فشلت المحاولة الأخيرة لجلب الحكومات المتناحرة في ليبيا معًا. ومنذ ديسمبر عام 2015، حين تمّ توقيع الاتفاق السياسي الليبي لتوحيد مجلس النوّاب والمؤتمر الوطني العام في ليبيا في حكومة موحّدة تعرف باسم حكومة الوفاق الوطني، كانت الإدارات الثلاثة تتنافس للسيطرة على البلاد.
وكما احتدم القتال بين الميليشيات التي تدعم الحكومات خلال الأشهر القليلة الماضية، تمّ تكثيف المبادرات الدبلوماسية لإعادة التفاوض حول بنود الاتفاق السياسي الليبي لإيجاد حل أكثر عملية. وضغطت روسيا وأوروبا وتونس والجزائر من أجل جلب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج واللواء خليفة حفتر أقوى داعم عسكري لمجلس النواب للجلوس معًا لمناقشة مستقبل ليبيا.
وبحسب “الخليج الجديد”، ففي 13 و14 فبراير، نسّقت مصر اجتماعًا بين القادة، وهو الأول خلال عام، مع آمال كبيرة في نجاح المفاوضات. ومع ذلك، انهارت تلك المحادثات عندما رفض «حفتر» الجلوس مع “السراج”.
وعلى الرغم من أنّ الزعيمين قد اتّفقا على التفاوض من خلال وسيط والتزما باستمرار المفاوضات، فمن غير المرجّح التوصّل إلى توافق في وقتٍ قريب.
ويكتسب “حفتر”، زعيم الجيش الوطني الليبي، السلطة أكثر فأكثر منذ شنّه هجمات ضدّ الجماعات الجهادية شرق ليبيا عام 2014. واليوم، يتعاظم نفوذه في البلاد إلى الدرجة التي تجعل خصومه والمجتمع الدولي يعترفون بضرورة مشاركته واندماجه للحصول على حكومة قادرة على البقاء.
وقد جعل ذلك لـ”حفتر” اليد العليا في المفاوضات ومكنّه من الإصرار على مطالبه الأساسية ليكون على رأس هيكل قيادة الجيش الليبي. وعلى عكس خصومه في حكومة الوفاق الوطني التي تفقد شرعيتها يومًا بعد يوم، يملك “حفتر” النفس الطويل في تلك اللعبة.
تحليل
خلال العامين الأخيرين، سيطر الجيش الوطني الليبي على شرق ليبيا كله تقريبًا، رغم أنّه لم يسيطر حتّى الآن بشكلٍ كاملٍ على بنغازي. كما استطاع السيطرة على 4 من محطات حيوية لتصدير النفط والتي كانت تسيطر عليها قوات حماية المنشآت النفطية، واستطاعوا الوصول بإنتاج ليبيا من النفط إلى 700 ألف برميل يوميًا، وهو المستوى الأعلى في سنوات. واستطاع “حفتر” بنجاحاته العسكرية كسب فوائد سياسية أيضًا.
وقد دافع سياسيون أجانب مثل وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون” عن حتمية وجوده في حكومة ليبية موحّدة، وفي ليبيا في الوقت نفسه، طغى نفوذ “حفتر” على خصومه السابقين، بما في ذلك أعضاء سابقين بالبنيان المرصوص، ومجموعة من الميليشيات من مصراتة والتي طردت “الدولة الإسلامية” من سرت.
وقد سحبت المجموعة نفسها مؤخّرًا من مواجهة ميليشيات متحالفة مع الجيش الوطني الليبي التابع لـ”حفتر” في وسط ليبيا. وشرع أعضاء المجلس البلدي في مصراتة أيضًا لمنع نقل أسلحة إلى الجماعات التي تقاتل الجيش الوطني الليبي في بنغازي. وحتى “السراج”، الذي رفض «حفتر» وزيرًا للدفاع وعيّن بدلًا منه واحدًا من خصومه، “مهدي البرغثي”، يبدو أنّه لم يعد يمانع في حصول «حفتر» على ذلك المنصب في المستقبل.
