حفل عام ٢٠١٦ بالعديد من الأحداث والتغيرات، منها ما كان مفاجئًا ومنها ما كان متوقعًا ومنها الذي كان بمثابة خطوات نحو أهداف تم التخطيط لها على مدار سنوات، إلا أن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا كانت حدثًا بارزًا ومثيرًا على المستويين الإقليمي والدولي وانعكست هذه الأهمية في رد فعل الأتراك أنفسهم الذين قدموا نموذجًا قليل الحدوث– كما يرى البعض- في التعامل مع الانقلاب حتى رفع البائعون الجائلون لافتاتهم الشهيرة مكتوبا عليها ” بعنا كل شيء ولم نبِع الوطن”.
إرهاصات وبوادر
الخلاف بين حكومة حزب العدالة والتنمية وبعض القيادات الوسطى في الجيش لم تكن خافية على أحد منذ تولي الحزب السلطة وتمثلت هذه الخلافات في أحداث كان أبرزها:
في عام 2007، عارض قائد القوات المسلحة الجنرال يشار بويوكانيت، تولي عبد الله جول مؤسس حزب العدالة والتنمية ورفيق إردوغان منذ فترة طويلة، رئاسة البلاد.
لكن حزب العدالة والتنمية والبرلمان تجاهلا اعتراض الجنرال بويوكانيت وانتخبا جول رئيسًا لتركيا.
وعاد الجنرال مرة أخرى ليحاول التدخل في تحديد مهام الحكومة، الأمر الذي أشار إلى وجود صراع بين حزب العدالة والتنمية والجيش، ما زاد من الدعم لحزب العدالة والتنمية.
وبعد شهر واحد من تدخل الجنرال بويوكانيت، باشرت الحكومة تحقيقًا جنائيًا مطولاً وعالي المستوى في القضية التي عرفت باسم ايرجينيكون Ergenekon.
وكانت ايرجينيكون، وفقًا للائحة الاتهام، عبارة عن منظمة إرهابية تتألف من القوميين العلمانيين في “الدولة العميقة”، داخل النظام السياسي.
وشملت الاتهامات التخطيط لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات للإطاحة بالحكومة، والتأثير على المناخ السياسي للبلاد لعقود، وكان من بين المتهمين قائد القوات المسلحة السابق، الجنرال ايلكر باشبوغ.
وفي عام 2010م، بدأت التحقيقات في قضية أخرى هامة سميت سليدج هامر او المطرقة Sledgehammer، وتم خلالها سجن 300 مسؤول بالجيش.
واتهموا جميعًا بالتخطيط لانقلاب عام 2003م، ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، لكن اتضح بعد ذلك أن معظم الأدلة كانت ملفقة، وتمت تبرئة جميع المتهمين في كلتا القضيتين.
ومن المعروف أن أتباع رجل الدين الإسلامي عبدالله كولن، في الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء كانوا وراء هذه المحاكمات.
ورغم أن هذه القضايا لم تؤدي إلى نتائج مؤثرة عمليا إلا أنها أدت إلى تهميش الجيش سياسيا بشكل ملحوظ، وبعد ذلك بدأ الصراع على السلطة بين حزب العدالة والتنمية وحركة كولن من أجل السيطرة على البلاد.
ورغم كل هذه الخلافات لم يكن الكثيرون داخل تركيا يتوقعون وقوع انقلاب عسكري في شكل كلاسيكي أو محاولة للسيطرة على السلطة بالقوة.
قصة الانقلاب
بحسب رسائل بين القائمين على الانقلاب ظهرت على تطبيق واتس آب ضمن مجموعة قاموا بتشكيلها بينهم ونشرتها العديد من وسائل الإعلام بدأ الانقلاب الساعة التاسعة والنصف (بالتوقيت المحلي لتركيا)، حيث نزلت القطع العسكرية إلى المدن، وخلال ربع ساعة تمت السيطرة على جسري مضيق البوسفور في إسطنبول، ثم بعد ذلك بعشر دقائق جاءت الأوامر بالسيطرة على مبنى قناة “تي.آر.تي” الحكومية.
