من المتوقع أن تشهد إيران في التاسع عشر من مايو المقبل سباقا انتخابيا رئاسيا ساخنا نظرا لعدد المرشحين المتنافسين على المنصب من ناحية وتنوع معسكراتهم وتوجاهاتهم السياسية من ناحية أخرى حيث يتنافس ستة مرشحين يصنفون ما بين المتشدد والمعتدل والاصولي وغيرها من التصنيفات الأخرى.
المرشحون
ونتناول هنا المرشحين الستة وتوجهاتهم السياسية والمعسكر الذي يدعمعهم سواء اصلاحي او معتدل او متشدد
الرئيس الحالي حسن روحاني – تيار معتدل
رشح حسن روحاني نفسه لولاية ثانية. إلا أن المرشد علي خامنئي والمتشددين ينتقدونه بسبب الاتفاق النووي والوضع الاقتصادي.
إبراهيم رئيسي – متشدد
ارتبط اسم رئيسي بـ”لجنة الموت” التي أصدرت أحكام إعدام بحق آلاف المعارضين عام 1988. وعينه الخميني “سادن العتبة الرضوية”، أغنى وقف ديني في العالم.
إسحاق جهانكیری – إصلاحي
يعتبر الإصلاحيون جهانكیری المرشح الداعم لروحاني في الدورة الأولى للانتخابات.
محمد باقر قاليباف – متشدد
اتهم قاليباف بالفساد واستغلال منصبه كرئيس بلدية طهران حالياً. وهو أحد قادة الحرس الثوري، وقد هدد الرئيس السابق خاتمي بالانقلاب العسكري عليه.
مصطفى مير سليم – أصولي
قمع ميرسليم الإعلام خلال توليه وزارة الثقافة في حكومة هاشمي رفسنجاني، وهو يصرح دائما بأن “الإعلام لا يستحق الحرية”.
مصطفى هاشمي طبا – إصلاحي
كان هاشمي طبا رئيساً لمنظمة الرياضة، وبعهده تأهل الفريق الوطني لكرة القدم لنهائيات كأس العالم عام
مناظرة ساخنة
وكشفت مناظرة بين المرشحين الخمسة والرئيس الحالي حسن روحاني عن حجم الصراع والتجاذب السياسي وسخونة المعركة حيث تم توجيه اتهامات متبادلة بالفساد والتفريط في الثوابت الوطنية وغيرها من الاتهامات الأخرى التي كانت العلامة المميزة لهذه المناظرة التي أذيعت علي الهواء مباشرة علة القناة الأولى الإيرانية، أمس الجمعة.
وواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال المناظرة اتهامات من ثلاثة منافسين محافظين بالفشل في إحياء الاقتصاد حتى بعد انفراجة دبلوماسية مع الغرب، يصفها بأنها مفتاح لجذب استثمارات جديدة.
وفي أثناء المناظرة التي استمرت ثلاث ساعات سعى خصوم روحاني إلى التقليل من شأن سجله الاقتصادي وقالوا إن “الجمهورية الإسلامية ستتعرض للضرر إذا أعيد انتخابه في 19 مايو”.
وقال رجل الدين البارز إبراهيم رئيسي، وهو أقوى منافس لروحاني، إن “الهوة بين الأغنياء والفقراء تتسع في إيران.. المساعدات النقدية الشهرية للفقراء يجب زيادتها إلى ثلاثة أضعاف”، في إشارة إلى الإيرانيين من محدودي الدخل في المناطق الريفية. ويبلغ الدعم النقدي الشهري حاليا حوالي 14 دولارا.
كما اتهم عمدة طهران، والمرشح الرئاسي، محمد باقر قليباف، إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني بخيانة الأمانة وسوء الإدارة ودعم الأغنياء على حساب الفقراء.
ودافع “روحاني”، الذي انتخب بأغلبية ساحقة في 2013، عن سجله الاقتصادي شاكيا من أنه تعرض “لأكاذيب وتشويه”.
وكرر القول بأن طريق إيران إلى الانتعاش الاقتصادي والنمو والتحديث، يكمن في تواصل أعمق مع الدول الأخرى.
وقال: “المزيد من الاستثمار يعني خلق المزيد من الوظائف.. إذا كنا نريد نموا اقتصاديا عند ثمانية بالمئة، فإننا نحتاج إلى استثمارات أجنبية.”
مراهنات سياسية
وقد عوَّدتنا السياسة الإيرانية أن تقوم التيارات السياسية بالمراهنة على عدد من المرشحين قبل الانتخابات، وتنتظر لترى أيًّا منهم بإمكانه أن يحصل على نسبة أكبر في استطلاعات الرأي، فضلًا عن اجتيازه سد مجلس صيانة الدستور الذي من شأنه أن يعطي الكلمة النهائية فيما يتعلق بمن يمكنهم الترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية
وطبقا لورقة أعدها أحد الباحثين الإيرانيين المهتمين بسباق الانتخابات الرئاسية فقد درجت الساحة السياسية على أن تكون المنافسة الأصلية في الانتخابات بين تيارين رئيسيين معروفين، وهما التيار الإصلاحي والتيار الأصولي، ولكن خلال السنوات الأخيرة تغيرت الظروف السياسية في البلاد وتغيرت معها خارطة الأحزاب والتيارات السياسية، ومع أن هذين التيارين ما زالا ركنًا أساسيًّا في السياسة الإيرانية، إلا أن تيارات أخرى خرجت من صفوفهما وباتت حاضرة لدرجة تمكِّنها من التأثير في مجريات ونتائج الانتخابات.
