شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ما بين يوليو ويناير – محمد على يوسف

ما بين يوليو ويناير – محمد على يوسف
  رغم أن ما يسمى بثورة يوليو لم يكن لها نفس العمق و لا الحراك الشعبى الذى حظيت به ثورة الخامس و العشرين من يناير إلا أننا...

 

رغم أن ما يسمى بثورة يوليو لم يكن لها نفس العمق و لا الحراك الشعبى الذى حظيت به ثورة الخامس و العشرين من يناير إلا أننا للأسف نستطيع إلى حد كبير أن نقول أن تأثير الأولى لم يزل أكبر بكثير من الثانية
إنقلاب يوليو ( و هو المصطلح الذى استعمله بعض قادته فى مذكراتهم ) استطاع فى مدة يسيرة جدا أن يستقطب إليه فئات الشعب الكادحة و التى تشكل القطاع الأكبر من الأمة و تمكن من استمالة الفقراء بدرجة كبيرة و خصوصا فى بداياتها
لقد تمكن الانقلاب من الوصول إلى عمق شعبى بسرعة و بقرارات مؤثرة و ملحوظة فى حياة الأفراد جعلتهم فعلا يصدقون أنها ثورة و ينسون أو يتناسون أنها كانت فى حقيقتها انقلابا عسكريا و حسب
و بالطبع لم تتمكن ثورة يناير من المثل و لم تكتسب على المدى البعيد نفس العمق الشعبى رغم أنها على المدى القصير كانت تملكه و بشكل واضح رغم كل التشويه الذى نالها من إعلام الرئيس الساقط فى الثمانية عشر الأول 
لكن لكى لا تظلم ثورة يناير و لا من قامت على أكتافهم حين تقارن بحركة يوليو ينبغى أن نبين أن هناك أسبابا تنقض المقارنة من أصلها و كثير منها خارج عن إرادة الثورة و الثوار الذين قاموا فى يناير
أهم تلك الأسباب فى تقديرى أن ثورة يوليو حكمت فعليا أما ثورة يناير فظلت 18 شهر بعيدة عن سدة الحكم و وكلت أو وكل بالحكم عسكر لم يقوموا بها حق القيام بل على العكس ربما قصدوا إضرارها 
و هذا بلا شك فارق جوهرى 
ثورة لم تحكم كيف يطلب منها أن تؤثر فى حياة المواطن اليومية و تغيرها للأفضل ؟؟
أما من قاموا بانقلاب يوليو فقد تمكنوا بسرعة من السيطرة على مقاليد الحكم و بالتالى استطاعوا أن يتخذوا قرارات استمالت نحوهم جموع الجماهير
اتخذ الضباط بعد يوليو قرارات لمست حياة الفلاح و العامل و الموظف و حسنت فى البداية وضعهم المادى و الاجتماعى إلى حد ما فتلقاها الشعب أو جزء كبير منه بالقبول و الانحياز
أما فى يناير فقد فعل الضباط العكس و ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة و ما حك جلدك مثل ظفرك كما يقولون
و بدلا من أن يشعر البسطاء أن الثورة غيرت حياتهم للأفضل ماديا و اجتماعيا حدث العكس و أدت الأزمات المتتالية المصطنعة و المقصودة إلى شعور المواطن بالعكس
و بالطبع صارت الشماعة التى يعلق عليها كل شر و كل غلاء و فقر و كل انفلات و نقص هى ثورة يناير فكرهها قطاع كبير ممن لا تعنيهم احتياجات الحرية و قدر ما يعنيهم الخبز
أما الفارق الثانى و الجوهرى بين يوليو و يناير فكان فى الاستئناس الذى تمتعت به الثانية بينما افتقدته الأولى فى التعامل مع الخصوم و الأعداء
فبينما تعامل الضباط بعد يوليو بحسم شديد مع المخالف و ليس فقط الخصم أو العدو تعاملت يناير مع الخصم ببرود شديد أدى تدريجيا لاستفحال خطره و استحقت عن جدارة لقب " الثورة الأليفة أو المستأنسة " 
