شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أي نوع من الخليط يضم هذا البلد؟

أي نوع من الخليط يضم هذا البلد؟
ستحصل الجمعية الوطنية والحكومة التي اختارتها الآن على فرصة تلبية الدعوات التي تطالب بتطبيق المحاسبة، فهل ستتصرف الجمعية بكل...

ستحصل الجمعية الوطنية والحكومة التي اختارتها الآن على فرصة تلبية الدعوات التي تطالب بتطبيق المحاسبة، فهل ستتصرف الجمعية بكل جرأة وتسعى إلى منع استغلال عائدات النفط وتجنب جميع المخاطر المترتبة على ذلك أم أنها ستتمسك بوضع المراوحة؟.

منذ أسابيع تم الإعلان عن نتائج أول انتخابات تشهدها ليبيا منذ أربعة عقود ما يؤكد حدوث إنجاز مهم بالنسبة إلى بلد لا يزال يناضل للتحرر من ماضيه الاستبدادي.

وسيقوم مئتا عضو تم اختيارهم باستلام السلطة وسيبدؤون مهامهم بتشكيل حكومة موقتة وتطبيق التشريعات قبل تحضير جولة جديدة من الانتخابات بعد صياغة مسودة الدستور في السنة المقبلة. حيث يتوقف نجاحهم على قدرتهم على تجاوز اختلافات كثيرة تفرّق بينهم (منها اختلافات إيديولوجية ومناطقية ودينية وقبلية). لكن على المدى البعيد ستتوضّح قدرة هذه التجربة الديمقراطية على الاستمرار من خلال إدارة أهم مصدر طبيعي في ليبيا وهو النفط.

تملك ليبيا أكثر من 47 مليار برميل نفط ما يعني أنها تستحوذ على أكبر مخزون من احتياطي النفط في إفريقيا وحين اندلعت الانتفاضة ضد معمر القذافي في فبراير 2011 كان النفط يشكل 95% من عائدات التصدير (كان يتم تصدير 1.65 مليون برميل يومياً) و25% من الناتج المحلي الإجمالي. سرعان ما تراجعت تلك النسبة خلال الصراع ولكنها ارتفعت مجدداً منذ سقوط القذافي. وبالنسبة إلى المجلس الوطني الانتقالي (السلطة الحاكمة الموقتة التي ستُستبدَل الآن بالجمعية المنتخبة حديثاً) كانت مهمة إعادة بناء ليبيا تتوقف على تعزيز مبيعات النفط إذ تبنى البعض هذه الرؤية بحماس شديد حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن كمية النفط التي يتم تصديرها حاليا تصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً ولا يقلّ هذا المعدل كثيراً عن نسبة الإنتاج قبل الحرب.

تحدث معظم هذه العمليات عن طريق شركة الخليج العربي للنفط (فرع للمؤسسة الوطنية للنفط التي تملكها الدولة) لكن تملك شركات النفط الأوروبية والأميركية والكندية (منها شركة “سنكور” Suncor، أكبر شركة نفط كندية) حصة فيها أيضاً. عدا الأرباح الطائلة التي يحققها هذا القطاع يستقطب النفط الليبي العملاء نظراً إلى سهولة إعادة تكريره لأنه “نفط خام تقليدي” (مقارنةً برمال النفط في مقاطعة ألبرتا الكندية). نظراً إلى ارتفاع أسعار النفط فوق عتبة التسعين دولاراً للبرميل الواحد قد تغير العائدات المكتسبة ليبيا من خلال منحها الازدهار اللازم لترسيخ هذه الديمقراطية الناشئة.

وتكمن المشكلة في واقع أن هذه القصة تبدو مثالية أكثر من اللازم لتصديقها فلم يكن حكم القذافي طويلاً ووحشياً بسبب شرّه أو تمسّكه بنزعة الإسلام أو حتى اقتناعه بـ”الفكر العربي” بل إنه كان يستفيد من نعمة الذهب الأسود وكانت سلطات الدولة تستطيع بناء جهاز وحشي للسيطرة على الوضع ما يسمح لها بترسيخ حكمها من دون مشكلة.

