سلّط تقريرٌ لصحيفة “جارديان” البريطانية الضوء على أزمة أهالي النوبة الشديدة باستيلاء الحكومة المصرية على أراضيهم لزراعة مليون ونصف فدان على نفس أراضي مشروع “توشكى” القديم، فيما يشكك كثير من الخبراء في فرص نجاح المشروع.
وقالت الصحيفة إن شريطًا من الصحراء بالقرب من مدينة أسوان هو المتبقي من المنطقة التي كانت في يوم من الأيام إمبراطورية نوبية مزدهرة في جنوب مصر؛ لكن نسل هذه الإمبراطورية ممنوعون من وضع أقدامهم هناك، وعندما حاولت مجموعة من 150 متظاهرًا الوصول إلى المنطقة في نوفمبر كانت أقرب منطقة وصلوا إليها خارج المنطقة؛ حيث أقاموا اعتصامًا.
وتابعت الصحيفة تقريرها قائلة: “في أوائل يناير، ألقي القبض على ثمانية شبان لتنظيمهم مزيدًا من الاحتجاجات ضد بيع الأراضي، التي تقع إلى الغرب من بحيرة ناصر للمستثمرين، وبعد أيام استدعت السلطات المصرية محمد عزمي، رئيس الاتحاد النوبي العام، وقال إنهم هددوه بالاعتقال إذا لم يحل هو وزملاؤه الاتحاد ويجمد أصوله”.
ويقول “عزمي”: “النوبيون الآن يتوجب عليهم دفع المال للأرض التي عاشوا عليها لسنوات”، مضيفًا أنه يعتقد أن خطط إعادة تطوير المنطقة، بما في ذلك موقع 17 قرية نوبية، سيفيد كثيرين من الناس وليس المجتمع النوبي فقط”.
وغطت الإمبراطورية القديمة الخاصة بالمجموعة العرقية النوبية في يوم من الأيام مساحات شاسعة من مصر وما يعرف الآن بالسودان. وبالنسبة إلى النوبيين، المنطقة المحيطة ببحيرة ناصر هي بقايا الماضي من أرض أجدادهم، أما بالنسبة إلى مصر فهي أحدث فرصة للتنمية.
وتقول فاطمة إمام ساكوري، الناشطة النوبية في القاهرة، إن “قضية الأراضي النوبية توضح أن الحكومة غير مستعدة لدعم مواطنيها لتطوير أراضيهم؛ لكنها تُفضِّل أخذ الطريق السهل الممثل في بيعها للمستثمرين”، ويعكس هذا الخلافُ التوترَ طويل الأمد بين خطط الحكومة للتطوير ورغبة النوبيين لحماية أرض آبائهم وأجدادهم، بحسب الصحيفة.
ويلفت التقرير إلى ما ينص عليه دستور 2014 من وعود النوبيين بالعودة إلى موطنهم، فيما خصص عبدالفتاح السيسي جزءًا من المنطقة الواقعة غرب بحيرة ناصر “منطقة عسكرية”، وينوي إقامة مشروع زراعي ضخم يهدف إلى زراعة 1.5 مليون فدان لتقليل الفجوة الغذائية.
ومع ذلك، يشير المنتقدون إلى أن المشاريع الطموحة المماثلة الأخرى قد فشلت في الماضي، ويخشى عديدون من فقدان أراضيهم لصالح مشاريع التنمية التي قد لا تمضي قدمًا.
ويشير التقرير إلى تهجير أهالي النوبة في ستينيات القرن الماضي بعد بناء السد العالي، وهو ما أغرق معظم أراضي النوبيين وغمر بالماء آلاف الأعوام من التاريخ. وفي أواخر التسعينيات صادرت حكومة حسني مبارك جزءًا من الأرض المتنازع عليها -المنطقة المحددة الآن باعتبارها منطقة عسكرية محظورة- وخصصتها لمشروع “توشكى” الذي يهدف إلى استغلال مياه بحيرة ناصر لإنشاء “وادي نيل جديد”، ولكن سارت عملية نقل المياه إلى الصحراء ببطء شديد وفشل المشروع؛ إذ عانى من مشاكل مثل مستويات الملوحة المرتفعة في الصحراء، الذي أدى إلى تلويث المياه الجوفية، وتم ري قليل من الأراضي الزراعية والسهول الصحراوية المترامية، وأحيا السيسي خطط مشروع توشكى مجددًا على نفس المنطقة في أسوان.
ويقول “ديفيد سيمس”، مؤلف كتاب “أحلام صحراء مصر”، إن “مشروع الـ1.5 مليون فدان مشروع كبير آخر للحصول على رأس مال سياسي”، ويضيف: “حتى الآن، الأمر برمته مجرد تصريحات”.
ويشكك “سيمز” -الذي يقول إن عشرة آلاف فدان فقط تم استصلاحها حتى الآن- في جدوى المشروع، قائلًا: “من الصعب تقييم الجدوى الاقتصادية؛ بسبب قلة المعلومات حتى بالنسبة إلى المستثمرين”.