وأكدت المراسلات أيضًا أن القطع العسكرية وصلت مطار أتاتورك في إسطنبول لمحاصرته في تمام الساعة العاشرة، وأن الانقلابيين واجهوا مقاومة من قبل الشرطة بمنطقة بيرم باشا وسط إسطنبول.
ووفق مراسلات “الواتساب” أيضا، سيطر الانقلابيون على مبنى الأمن (أمنيات) في شارع الوطن بإسطنبول، فجاءت الأوامر بترقب وصول قادة القوات الأمنية ليعتقلهم الانقلابيون.
وتضمنت المراسلات أدلة تثبت استعداد بعض عناصر الشرطة للانضمام إلى الانقلابيين، وأكدت اكتشاف السلطات للمؤامرة الساعة العاشرة، مما دفع قادة الانقلاب لإرسال أوامر لجنودهم تطالبهم بإطلاق النار على كل من يقاومهم من قوات الأمن، كما تضمنت إيعازا للقوات الانقلابية على الجسور بالسماح لبعض المواطنين المحاصرين بالخروج ومواجهة أي عنصر شرطة يحاول العبور وقتله في حال إصراره على المقاومة.
كما بينت نصوص محادثات قادة الانقلاب أن قائد الجيش الأول دوندار كان يمثل عقبة كبيرة في وجه الانقلاب حيث تكرر في المحادثات الأمر باعتقاله، وكان قريبا من الاعتقال خاصة وأنه كان محط مراقبة من الانقلابيين.
محاولة اغتيال أردوغان
وصلت ثلاث مروحيات تابعة للقوات الخاصة العسكرية فندق بمدينة مرمريس كان يقيم فيه الرئيس رجب طيب أردوغان، وعلى متنها أربعون جنديًا في محاولة لاعتقال الرئيس أو قتله، بينما كان أردوغان قد غادر الموقع بمروحية خاصة قبل نصف ساعة تقريبًا من محاولة الاقتحام، واشتبك الحرس الرئاسي مع الجنود قبل أن يفر عدد منهم عبر الجبال بعد تعطل إحدى المروحيات.
في تلك الآونة كان قائد قوات الدرك في بورصة العقيد يورداك أكول كوش فد تم اعتقاله بعد ثلاث ساعات من المحاولة الانقلابية وفي حوزته قائمة بأسماء أكثر من ثمانين شخصية يفترض أن يديروا البلاد بالمرحلة التالية للانقلاب بعد إعلان حالة الطوارئ، وهم ضباط بالجيش ووزراء وقضاة ومدعون عامون ومحافظون.
بيان نجاح الانقلاب
وأعد الانقلابيون مسبقًا بيان نجاح الانقلاب، والذي استهل بالجملة التالية “إن القوات المسلحة التركية التي هي عنصر مؤسس للجمهورية وأمانة من القائد العظيم أتاتورك، وفي إطار “السلام في الوطن، السلام في العالم”.
وجاء في البيان أنه “تمت السيطرة على مقاليد الحكم اعتبارا من الساعة 03:00 من …. يوليو لهدف تأسيس علاقات والتعاون بشكل أقوى مع المنظمات والمجتمع الدوليين لإحلال السلام والاستقرار في العالم”.
وقال الانقلابيون: إن “القوات المسلحة ستعمل على ضمان الأمن والاطمئنان والرفاه للشعب التركي، وإعادة كسب المكانة الدولية التي خسرتها الدولة، وضمان عودة نظام الدولة العلمانية والديمقراطية والاجتماعية والقانونية”.
كما تضمن بيان الانقلاب إعلان حالة الطوارئ في كل المناطق التركية، وجاء فيه “اعتبارا من نفس التوقيت تم إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد” بالإضافة إلى “الإعلان حتى إشعار آخر عن حظر التجول في جميع أنحاء البلاد”.
وقد أرفق بالبيان “لائحة بأسماء الأشخاص الذين عينتهم قيادة الطوارئ عملية إدارة المحافظات، وإن قيادة حالة الطوارئ ستبدأ بشكل سريع بمهامها”.
