جاء قرار الحكومة الإيطالية بعودة السفير الإيطالي «جيامباولو كانتيني» إلى القاهرة بعد رحيله في الـ 8 من أبريل 2016 على خلفية واقعة الباحث الإيطالي «جوليو ريجيني» الذي قتل في القاهرة، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة نيويورك تايمز عن تورط الأمن المصري في قتل الطالب الٱيطالي، ليثير الكثير من التساؤلات حول أسباب التراجع الإيطالي، وهل تدفع المصالح الإيطالية مع القاهرة في التنازل عن حقوق الطالب الإيطالي.
غضب أسرة روجيني
وطبقا لصحيفة «لاستامبا» الإيطالية فقد أعربت أسرة الباحث الإيطالي «جوليو ريجيني» عن غضبها لمضمون قرار الحكومة الإيطالية لعودة السفير للقاهرة، حيث قال والدا ريجيني إنه بعد 18 شهرا من الصمت الطويل حول القضية لم تحدث أي انفراجة حقيقية في محاكمة المتهمين باختطاف وقتل نجلهم، لم نصل إلى أي حقيقة رغم التعاون بين السلطات القضائية المصرية والإيطالية، وبعد تلك الفترة سيعود السفير إلى القاهرة، إننا نشعر بالغضب.
وذكرت الصحيفة الإيطالية أنه كانت هناك خطوة إيجابية للغاية في قضية ريجيني حيث أكد النائب العام المصري نبيل صادق في اتصال هاتفي مع جوسيب بيغناتون المدعي العام في روما أنه تم استجواب بعض رجال الشرطة الذين شاركوا في تحقيقات القضية، والذي يعتبر خطوة مهمة للتعاون بين الجانبين.
كما أكد النائب العام المصري استرجاع البيانات الخاصة وأشرطة الفيديو الخاصة بكاميرات مترو الانفاق التي عهد بها لشركة أجنبية وأن لقاء سيجمع بين الجانبين في سبتمبر المقبل للتشاور حول ما تم التوصل إليه في قضية ريجيني وتقييم الوضع وتبادل وجهات النظر حول ما تم جمعه فيما يخص التحقيقات بالقضية.
أدلة أميركية على تورط الأمن المصري
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، عن أسرار وكواليس جديدة في حادث تعذيب ومقتل طالب الدكتوراه، الإيطالي جوليو ريجيني، في القاهرة قبل نحو عام ونصف.
وفي تقرير مطول على الصحيفة الأميركية للكاتب «ديكلان»، قالت إن الولايات المتحدة حصلت على معلومات استخبارية من مصر، كدليل على أن ضباطًا أمنيين مصريين خطفوا وعذبوا وقتلوا «ريجيني»، وفق الصحيفة.
وقال الكاتب الأميركي، إن مسؤولًا سابقًا بإدارة أوباما، وأحد ثلاثة مسؤولين سابقين أكدوا المعلومات الاستخبارية: «لقد تلقينا دليلًا لا يقبل الجدل على المسؤولية الرسمية المصرية في وفاة ريجيني، لم يكن هناك أي شك في هذا»، مشيرًا إلى أنه ووفقًا لتوصية من الخارجية والبيت الأبيض، مررت الولايات المتحدة هذه النتيجة إلى حكومة رينزي الإيطالية.
وقال المسؤول: «لم يراودنا أي شك في أن ذلك كان معروفًا من أعلى القيادات المصرية، ولا أدرى إذا كانوا يتحملون المسؤولية لكنهم كانوا يعرفون، كانوا يعرفون».
ولفت إلى أنه لتجنب الكشف عن المصدر، لم تشارك الولايات المتحدة تفاصيل المعلومات الخام، كما لم تحدد أي جهاز أمني تعتقد أنه وراء وفاة الطالب الإيطالي.
وبحسب التقرير فقد قال مسؤول سابق آخر: «لم يكن واضحًا من أعطى الأمر باختطاف ريجيني وربما قتله»، موضحًا أن الأميركيين أخبروا إيطاليا بأن القيادة المصرية تدرك تماما ملابسات وفاة ريجيني.
وتابع التقرير: بيد أن النهج الصريح الذي اتبعه وزير الخارجية الأميركي آنذاك أثار الدهشة داخل الإدارة، وفقا لمسؤول سابق آخر إذ إن كيري يشتهر بسمعة معاملة مصر كنقطة ارتكاز السياسة الخارجية الأميركية منذ معاهدة السلام 1979 مع «إسرائيل».
طلب إحاطة بالبرلمان الإيطالي
وطالب برلماني إيطالي حكومة بلاده بإحاطة برلمانية عاجلة حول تطورات قضية اختطاف ريجيني.
وفي رسالة بعثها زعيم كتله حزب (يسار إيطالي ممكن) بمجلس النواب، جوليو ماركون، إلى رئيسة المجلس لاورا بولدريني، قال إنه «وفقا لأحدث ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، فإن الحكومة الإيطالية قد تلقت أخبارا أكيدة، لا عن تورط الاستخبارات المصرية بالقتل وحسب»، بل «كذلك عن معرفة الجهات المؤسساتية العليا للدولة بهوية المسؤول عن هذه الجريمة البشعة».