ولو تناولنا التيارات المتنافسة بمرشحيها ستكون علي النحو التالي:
الإصلاحيون
هم بشكل عام، مجموعة من الأحزاب والتجمعات السياسية الإيرانية التي كانت تمثِّل اليسار الإيراني في بدايات الثورة، وكانت تتبع في معظمها الطروحات اليسارية والاشتراكية طبقًا للجوِّ العام الذي كان سائدًا بين الثوريين في العالم ذلك الحين. وقد سيطرت هذه المجموعات على الحكومة في بداية الثورة في إيران بوصول أبي الحسن بني صدر صاحب التوجه الاشتراكي-الديمقراطي، وسيطر اليسار مجددًا على السلطة عندما أصبح مير حسين موسوي، يوم كان ذا توجه يساري اشتراكي-إسلامي، رئيسًا للوزراء.
وفي انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997 دعم هذا التيار محمد خاتمي الذي كان ينادي بإصلاحات ثقافية وسياسية واجتماعية داخل البلاد.
بعد فوز خاتمي، وضع هذا التيار لنفسه اسم “الإصلاحيون”، وضمَّ هذا التيار في البداية 18 حزبًا يساريًّا إضافة إلى ثلاثة تنظيمات كانت تسمي نفسها تنظيمات الثاني من خرداد (في إشارة إلى اليوم الذي تم انتخاب خاتمي رئيسًا للجمهورية حسب التقويم الإيراني)، ولكنها أضحت اليوم تصل إلى 50 حزبًا ومجموعة سياسية وغير سياسية بعضها عضو في الائتلاف بشكل رسمي وبعضها غير عضو في ائتلاف الإصلاحيين لكنه يعتبر نفسه إصلاحيًّا، وكل منها لديه خططه ومشاريعه الخاصة به، وابتعد معظمها عن الطروحات والتوجهات السابقة.
الأصوليون
في البداية، كان الإصلاحيون يشيرون إلى التنظيمات التي كانت معارضة لطروحاتهم بـ”المحافظين”، ولكن زعماء هذه التنظيمات اجتمعوا وفضَّلوا استعمال اسم “الأصوليون”، في إشارة إلى التزامهم بأصول ومبادئ الثورة والنظام وولاية الفقيه.
وهم مجموعة من الأحزاب والمجموعات السياسية الإيرانية التي كانت في بداية الثورة تمثِّل يمين الثورة ومدعومة بأحزاب مثل حزب المؤتلفة (تجار البازار في إيران)، وجمعية علماء الدين المجاهدين (الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني من مؤسسي هذه الجمعية والرئيس الحالي حسن روحاني من أعضاء الجمعية). وكان اتجاههم الفكري يميل إلى الانفتاح على العالم والتجارة والسوق الحرة عمومًا، وكانوا معارضين للتوجه الاشتراكي لليسار، ودعموا بقوة مرشد الثورة، آية الله علي خامنئي، وآية الله هاشمي رفسنجاني، الذي كان يمثِّل الاتجاه الفكري اليميني للبازار، في صراعهم مع اليسار إبَّان السنوات العشر الأولى من الثورة.
بعد انتخابات عام 1997، اجتمعت هذه المجموعات السياسية ضمن التيار الأصولي كي تشكِّل معارضة للإصلاحيين الذين وصلوا إلى السلطة التنفيذية في البلاد ذلك الحين.
المعتدلون أو الاعتداليون
قبيل انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية عام 2005، بدأ ظهور عنوان جديد في الساحة الإيرانية باسم الوسطيين أو المعتدلين تزعَّمه حينها آية الله هاشمي رفسنجاني معتبرًا نفسه أكبر من أن ينضوي تحت لواء التيارين: الأصولي أو الإصلاحي، واستطاع إقناع قسم كبير من الإصلاحيين بأن ينضموا إليه، إضافة إلى الدعم الذي كان خلفه من قبل قسم من الأصوليين بشكل تقليدي، على أساس أن دورة “التعصب الجاف” قد ولَّت وبات من الواجب انتهاج خط الاعتدال. لكن الحملات الإعلامية للإصلاحيين لتخريب سمعته خلال حكم خاتمي من جهة ورفض الأصوليين توجهه للائتلاف مع الإصلاحيين أدى إلى خسارة رفسنجاني الانتخابات أمام أحمدي نجاد، ليعود حلفاؤه بزعامة حسن روحاني، ويفوزوا بكرسي الرئاسة عام 2013.
وضع الرئيس روحاني
بحسب المراقبين فقد تراجعت شعبية الرئيس روحاني من 61% بعد انتخابات عام 2013 إلى حوالي 40% مع بداية عام 2016، حسب استطلاعات للرأي أجرتها جامعة مريلاند، بعد انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة في إيران.