نقطة الخلاف
في الحقيقة، تضمّنت حكومة الأزمة التي يقال بأنّ «السراج» قد دعمها، الدخول في مفاوضات مع “حفتر” لتولّي رئاسة المجلس العسكري الأعلى. لكنّ «حفتر» رفض الاقتراح، الذي قد يخضع الجيش للسلطة المدنية، بما في ذلك هيكل قيادة القوات المسلّحة المشتركة الذي يديره أعضاء في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وهيئاته التشريعية. ورغم خلافاتهما، تمكّن “السراج” و”حفتر” من إيجاد أرضية مشتركة حول بعض القضايا، مثل إنشاء لجنة مشتركة لاقتراح تعديلات على الاتفاق السياسي الليبي.
مع ذلك، لن يكون هذا التقدّم المحدود مرضيًا للحكومة المصرية. وقد يتسبّب رفض “حفتر” للتفاوض مع “السراج” إلى توتير علاقته بالقاهرة، التي دعمته بثبات خلال التسابق على الحكم في ليبيا. وكان “عبد الفتاح السيسي” يدفع باتّجاه تسوية متفق عليها بين مجلس النوّاب وحكومة الوفاق الوطني على أمل إنهاء الحرب الأهلية واحتواء الحركات الجهادية والإسلامية التي عزّزتها.
والقادة المصريون قلقون أيضًا من أن يعطي طول الصراع الفرصة للجماعات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، للحصول على قدرٍ أكبر من النفوذ في البلاد. وبالمثل، فإنّ “حفتر”، وهو معارض للجماعات الإسلامية والجهادية كذلك، مرتاب أيضًا من هذه الاحتمالية، على الرغم من أنّها لم تكف لجلبه إلى طاولة المفاوضات. (توجد بعض الجماعات الإسلامية المعتدلة تدعم حكومة الوفاق الوطني، ويميل حفتر إلى وضع كل هذه الجماعات في سلّة واحدة).
الصمود من أجل صفقةٍ أفضل
بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني، فإنّ فشل المفاوضات، والقوّة المتزايدة باطّراد لـ”حفتر”، ستقوّض من شرعيتها أكثر في طرابلس. ولا تحظى الحكومة بتأييدٍ واسع في غرب ليبيا، كما أنّها لا تمتلك القوّة العسكري الكافية للمواجهة مثل تلك التي يملكها مجلس النوّاب.
وعلى الرغم من دعم القليل من الميليشيات ومنها مقاتلي البنيان المرصوص للسراج وإدارته، فإنّ العلاقة ضعيفة، وتفتقر هذه الجماعات للسيطرة على العاصمة. وبدلًا من ذلك، تسيطر الجماعات الإسلامية التي تدعم المؤتمر الوطني العام أراضٍ واسعة في طرابلس وحولها. وفي الواقع، ترأّس رئيس المؤتمر الوطني العام، وليس “السراجط، افتتاحًا لمطار دولي أعيد بناؤه في طرابلس مؤخرًا في 16 فبراير.
وفي حين تكافح حكومة الوفاق الوطني لحشد الدعم في العاصمة، سيستمر موقف “السراج” التفاوضي في الضعف.
وعلى الجانب الآخر، يصبح “حفتر” في وضعٍ أقوى. والظروف التي مكّنته مع “السراج” من الاتّفاق خلال محادثاتهما غير المباشرة، أعطت مجلس النوّاب السيطرة بشكلٍ أكبر على عملية التوحيد التي تمضي قدمًا. وعلى سبيل المثال، فإنّ الكيان مسؤول عن تنفيذ التغييرات التي تقترحها اللجنة المشتركة على الاتّفاق السياسي الليبي.
لكنّ مجلس النوّاب لم ينفّذ حتى الاتفاق الأصلي، ولم يصوّت أبدًا على الموافقة على حكومة الوفاق الوطني. ومنذ التوقيع على الاتّفاق قبل عام، قد خرق “حفتر” ورئيس مجلس النوّاب عقيلة صالح عيسى باستمرار اتّفاق الحكومة الموحّدة للحصول على اتّفاق أكثر ملائمة. وإذا لم تلبّي التعديلات على الاتّفاق مطالب «حفتر»، فعلى الأرجح سيستمر هو و«صالح» في نفس مسار تعطيل الوحدة لأطول وقتٍ ممكن.