل يمكن أن نطلق عليه “مراعاة خواطر” وبشكل ودي أكثر منه شكلا قانونيا، والمشكلة أنه لاقى رفضا شعبيا في مصر بشكل ربما غير متوقع ومفاجئ للقيادة السياسية؛ لأنه مهما كان حب الشعب لرئيسه فإن مسألة الأرض تكون هي الأكثر حرصا من جانب الشعب وخوفا عليها أو ما يمكن أن نسميه هنا السيادة الوطنية.
وعما إذا كان هذا النموذج يمكن تكراره بين الدول العربية المتنازعة على الحدود قال إنه لا يمكن اعتباره نموذجا؛ لأن له ظروفه وملابساته، وربما العلاقات المتميزة بين مصر والسعودية، فضلا عن كل منهم للآخر أسهم بشكل كبير في الوصول إلى توافق في هذا الأمر، خاصةً أن هناك تداخلا وعدم وضوح في مسألة ملكية أي طرف بشكل واضح للجزيرتين وإن كان هناك شبه تسليم مصري بملكية السعودية للجزيرتين، لافتا إلى أنه بالمقابل هناك مشكلات بين السعودية وقطر والإمارات لم يتم التوصل لحل لها حتى الآن؛ لأنها أكثر تعقيدا ووصلت الأمور في هذا السياق إلى حد المواجهة خاصة بين الإمارات والسعودية وإطلاق زوارق لصواريخ بين الطرفين في إحدى الجزر، وبالتالي الأمور ليس من السهل حلها استنادا إلى النموذج المصري الذي كان فيه مرونة واضحة جدا من الجانب المصري مع الجانب السعودي.