وفي تقرير لها حول الانقلاب نشرته في يوليو ٢٠١٦ أشارت شبكة الجزيرة إلى أسباب الفشل في عدة نقاط كان أبرزها:
– محدودية المحاولة الانقلابية من عدة زوايا، فعلى المستوى الجغرافي لم تكد تتخطى مدينتي أنقرةوإسطنبول، وعلى مستوى المشاركة كانت قطاعات قليلة من الجيش هي من نزل الميدان، وعلى مستوى التنفيذ بقي الرئيس والوزراء في الحكومة أحرارا (تحدث أردوغان عن محاولة فاشلة لاغتياله)، وعلى مستوى الفاعلية كانت القوات المشاركة أضعف وأقل عددا من أن تسيطر على الميادين ومختلف مؤسسات الدولة، وعلى مستوى السيطرة اللوجستية فقد عجز الانقلابيون عن إسكات صوت الإعلام الخاص الذي تحول لمتنفس لأردوغان وحكومته، واكتفوا بسيطرة مؤقتة على قناة التلفزة الرسمية فقدوها سريعًا.
– التأثير الحاسم لظهور الرئيس أردوغان سريعًا على إحدى القنوات الخاصة بما أعطى إيحاء واضحا على عدم حسم الموقف الميداني، كما كان ثباته ورباطة جأشه وتوجيهه للجماهير عاملا ملهما لزيادة عدد المواطنين الذين نزلوا للشوارع وواجهوا مجموعات الجيش، ثم كان ظهوره في مطار إسطنبول إيذانا بكسر حدة الهجمة والسيطرة النسبية على الأوضاع.
– حشود المواطنين الكبيرة في مختلف ميادين أنقرة وإسطنبول ودفاعهم عن مؤسسات الدولة المختلفة، خصوصا بلدية إسطنبول الكبرى ومطار أتاتورك ومبنى الأمن العام وجسري البوسفور والسلطان محمد الفاتح في إسطنبول، حيث أعطى هذا الزخم الجماهيري صورة واضحة عن افتقاد التحرك للحاضنة الشعبية كما ساهم في كبح جماح القمع الذي كان يمكن أن تمارسه القوات في الميدان وحدَّ من هامش الفعل لديها.
– وسائل الإعلام التركية، سيما الخاصة، التي كانت نافذة لظهور الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدرم وعدد كبير من القيادات السياسية والعسكرية رفضا للانقلاب ودعوة لمواجهته، وقد كان تواصل أردوغان هاتفيا مع قناة CNN TURK (المعارضة له والواسعة الانتشار والمتابعة) عاملا حاسما في تعديل دفة الأحداث.
– الموقف الموحد لمختلف الأحزاب السياسية التركية ومنذ الدقائق الأولى للانقلاب في رفضه وتأكيد دعمها للمؤسسات والشخصيات المنتخبة، وهو ما حرم الحركة الانقلابية من ذريعة حمايتها للديمقراطية والحياة السياسية في البلاد.
– أخيرا -وهو الأهم- الموقف الحاسم الذي اتخذته أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات والقوات الخاصة في مواجهة المجموعات الانقلابية في ظل الغياب الميداني لمختلف قطاعات الجيش، فضلا عن الدور الحاسم والمتوقع لجهاز الاستخبارات تحديدا في سياقيْ المعلومة والمواجهة الميدانية.
إجراءات الحكومة بعد فشل الانقلاب
بعد اتهام الحكومة التركية لجماعة فتح الله كولن بتدبير الانقلاب أطلقت حملة واسعة من التوقيفات والتحقيقات بهدف تطهير المؤسسات الحكومية من أتباع كولن وانصاره، حيث أفادت صحيفة “حريت” التركية، الثلاثاء 19 يوليو/تموز، بأن السلطات أقالت أكثر من 49 ألف موظف في مؤسسات الدولة بتهمة ارتباطهم بالمتآمرين، حيث قالت الصحيفة: “أقيل الألوف من الموظفين من مناصبهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية.. وبلغ عدد المقالين 49321 موظفًا”.