لقد تركت ثورة يناير لأعدائها الحبل على الغارب بحجة الرقى و الثورة البيضاء الطيبة حتى سيطر أعداؤها تدريجيا أو استعادوا السيطرة تقريبا على أهم سلاح يجلدها 
….. الإعلام
لقد تمكن أعداء الثورة نتيجة التسامح المفرط – الاضطرارى فى الحقيقة – من السيطرة على عقول قطاع عريض من الناس حتى كادت المصيبة أن تحدث و يصل ألد أعدائها إلى الحكم لولا أن الله سلم
لا أقول بأنه كان المفترض أن تقام المشانق و المقاصل كما حدث فى جل الثورات التى قامت فى العالم و لكن ليس أقل من أن تعزل الثورة رؤوس الفساد الذى قامت ضده 
ليس أقل من أن تستأصل الخلايا السرطانية من جسد الأمة و تبتعد عن أهم مفاصله و منابع حيويته 
وهكذا الثورات و إلا فلا 
لقد ظلت الثورة تتمايع طويلا لدرجة التباطؤ فى إصدار أبسط حقوقها وهو قانون العزل و الذى لما صدر أخيرا كان تأخره سببا فى أن اصبح "زى قلته" و أبطلت ثوريته ترهات دستورية من محكمة عين أفرادها تعيينا خصم تلك الثورة القابع فى سجنه 
أما فى يوليو فكان الاتهام بعداوة الثورة أسبق من التفاهم و النقاش و كان كفيلا أن يذهب بذلك المتهم إلى مكان جديد لأول مرة يظهر على كوكب الأرض و هو مكان كان يسمى فى ذلك الحين بما وراء الشمس حيث لا يعرف " الذباب الأزرق " له طريق جرة 
و رغم ما فى ذلك من قمع و استبداد مرفوض إلا أنه فى إطار التحليل الذى نقوم به كان نقطة تفوق واضحة سهلت كثيرا مهمة الضباط فيما بعد يوليو 
لقد تمكنت حركة يوليو من إزاحة كل صوت يخالفها و قمعته و شوهته و نسبته للرجعية و التخلف و فى نفس الوقت سخرت كل إنجاز يقع فى الأمة لمصلحتها و نسبته لرجالها و رموزها فكان الطبيعى أن يتعلق الشعب بها و بهم 
بينما أبقت ثورة يناير على ألد أعدائها يتحكمون فى أدق مفاصل الدولة و أشدها حساسية و ينعقون فى الإعلام ناسبين كل فشل و كل فقر و أزمة لمن " وقفوا حال البلد" فكان أن حدثت تلك الكراهية أو الانعزال من قطاع كبير من الشعب عن تلك الثورة ( الشعبية سابقا )
ببساطة بدأت يناير ثورة شعبية و آلت إلى هوجة و حركة متهمة من الناس منعزلة تدريجيا دخل إطار نخبوى 
بينما بدأت يوليو حركة و انقلاب و آلت إلى تصديق من الشعب أنها ثورة
و الفارق ببساطة فيمن حكم 
زد على ذلك نزق بعض الثوار و تنازعهم و تراشقهم و بأسهم الذى ظل طويلا شديدا بينهم فظهروا بمظهر أغرى عدوهم و نفر محبهم
لأجل كل ذلك أقول فعلا يوليو كانت أكثر تأثيرا فى المواطن المصرى وما يشغل باله بينما لم تزل يناير تبتعد عن هذا المواطن بعوامل أكثرها خارجة عنها
لهذا أرى المقارنة للأسف ظالمة و لا تقبل إلا فى حالة واحدة إن حكم الثوار فعلا و توغلوا فى كل مفاصل الدولة و استطاعوا من خلال ذلك صنع التأثير المطلوب فى حياة البسطاء جنبا إلى جنب مع التحجيم لأعداء تلك الثورة و محاربيها
حينئذ تكون حقا ثورة و ليست مجرد هوجة و عسى أن يكون قريبا إن شاء الله
 
المصدر: رصد


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023