لطالما نادت الأحزاب والمجموعات والحركات السياسية والشبابية بإلغاء قانون التظاهر، لأنه كان أحد سبل الزج بالآلاف من المواطنين المصريين في السجون، فعلى الرغم من حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 10 من قانون التظاهر، إلا أنه لن يستفيد منها أيّ شخص محبوس بموجب القانون.
وقضت المحكمة الدستورية العليا المصرية، اليوم السبت، بعدم دستورية المادة 10 من قانون التظاهر، الصادر عام 2013م، والذي تسبّب بصدور قرارات وأحكام بالحبس على نحو 40 ألف شخص، إلى جانب استخدامه في اتهام الآلاف، بحسب محامين وحقوقيين.
والمادة التي أبطلتها المحكمة، تمنح السلطة لوزير الداخلية في إصدار قرار مُسبَّب بمنع التظاهرة أو إرجائها أو نقلها “في حالة وجود ما يهدّد الأمن والسلم”.
ويلزم الحكم الحكومة بتعديل المادة 10، بحيث يلجأ وزير الداخلية إلى القضاء لاستصدار قرار بمنع المظاهرة أو تغيير مسارها، “حال اكتشاف معلومات أو دلائل بأنّها تعرّض الأمن العام للخطر”.
بينما أيّدت المحكمة المادة 8 فيما تضمنّته من وجوب الإخطار قبل القيام بالتظاهرة، والمادتين 7 و19 اللتين تعاقبان كل من يرتكب نحو 16 جريمة مصاحبة للمظاهرات، كتعطيل الطريق والعمل.
جاء الحكم خلافًا لما أوصت به هيئة مفوضي المحكمة ببطلانهما، باعتبار المادتين 7 و19، تتضمنان صورًا تجريمية مائعة وغير منضبطة، توسّع سلطة ضبط الأشخاص، وتُخضع العديد من التصرّفات غير المرتبطة بالجريمة للعقوبة، بالإضافة لمنع المادة 19 تفعيل مبدأ السماح بتخفيض العقوبة أو الاختيار بين الحبس والغرامة.
وتنص المادة 10 من القانون على: “يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن- وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة- على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قرارًا مسببًا يمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها، على أن يبلغ مقدمي الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربعة وعشرين ساعة على الأقل”.
لن يؤثر على المحبوسين
ووفقًا لما ذكره مختصون في الملف القانوني والدستوري، فإن الحكم جاء صادمًا لتلك الآمال، ولن يترك أثرًا على الأحكام الصادرة بحق المحبوسين احتياطيًا أو نتيجة أحكام قضائية بناءً على مواد هذا القانون.
عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، يرى أن الحكم لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على أوضاع المحبوسين احتياطيًا على ذمة هذا القانون، أو الصادر بحقهم أحكام بناء على مواده، وأن حكم الدستورية اليوم أعطى إشارة ضوء باستمرار حبس ما يزيد عن 20 ألف مواطن مصري نتيجة هذا القانون.
وذكر أن القانون لم يتأثر بهذا الحكم، وأنه يعد ساريًا، ولن يؤثر الحكم على شكله أو تطبيقه أو جوهره، وهو حكم يعطي طاقة دستورية لاستمرار تنفيذ القانون القمعي للتظاهر في مصر لحين إشعار آخر.
كما قال الحقوقي جمال عيد، عبر حسابه على موقع “فيس بوك”: “حكم المحكمة الدستورية : يبقى الأمر على ما هو عليه ، تبدأ الأمور وتنتهي لدي الاجهزة السيادية والأمنية”.
غل يد الأمن
قانونيون أكدوا أنه بعد الحكم لا يستطيع الأمن رفض أي مظاهرة طالما تم إخطاره للتأمين فقط، كما تم غل يد الأمن في قبول أو رفض المظاهرة بعد الحكم بعدم دستورية هذه المادة، ما يعني سقوطها بالكامل.