كما طالت حملات التطهير الجارية في مؤسسات الدولة التركية قطاع التعليم بشدة، بينما تعهدت أنقرة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان أمن الدولة.
وطالب مجلس التعليم العالي في تركيا بإقالة 577 من عمداء الكليات في الجامعات التركية، بينهم 176 أستاذا في جامعات حكومية و401 في جامعات خاصة. فيما أفادت رويترز بأن الحكومة التركية سحبت رخص 21 ألف مدرس في المدارس الخاصة.
بدورها أعلنت وزارة التربية عن إبعاد 15200 من موظفيها عن العمل مؤقتا، كما أعلنت الحكومة التركية على لسان نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي يوم الثلاثاء، 19 يوليو/تموز، أن السلطات تحقق مع 9332 شخصا للاشتباه بتورطهم في تدبير وإعداد الانقلاب الفاشل ليلة 15 إلى 16 يوليو/تموز.
العلاقة بالاتحاد الأوروبي
اعتبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتس، أن حملة الاعتقالات والإقالات في مؤسسات الدولة التركية، تظهر أن السلطات أعدت هذه الحملة مسبقا، واعتبر أن الحديث يدور عن نوع من الانتقام.
وتابع شولتس، في تصريحات صحفية، الثلاثاء 19 يوليو/تموز: “إننا قلقون للغاية من الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية. وليس بسبب النقاش حول العودة لتطبيق أحكام الإعدام فحسب، إنما وبسبب إقالة 13 ألف شخص واعتقال 6 آلاف آخرين. ويظهر ذلك كله أن الحكومة أعدت لهذه الحملة جيدا، ونحن نرى حاليا نوعا من الانتقام. وليس ذلك وسيلة مناسبة للرد على عواقب الانقلاب”.
وتابع أنه يأمل في أن تحترم الحكومة التركية مبادئ الديمقراطية وحرية الصحافة واستقلال القضاء وحماية حقوق الإنسان.
التداعيات المستقبلية
من الصعوبة بمكان أن يمر هذا الحدث المفصلي في تاريخ تركيا الحديث دون تداعيات مهمة ومفصلية في مستقبل المشهد الداخلي التركي ومسيرة العدالة والتنمية بشكل عام.
ففي المقام الأول، يمكن أن يكون فشل هذه المحاولة عاملا حاسما في إسدال الستار نهائيا أمام أي انقلاب قادم، بعدما فشلت في ذلك كل الأضرار التي تسببت بها الانقلابات الأربعة السابقة ومحاكمات القادة والضباط وإنجازات تركيا مؤخرا. ذلك أن صدى الفشل والضغوط المعنوية الشديدة على المؤسسة العسكرية إضافة للإجراءات المتوقعة في توقيف المشتركين في الانقلاب سيكون لها أثر مباشر على ذلك.
المحاولة فاشلة والنتائج إيجابية
غم فشل المحاولة الانقلابية إلا أنها أفادت تركيا في إعادة تقييم علاقاتها والتأكيد على واقع سياسي معين وذلك من خلال مواقف الدول من حولها من المحاولة الانقلابية الفاشلة
وجاءت مواقف دول العالم كالتالي:
أولا: دول عارضت الانقلاب منذ اللحظة الأولى:
وتعتبر دولة قطر أول من أدانت بشدة محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، وأكدت تضامن الدوحة مع أنقرة في كافة الإجراءات القانونية التي تتخذها الحكومة التركية الشرعية.
وقالت الخارجية القطرية- في بيان لها- إنها تدين وتستنكر محاولة الانقلاب الخروج على القانون وانتهاك الشرعية الدستورية في جمهورية تركيا.
وأكدت الوزارة تضامن دولة قطر مع الجمهورية التركية الشقيقة في كافة الإجراءات القانونية، التي تتخذها حكومتها الشرعية للحفاظ على أمن واستقرار تركيا وشعبها الشقيق.
كما نددت دولة تونس وأحزاب سياسية بها كـ”النهضة” و”التيار الديمقراطي” و”تونس الإرادة” بالمحاولة الانقلابية في تركيا, ودعت تلك القوى الديمقراطية في تونس والعالم العربي إلى التحذير من “هذا المسلك الانقلابي الخطير”.