وحسب هذه الاستطلاعات، فإن معظم الذين شاركوا فيها اعتبروا المشاكل الاقتصادية السبب الأول لتراجع شعبية الرئيس روحاني.
وإذا ما أخذ بعين الاعتبار نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي عام 2016، والتي أشارت إلى دعم 42% من الناخبين للائحة “أميد” الداعمة لروحاني، و29% للوائح الأصوليين، و29% للمستقلين، يمكن القول: إن هذه الإحصاءات ليست بعيدة عن الواقع على الأرض.
ويقول المراقبون للساحة الإيرانية أن حوالي نصف لائحة “أميد” تشكَّلت من الإصلاحيين ونصفهم الآخر من الأصوليين الموالين لروحاني لأن عدد المرشحين الإصلاحيين الذين استطاعوا العبور من عقبة مجلس خبراء الدستور لم يكن كافيًا لتشكيل لوائح إصلاحية كاملة.
وقام محمد خاتمي في بداية عام 2017 بطرح مشروع “مصالحة وطنية” بين الإصلاحيين الذين قادوا احتجاجات عام 2009 بعد الانتخابات، ومرشد الثورة والأصوليين، متذرعًا بوصول اليمين المتطرف إلى السلطة في الولايات المتحدة واحتمال وصولهم إلى السلطة في أوروبا وخطابهم المعادي لإيران ومعتبرًا أن ظروف البلاد تحتاج إلى مصالحة عامة وتوحيد جهود جميع الأطراف السياسية في البلاد.
الأصوليون اعتبروا أن مشروع خاتمي هذا يهدف إلى فتح الطريق أمام الإصلاحيين المعادين للنظام كي يستطيع صقورهم الحضور في انتخابات رئاسة الجمهورية ومجالس البلدية المقبلة؛ فرفضوا المشروع من أساسه، وقام مرشد الثورة برفض هذا المشروع بشكل قاطع.
وعمليًّا، لم يقم الرئيس روحاني بإبداء أي ردَّة فعل داعمة لمشروع خاتمي هذا إذ إنه فضَّل أن يبقى المرشح الأوحد للإصلاحيين في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة بدل أن يكون متخوفًا من حضور مرشح إصلاحي قوي أمامه.
أوضاع منافسي الرئيس روحاني في الانتخابات
ورغم الاقتراب من موعد الانتخابات فلم يبرز أي مرشح منافس للرئيس روحاني يمكن التعويل عليه واعتباره منافسًا بإمكانه الانتصار أمام روحاني في الانتخابات المقبلة، ولكن إيران هي بلد المفاجآت السياسية ومن الممكن أن تحدث مفاجأة لم تكن منتظرة في اللحظة الأخيرة، خاصة أن معظم الذين يريدون الترشح للانتخابات يتريثون حتى يؤذَن من قبل مجلس صيانة الدستور وينأون بنفسهم عن حملات معارضيهم إذا ما قاموا بالكشف عن نيتهم بالترشح للانتخابات.
ولكن بما أن الظروف الداخلية تسببت بتراجع في شعبية الرئيس روحاني فهناك العديد ممن يأملون باستغلال هذه الفرصة وتشتت الأصوات لجعل روحاني أول رئيس يرأس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدورة واحدة فقط، في هذا السياق يمكن اعتبار الأصوليين وأنصار الرئيس السابق، أحمدي نجاد، وصقور الإصلاحيين وبعض المستقلين، أربع مجموعات من الممكن أن تدخل الصراع الانتخابي في إيران وتؤثِّر على نتيجة الانتخابات إذ إن الانتخابات الإيرانية.
وحسب مجمل الإحصاءات غير الرسمية الموجودة في إيران، فإن الأصوليين لديهم بحدود 20-25% من مجمل أصوات الناخبين فيما لدى الإصلاحيين نفس النسبة تقريبًا ولدى المعتدلين حوالي 10-15% من الأصوات مأخوذة بمجملها من بين الإصلاحيين والأصوليين، ولدى أنصار أحمدي نجاد حوالي 15-20% من الأصوات قسم كبير منها مأخوذ من الأصوليين في حين أن حوالي الثلاثين بالمائة من أصوات الناخبين تعتبر أصواتًا مترددة أو رمادية غير محسوبة على أية جهة وبإمكانها تغيير نتيجة الانتخابات.
في ظل هذا التعقيد والتداخل في الأصوات فإن التنبؤ بنتيجة الانتخابات يعتبر صعبًا جدًّا ويجب ألا ننسى أن هذه الانتخابات تتزامن مع انتخابات المجالس البلدية للمدن والقرى والتي تعتبر من أكثر الانتخابات حماسًا وحضورًا جماهيريًّا وتتنافس فيها التيارات السياسية على كراسي مجالس المدن الكبرى ولكن في المدن الصغرى والقرى لا مجال للتيارات السياسية للمنافسة إذ إن العموم يصوِّتون عادة لأشخاص من عشائرهم وطوائفهم وأقربائهم دون الأخذ بعين الاعتبار توجهاتهم السياسية.