رفض مواد في صالح المحبوسين
وقال مصدر حقوقي- فضل عدم ذكر اسمه- لايمكن أن تلغي الأحكام السابقة بسبب إلغاء المادة العاشرة من قانون التظاهر، مشيرًا إلى أن المتهمين وفق القانون ذاته يحملون عدة اتهامات، وبالتالي إثر إلغاءها هذه المادة عليهم غير موجود.
وأضاف المصدر لـ “رصد”، أنه اليوم تم رفض إلغاء العقوبات في القانون ذاته التي كان من الممكن أن يستفيد منها آلاف المحبوسين.
وقال مختار منير المحامى بمركز حرية الفكر والتعبير، إن رفض عدم دستورية المادة 7 و 19 من قانون التظاهر أصبح عائقًا أمام إعادة فتح الباب أمام قضايا المحبوسين على ذمة التظاهر، خاصة فى المادة 7 والتي نصت على تجريم أكثر من فعل في نفس المادة، وبالتالي لن يستفيد أي من المحبوسين بهذا القرار.
القانون يقضي بالغرامة فقط
و أوضح د. محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق، أنه حينما تقضي “الدستورية” بعدم دستورية إحدى فقرات أو مواد قانون ما، فإن هذه الفقرة أو المادة تعتبر كأن لم تكن، وكما لو أن القانون صدر من غيرها، مضيفًا أن إقرار “الدستورية” بعدم دستورية مادة من قانون لا يعني عدم دستورية هذا القانون، أو أن هذا الحكم يمكن أن يتخذ سببا للطعن على باقى القانون ” .
و لفت كبيش، في تصريحات صحفية، إلى أن ما لا يريد أن يفهمه الجميع، هو أن التظاهر دون ترخيص أو دون موافقة الجهة الإدارية ــ الممثلة فى وازرة الداخلية ــ لا يترتب عليه سوى الغرامة فقط، مشيرًا إلى أن المحبوسين فى القضايا التي تندرج في الإعلام تحت اسم ــ خرق قانون التظاهر ــ قد أدينوا بالقيام بأفعال أخرى، وهم محبوسون بسبب قائمة اتهامات مختلفة، وردت بقرار الإحالة الصادر عن النيابة العامة، وهذه الاتهامات موجودة بقانون العقوبات ومنها، التخريب، والإتلاف، ومحاولة قلب نظام الحكم.
قانون التظاهر
جدير بالذكر أنه منذ صدور “قانون التظاهر”، في نوفمبر 2013م، تحت قرار قانون حمل رقم 107 لسنة 2013م، زُجّ بالآلاف من المواطنين المصريين في السجون، نظرًا لما يحمله من نصوص تنال من الحق في التجمّع.
ومع إعلان الحكومة أنها بصدد تعديل قانون التظاهر، عادت منظمات حقوقية مصرية إلى الحديث عن المخالفات القانونية والتشريعية في القانون، وقدّمت المبادرات والنصوص الموازية له.
وتعرّض عشرات الآلاف من المواطنين المصريين لملاحقات قضائية واحتجاز، سواء بسبب ممارستهم الحق في التظاهر والتجمّع السلمي، أو بسبب تصادف وجودهم في محيط تظاهرة معينة، وذلك على خلفية إقرار قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية في الأماكن العامة، “قانون التظاهر”، الصادر في 24 نوفمبر 2013م، بحسب تقرير مشترك لـ16 منظمة حقوقية مصرية.
يُذكر أن القانون ينص على أنه “يُعاقب بالحبس والغرامة من 50 ألفًا إلى 100 ألف جنيه كل من ارتكب المحظورات، التي نص عليها القانون، كما يعاقب بالغرامة من ألف إلى 5 آلاف جنيه من قام بتنظيم مظاهرة أو موكب دون الإخطار عنها”، ويمنع القانون الاقتراب 50 أو 100 متر من مقار الرئاسة والبرلمان والحكومة والشرطة، مع إعطاء الحق للداخلية بإلغاء التظاهرة، والحبس وغرامة 300 ألف جنيه لمخالفي قواعد الإخطار والمنتفعين مالياً من تنظيم التظاهرات.