وبما أن تلك السلطات لم تكن تتكل على عائدات الضرائب التي يدفعها المواطنون للبقاء في السلطة (كان يكفي أن تتكل على المليارات الناجمة عن بيع النفط في الخارج) لم تبرز أي حاجة إلى التركيز على مطالب الشعب فكان أهم تدبير يتعلق بالحفاظ على قوى أمن نافذة تستطيع صون الاستقرار من خلال قمع أي مؤشر على التمرد فإذا لم يتصرف الليبيون بحذر يمكن أن تتكرر تلك التجربة بسهولة مجدداً.

كذلك يقضي أحد الحلول بتنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات أخرى غير النفط وعلى سبيل المثال، يكثر الحديث في ليبيا عن الاقتداء بنموذج الإمارات العربية المتحدة (اتحاد يتألف من إمارات متعددة، منها أبو ظبي ودبي ويقع في جوار المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان). نجحت الإمارات العربية المتحدة في تخفيف اتكالها على النفط من خلال تطوير قطاعي السياحة والتصنيع (يشمل هذا القطاع الأخير مجموعة واسعة من المنتجات التي تتراوح بين الألومنيوم والبتروكيماويات والأسمدة والإسمنت).

لا شك أن تنويع الاقتصاد تدبير منطقي (إذا كان النفط يحول دون إرساء الديمقراطية، فيجب تطوير المحركات الاقتصادية الأخرى). لكن في الإمارات العربية المتحدة لم يتحقق ذلك بكل بساطة. صحيح أن تنويع الاقتصاد أنتج الثروات وساعد على مواجهة تراجع سعر النفط، ولكنه لم يساهم فعلياً في الاحتماء من قمع الدولة. يترافق دعم الإصلاح الديمقراطي مثلاً مع خطر دخول السجن (وقد تأكدت مجموعة ناشطين من صحة هذا الأمر حديثاً)، وخوفاً من تداعيات الربيع العربي، يُقال إن بعض الجنود الكولومبيين يخضعون للتدريب كي يتحركوا على شكل مرتزقة لقمع أي انتفاضة محتملة.

لهذا السبب تحتل “مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية” أهمية كبرى وتتألف هذه المبادرة من مجموعة لاعبين يشملون الحكومات وجماعات المجتمع المدني والمؤسسات والمستثمرين والمنظمات الدولية، وهي تحدد المعايير العالمية التي تسمح للمواطنين بالحصول على المعلومات اللازمة عن العائدات التي تحصدها دولتهم من بيع الموارد الطبيعية مثل النفط.

وبما أن مناخ الأعمال الإيجابي يتوقف على تعزيز الانفتاح وتطبيق المحاسبة تستطيع شركات النفط المشاركة في هذا المجال من خلال الكشف عن المبالغ التي وفرتها للدولة مقابل السماح لها بالوصول إلى حقول النفط (تؤدي شركة “سنكور” دوراً مهماً في هذا المجال أيضاً)

طلبت “مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية” من ليبيا الانضمام إليها في شهر ديسمبر لكن فشل المجلس الوطني الانتقالي في التصرف كما يجب ومع ذلك، لا يزال اهتمامه واضحاً في ما تقدمه تلك المبادرة. ففي شهر مايو اجتمع مسؤولون من “مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية” مع جماعات من المجتمع المدني الليبي وتناقش الفريقان حول الطريقة الفضلى لتطوير علاقتهما، وخلال الشهر نفسه توجه المحتجون إلى مقر شركة النفط الحكومية وطالبوا بمعرفة طريقة إنفاق أرباح النفط.

وستحصل الجمعية الوطنية والحكومة التي اختارتها الآن على فرصة تلبية الدعوات التي تطالب بتطبيق المحاسبة فهل ستتصرف الجمعية بكل جرأة وتسعى إلى منع استغلال عائدات النفط وتجنب جميع المخاطر المترتبة على ذلك أم أنها ستتمسك بالوضع الحالي ؟ سيكون الجواب عن هذا السؤال عاملاً محورياً لتحديد طبيعة المستقبل السياسي في ليبيا ومعرفة ما إذا كانت المعركة ضد نظام القذافي تستحق العناء في الأساس.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023