قالت مجلة «إنترناشيونال بوليسي دايجست» إنّ منتقدي قطر اختلفوا في كيفية رؤية العالم وتشكيله من حولهم؛ لكنهم في اتفاق ضمني على الهيكل السياسي الأساسي لدولهم، المُصمَّم على الاستبداد التقليدي والحكم القبلي، وتعدّ الإمارات أكثر راديكالية من الدول الأخرى، وتقوم فلسفتها السياسية على قيم علمانية متناقضة ترعى الاستبداد القبلي لحماية حُكّامها.
وأضافت المجلة، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الإمارات برّرت نهجها الاستبدادي بأنها دولة داعمة لمكافحة الإرهاب والتطرف، في حين صاغت قطر دفاعها عن سياستها الخارجية، المثيرة للجدل وعلاقتها بالإسلاميين، بلغة دولة تطلعية تضم مفاهيم عن ديمقراطية الصحافة وحريتها، موضحة أنه في كثير من التصريحات والمقابلات التي يتحدث فيها دبلوماسيو الإمارات الرفيعو المستوى لا يشيرون أبدًا إلى استبداد دولهم ومواءمتها مع الولايات المتحدة التي تقوم على المصالح لا القيم المشتركة.
وقالت المجلة إنّ الأنظمة الاستبدادية تبنّت استراتيجيات لبقائها؛ فاضطرت إلى تنويع اقتصادياتها وترشيدها وإعادة كتابة عقود اجتماعية لم تعد تضمن للمواطنين رفاهيتهم من المهد إلى اللحد مقابل تسليم حقوقهم السياسية، وتكمن جذور هذه الاستراتيجيات في تصوراتهم بشأن كيفية التعامل مع عالم ما بعد 11 سبتمبر وثورات 2011م؛ إذ أوضحت أنّ احتضان قطر صعود تيار الإسلام السياسي والسعي إلى التغيير والتماشي مع الثورات التي أطاحت بأربعة من قادة العرب شكّل تحديًا مباشرًا لاستراتيجيات دولتي الإمارات والسعودية، المفترض أنهما في مأمن من الأجواء الانتقالية، إضافة إلى تهديدهما استراتيجيات مصر والبحرين.
ومن بين الدول الأربع، كانت الإمارات أكثر راديكالية، وما ترتب على ذلك من جهود لضمان بقاء حكامها، واختارت الإمارات أكثر من أي دولة عربية أخرى أن تتجاهل الحساسية السابقة للتعاطف العام مع القضايا الإسلامية لصالح مواءمة سياساتها لمكافحة الإرهاب كليًا مع سياسات الولايات المتحدة، ووضعت نفسها كحليف عسكري لا غنى عنه، إضافة إلى قمعها للمعارضة بشكل وحشي.
ويهدف الإصلاح السياسي إلى ضمان الدعم العسكري الأميركي في بلد يشك في إحساسه بالأمن جزئيًا؛ لاحتلال إيران ثلاث جزر خليجية تابعة لها «أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى» عام 1971، أي قبل يومين من حصول دولة الإمارات على الاستقلال.
وجاء تغيير السياسة أيضًا ردًا على رفض قوات حرس السواحل والكونجرس الأميركيين، لأسباب أمنية قومية، في عام 2006 إدارة دبي لستة موانئ أميركية كبرى، وقال رئيس لجنة الأمن الداخلي في البيت الأبيض «بيتر كينج» في ذلك الوقت إنّ «إدارة دولة يوجد فيها أعضاء من تنظيم القاعدة لموانئ أميركية، ضربٌ من الجنون».
وشجّع صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتعاطفه الواضح مع الحكم الاستبدادي العربي وإهمال التشجيع الأميركي التقليدي للقيم الديمقراطية، المسؤولين الإماراتيين على أن يكونوا أكثر صراحة في التعبير عن هذه الفلسفة السياسية.
علمانية متناقضة
وقال «يوسف العتيبة»، السفير الإماراتي لدى واشنطن: «لدينا أسلوبنا الديمقراطي، لدينا ما يسمى نظام المجلس، وهو عبارة عن منتديات مفتوحة يعبّر فيها الناس عن مظالمهم، وهو النمط البدوي للديمقراطية، الذي يتناسب مع ثقافتنا وهويتنا».
وقال في مقابلة تلفزيونية منفصلة: «إذا طلبت من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر والبحرين نوع الشرق الأوسط الذي يرغبون في رؤيته بعد عشر سنوات فإنهم سيعارضون قطر»، لافتًا إلى أن منتقدي قطر يدفعون بأنفسهم إلى أن يكونوا دولًا علمانية وقوية ومزدهرة ومستقلة.
تقول المجلة إنّ ترويج «العتيبة» للنمط العلماني الغربي مناقض لكلمات النشيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يجسد الإسلام كجزء من هوية البلد: «عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا.. عشت لشعب دينه الإسلام هديه القرآن».
وبعد يومين من تصريحات «العتيبة»، اعتقلت الإمارات رجلًا وامرأة من سنغافورا قبل إجراء جراحة «تحويل جنسي»، وهو ما يؤكد أنّ مقترح العتيبة عن العلمانية هو ما يجسده مفهومها في نشديهم الوطني، وخفّضت الأحكام فيما بعد وسُمح للسنغافوريين بالعودة إلى ديارهما.
وفي مقابلة أخرى، كان «عمر غباش»، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى روسيا، حاضرًا بالقدر نفسه في دفاعه عن الاستبداد. وقال: «لا ندّعي أن لدينا حرية الصحافة، ونحن لا نعزز فكرة حرية الصحافة. إن ما نتحدث عنه هو المسؤولية في الكلام»، ويبدو أنه يبرر موقف دولة الإمارات العربية المتحدة من الحجة الضمنية نفسها في تصريحات «العتيبة»؛ فحكام الإمارات يعرفون ما هو الأفضل لبلادهم.
وأضافت المجلة أنّ تصريحات العتيبة وغباش التي ترسم الفلسفة السياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة تبدو أكثر انسجامًا مع أغنية لفرقة «أبناء يوسف»، تحكي قصة رجل مزّق بين عالمين، وهو شيخ عربي ولد في شبه الجزيرة العربية القديمة ويموت في الجديدة، إنه يعبد الله، ويحب الصحراء، وواحد من أغنى الرجال في العالم، وحكم أجداده العالم من على ظهور الجمال، أما هو فيركب الليموزين؛ لكنه ما زال يعيش في القبلية!