وفي فلسطين، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة عن رفضها الصريح والمباشر منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري، وعبرت الحركة عن رفضها لما يجرى في تركيا، ووصفته بأنه محاولة آثمة للانقلاب على الخيار الديمقراطي, وتهنئ القيادة التركية بالانتصار على الانقلابيين.
وفي سوريا، رفض الائتلاف الوطني السوري المعارض والفصائل المسلحة المعارضة الانقلاب، مبكرا، وعبرت تلك الفصائل عن تهنئتها لتركيا بعد فشل المحاولة الانقلابية, وأكدت تضامنها مع أنقرة, في حين أطلق مؤيدو النظام السوري النار في دمشق؛ ابتهاجا منهم بالمحاولة عندما كانت في بدايتها.
وفي اليابان كذلك، دعا رئيس الوزراء “شينزو آبي” مبكرا إلى احترام النظام الديمقراطي في تركيا, وأعلن عن أمله في عودة الوضع إلى طبيعته بسرعة.
كذلك أعلنت المغرب بشكل مبكر عن رفضها للانقلاب، وقالت وزارة الخارجية إنها تعبر عن رفض المملكة المحاولة الانقلابية في تركيا, وتدعو إلى الحفاظ على النظام الدستوري فيها.
وكذلك رفضت السودان مبكرا محاولة الانقلاب، وأدانت الخرطوم المحاولة الانقلابية في تركيا, وقام الرئيس عمر البشير باتصال هاتفي بأردوغان.
ثانيا: دول متهمة بدعم الانقلاب
الاحتلال الإسرائيلي يعد من أبرز “الدول” التي كانت ترحب بالانقلاب العسكري في تركيا، ورغم ذلك أبدت تصريحات بأنها تحترم العملية الديمقراطية في تركيا, وأعلنت عن أملها في استمرار عملية المصالحة معها.
كما كانت مصر وحكومة الانقلاب العسكري فيها من أكثر الحكومات التي تتمنى نجاح الانقلاب العسكري في تركيا، وظلت في موقف المتفرج، وخرجت في نهاية الأمر تدعو المصريين هناك إلى توخي الحذر.
الإمارات كذلك كانت من الدول الأولى التي تتمنى نجاح الانقلاب العسكري، بحسب مراقبين، حيث ظلت في موقف المتفرج وتراقب عن كثب ماذا سيسفر عنه الانقلاب.
ويؤكد مراقبون أن الانقلاب التركي لم يخرج عن أبناء زايد، لكن وعقب فشل الانقلاب العسكري، خرجت دولة الإمارات العربية وأعربت عن ترحيبها “بعودة الأمور إلى مسارها الشرعي والدستوري، وبما يعبر عن إرادة الشعب التركي”، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها البلاد، ليلة أمس الجمعة.
فرنسا كذلك كانت من الدول المتهمة بدعم الانقلاب العسكري في تركيا، خصوصا أنها قامت بغلق سفارتها قبل ساعات من الانقلاب دون مبرر واضح.
وبالرغم من ذلك، خرجت الخارجية الفرنسية بعد فشل الانقلاب تدعو إلى احترام النظام الديمقراطي وتجنب العنف.
كذلك ظلت روسيا في موقف المتفرج، ثم خرجت وعبرت عن “قلقها البالغ” من الأحداث في تركيا, وقال روسيا إنها وجهت المسؤولين لمساعدة المواطنين الروس في تركيا على العودة في أقرب فرصة. وبينما كانت المحاولة الانقلابية لا تزال جارية, قال الكرملين إنه يمكن مناقشة منح الرئيس التركي “اللجوء السياسي” في حال طلب ذلك.
دول ظلت في موقف المتفرج:
السعودية كانت من أبرز الدول العربية التي وقفت موقف المتفرج، وهو موقف غير مفهوم في ظل العلاقات بين المملكة وتركيا، وعقب فشل الانقلاب العسكري، رحبت السعودية بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس أردوغان.