وأردف «لو كان هذا الأمر حقيقيا، فستكون مسؤوليات إغفال الأمر من جانب الحكومة الإيطالية شيئا خطيرا جدا»، وتابع «لقد كانت الحكومة على بينة من الأمر، لكنها لم تتخذ أي إجراء بالتالي إزاء معلومات بهذه الأهمية».
وذكر ماركون أن «هذه المعلومات تأتي بعد القرار المحير بإعادة السفير الإيطالي إلى القاهرة»، واختتم بالقول «لهذا السبب يتقدم حزبنا بطلب إحاطة عاجلة من جانب الحكومة في مجلس النواب حول التطورات في قضية ريجيني».
إيطاليا تنفي
وفي المقابل نفت مصادر حكومية إيطالية، الأربعاء، حصولها على معلومات من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تفيد بتورط مسؤولين بجهاز الأمن المصري في مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
وذكرت مصادر في رئاسة الوزراء في وقت متأخر من، مساء الثلاثاء، أنه تعليقا على التحقيق الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، فإنه خلال الاتصالات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإيطالية في الأشهر التي تلت مقتل ريجيني، لم يتم بث حقائق عن حادثة مقتل ريجيني، أو عن ضلوع عناصر الأمن المصري في جريمة قتل طالب الدكتوراه الإيطالي، كما أشار صحفي بـ«نيويورك تايمز» في مقاله.
وردا على ما نشرته الصحيفة الأميركية، نشر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، بيانا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أكد فيه نفي إيطاليا ما تم تداوله بجريدة «نيويورك تايمز» الأميركية، حول تورط الأمن المصري في قتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وذلك بعد نشرها تقريرا حول الواقعة.
المصالح الإيطالية
ومن جانبه قال المحلل السياسي محمد سعد عبدالحفيظ، أنه في الوقت الذي فرضت فيه ضرورات تعاون حكومتي القاهرة وروما في ملف الأزمة الليبية، دفن قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في الدرج، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريرا مطولا أعاد القضية إلى السطح مرة أخرى.
وأوضح عبدالحفيظ، في مقال له، أن تقرير الصحيفة الذي بلغ نحو 6000 كلمة تحدث عن أن أجهزة المخابرات الأميركية حصلت من مصادرها في القاهرة مطلع 2016 على أدلة قوية تثبت تورط الأمن المصري في قتل ريجيني، ما دفع الرئيس الأميركي أوباما إلى إجراء مشاورات حينها مع مسؤولي وزارة الخارجية والبيت الأبيض انتهت إلى ضرورة تمرير هذه المعلومات إلى حكومة رينزي.
وأشار عبدالحفيظ، أن الصحيفة نقلت عن مسؤول أميركي إن «المعلومات المخابراتية لم تحدد بوضوح هوية المسؤول أو الجهة التي أمرت بالقبض على ريجيني وتعذيبه وقتله»، لكنه أضاف «لا شك لدينا في أن قضية ريجيني كانت معروفة لدى الحكومة المصرية على أعلى المستويات بغض النظر عما إذا كانت هذه المستويات العليا تتحمل المسؤولية أم لا».
وأوضح عبدالحفيظ، أن عودة العلاقات المصرية الإيطالية جاءت في ظل العهدة الترامبية، وأدى التعاون بين الحكومة المصرية ونظريتها الإيطالية في الملف الليبي إلى طي صفحة ريجيني ولو بشكل مؤقت.
وأكد عبدالحفيظ أنه لم يكن يتوقع أحد أن تقبل روما بالتهاون في دم الطالب الذي تحولت جنازته إلى مظاهرة غضب ضد مصر ونظامها، ولم يخطر على بال والدة ريجيني التي صرخت في قاعة البرلمان الإيطالي قائلة «قتلوه كما لو كان مصريا» أن تضيع دماء ابنها التي سالت في مصر في تفاصيل اتفاقات سياسية بين حكومتي القاهرة وروما، ولم يعرف عن الإعلام الغربي المشاركة في التعتيم على قضية من هذا النوع لدعم مبادرة «تثبيت الدولة الإيطالية».
وأكد عبدالحفيظ أن منطق رجال السياسية والحكم إن مصالح الدول العليا لا تعرف العواطف ولا الأخلاق، لكن تطبيق العدالة أو التظاهر حتى بإنفاذها واخضاع أي مسؤول في الدولة للمحاكمة يدعم الشرعية ويثبت دعائم الدول، والعكس يدفع الشعوب إلى اليأس بكل قيم الحياة، ساعتها يصبح الموت طريق إلى الخلاص، فمن التحق بداعش من دول الحريات واحترام الحقوق لم يسلم نفسه إلا بعد المرور بتجربة دفعته إلى الكفر بكل ما تدعيه أنظمة تلك الدول.