وكانت أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي ظلت تراقب مشهد الانقلاب التركي، ولم تتحدث عن ضرورة احترام الديمقراطية إلا بعد حسم المشهد لصالح تركيا.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد دعا كل الأطراف في تركيا إلى دعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا, ووزير خارجيته جون كيري يؤكد- في اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو- أن بلاده تدعم بشكل مطلق المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا في تركيا.
الصين أيضا ظلت في موقف المتفرج، ثم خرجت ونددت وزارة الخارجية بالمحاولة الانقلابية, وعبرت عن أملها في أن تستعيد تركيا النظام والاستقرار في أقصر وقت.
الاتحاد الأوروبي أيضا متهم بالصمت على الانقلاب التركي لفترة طويلة، ثم خرج بعد ذلك وأعلن عن دعمه الكامل للحكومة المنتخبة ديمقراطيا ومؤسسات البلاد ودولة القانون في تركيا.
وفي ألمانيا، دعا متحدث باسم المستشارة أنجيلا ميركل إلى احترام النظام الديمقراطي في تركيا.
وفي بريطانيا، قال وزير الخارجية بوريس جونسون: إن بلاده تؤكد دعمها للحكومة والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا في تركيا.
كذلك كانت الكويتب من الدول التي تأخرت في إعلان رفض الانقلاب التركي، وبعد فشل الانقلاب خرج الأمير يهنئ الرئيس التركي بنجاح الشرعية والانتصار للديمقراطية وإرادة الشعب.
أيضًا صمتت إيران فترة طويلة على الانقلاب، بينما خرج وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأثنى على دفاع الشعب التركي عن ديمقراطيته, وقال إن ذلك يظهر أنه لا مجال للانقلابات في المنطقة.
موقف الأمم المتحدة
وقفت الأمم المتحدة كذلك موقف المتفرج، حيث دعا الأمين العام بان كي مون إلى عودة السلطة المدنية والنظام الدستوري سريعا وسلميا بما يتفق ومبادئ الديمقراطية.
كما ظل حلف شمال الأطلسي في موقف المتفرج، وحين اقتربت الحكومة المنتخبة من حسم الأمر لصالحها خرج “حلف شمال الأطلسي” ودعا إلى الاحترام التام للمؤسسات الديمقراطية في تركيا, ولدستور البلاد.
من يقف وراء المحاولة الفاشلة؟
رغم إعلان النظام في تركيا بشكل واضح أن الكيان الموازي هو المسئول والمدبر الرئيس لمحاولة الانقلاب الفاشلة إلا أن بعض النراقبين قد ارتأى أن هذا الاتهام قد يكون وراءه أهداف سياسية أخرى للحكومة التركية وكان أبرز من تبنى وجهة النظر هذه إزغي باصاران لصحفي التركي والأكاديمي في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد حيث يقول:
هناك العديد من النظريات حول من يقف وراء هذه المحاولة الانقلابية الفاشلةوتشير إحدى النظريات إلى أن الرئيس إردوغان من يقف وراءها، وأنها “عملية مزيفة” أراد إردوغان من خلالها كسب المزيد من السلطة، ولكن المنطق يشير إلى أن الحدث أبعد ما يكون عن عملية مزيفة
بينما تتبنى الحركة الكردية نظرية أخرى تتمثل في أن الكماليين الموجودين في الجيش، أتباع مؤسس تركيا العلمانية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، خدعوا أتباع فتح الله غولن وقرروا الإطاحة بهم من خلال تنفيذ هذا الانقلاب.
وعلم الكماليون أن هذا الانقلاب سوف يفشل، وعندها سيتحرك إردوغان ضد أنصار غولن ويتحرك لتطهير الجيش والدولة منهم.
والنظرية الثالثة التي أعلن عنها أحد مسؤولي الشرطة، تشير إلى أن حكومة العدالة والتنمية كانت تخطط لاعتقال انصار حركة غولن في الجيش يوم 16 يوليو/ تموز، وعندما علموا بهذه الخطط قرروا تنفيذ انقلاب عسكري سريع في يوم 15 يوليو/ تموز، لذلك ظهر بشكل مرتبك وغير منظم.