شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

وثيقة بريطانية: بلفور لم يقصد بوعده إقامة دولة لليهود

الباحث بشير نافع

كشف المؤرخ العربي بشير نافع، عن وثيقة بريطانية تثبت المقصد الحقيقي للتعهد البريطاني أو ما يعرف بـ«وعد بلفور»، وتؤكد أنه لم يتضمن إقامة دولة يهودية.

جاء ذلك خلال ورقة قدمها، المؤرخ العربي، السبت، في جلسة نظمها موقع «ميدل إيست مونيتور» في العاصمة البريطانية لندن، بمناسبة مرور مائة عام على معاهدة سايكس بيكو.

وقال نافع إنه حصل على وثيقة في السجلات البريطانية تتضمن رسالة من أرثر بلفور إلى وزير الخارجية البريطاني اللورد كيرزن أوضح فيها ما كان يعنيه من وعده لليهود، مضيفا أن رسالة بلفور كانت قصيرة ولكنها واضحة وأكد فيها على أن التعهد البريطاني للصهاينة لم يتضمن إقامة دولة يهودية.

وكتب بلفور، بحسب الوثيقة: «على حد علمي، لم يحصل بتاتا أن ادعى وايزمان أن اليهود يهدفون إقامة حكومة في فلسطين. مثل هذا الادعاء، في رأيي، مرفوض بكل تأكيد، وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يتوجب علينا الذهاب إلى أبعد مما ورد في الإعلان الأصلي الذي كنت قد تقدمت به إلى اللورد روثتشايلد».

واستعرض المؤرخ العربي، الأسباب التي أدت إلى إعطاء بريطانيا، مستندا بذلك على مراسلات جرت في مطلع عام 1919 بين اللورد بلفور، وزير الخارجية، وزميله في مجلس الوزراء اللورد كيرزن، الذي كان حينها يحتل منصب اللورد رئيس المجلس.

وفيما يلي النص الكامل للورقة التي قدمها، الدكتور بشير نافع تحت عنوان “ملاحظات حول الدوافع خلف إعلان بلفور ودلالاته”، وترجمتها “عربي21”:

منذ زمن وأنا أقلب النظر في الأسباب التي حفزت البريطانيين على تبني إعلان وبلفور وما كان يعنيه الإعلان في الحقيقة. دعوني أبدأ بما نعرفه عن ذلك.

في ربيع عام 1915، طالبت روسيا القيصرية بإلحاح بوجوب أن تدخل بريطانيا وفرنسا في مفاوضات حول مختلف القضايا التي تهم القوى المتحالفة في الحرب في الإمبراطورية العثمانية. جاءت المبادرة الروسية في التحرك لضمان سيطرتهم على مضيقي البوسفور والدردنيل بعد الإنزال البريطاني في شبه جزيرة غاليبولي. ولأن بريطانيا لم تكن تدارست الأمر بعد، قررت الحكومة في لندن تشكيل لجنة يترأسها السير موريس دو بانسن للنظر في الأمر وتحديد الأولويات الإستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط.

وسرعان ما تم التوافق على المصالح الروسية في تراقيا الشرقية وفي المضائق وشرق الأناضول ضمن اتفاقية القسطنطينية، التي أبرمت في مارس من عام 1915. أما التوافق على المصالح البريطانية والفرنسية فكان أكثر تعقيدا، وكان لابد من التفاوض عليه. بدأت هذه المفاوضات في لندن في الثالث والعشرين من تشرين الثاني1915، حيث مثل البريطانيين السير مارك سايكس ومثل الفرنسيين فرانسوا جورج بيكو؛ وتم في نهاية المطاف صياغة الاتفاقية في يناير 1916.

وإلى أن تم الانتهاء من المفاوضات بين سايكس وجورج بيكو في يناير، لا يوجد سجل بأية اتصالات رسمية بين حكومة أسكويث والحركة الصهيونية. إن كان ثمة اتصالات، فقد أجريت على أساس شخصي وغير رسمي.

وعلى الرغم من أن مسودة الاتفاقية البريطانية – الفرنسية قوبلت بالانتقاد في وايتهول (مقر الحكومة البريطانية في لندن)، إلا أن الحكومة قررت التصديق عليها في السادس عشر من مايو 1916؛ أولا، لأنه لم يعتبر من اللائق المطالبة بمراجعات بينما فرنسا هي التي تحمل على كاهلها العبء الأكبر للحرب؛ وثانيا، بسبب فشل حملة غاليبولي. وينبغي التذكير، ربما، بأن البريطانيين في ذلك الوقت لم يكونوا قد حققوا تقدماً ذا بال، لا في الحملة العراقية ولا في الحملة في سيناء.

وقد تمت المبادرة بأول اتصالات رسمية بريطانية مع الصهاينة خلال الفترة المفصلية الواقعة ما بين تعميم مسودة اتفاقية سايكس بيكو على دوائر الدولة ذات العلاقة، والتصديق عليها.

الذي حفز على القيام بهذه الاتصالات هو ما ورد من ذكر لتطلعات اليهود الصهاينة في فلسطين ضمن الرد الانتقادي على مسودة اتفاقية سايكس بيكو والذي حرره الكابتن ريجينالد هول، رئيس الاستخبارات البحرية، في يناير 1916. وبعد شهر من ذلك، قام هيو أوبيرن، أحد أهم كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، بتوزيع محضر يلخص رؤية وزرارة الخارجية بشأن الفوائد السياسية التي يمكن أن تعود على الحلفاء جراء تبني المصالح الصهيونية في فلسطين، سيما في الولايات المتحدة. ومنذ أن بدأ البحث عن طرق تمكن بريطانيا من التحلل من التزاماتها تجاه الفرنسيين في الشرق الأوسط، وحتى قبل التصديق على الاتفاقية، تحرك سايكس لاستطلاع الخيار الصهيوني.

ما أشار اليه بعض المؤرخين من أن السياسة الصهيونية البريطانية إنما حفزتها معتقدات دينية ذات صلة بالنزعة الصهيونية لدى المسيحيين البروتستانتيين، فهي بعيدة الاحتمال. لقد كانت المقاربة البريطانية تجاه الصهاينة وليدة حسابات باردة، وامبريالية بحتة. فلا رئيس الوزراء أسكويث ولا وزير الخارجية إدوارد غراي، ولا الكاثوليكيين سايكس وأوبيرن، كان صهيوني الهوى؛ ومن بين أعضاء الحكومة اليهود في ذلك الوقت، وهما هيربرت صموئيل وإدوين مونتاغيو، كان أولهما فقط ذا علاقات صهيونية.

الحقيقة، أن سايكس لم يقم بأول اتصال صهيوني إلا بعد اطلاعه على ملاحظات هول ومحضر أوبيرن، حيث عقد لقاءات مع صموئيل وموسى غاستر في ربيع عام 1916، وفي وقت متأخر من ذلك العام التقى أهارون آرونسون. في نفس الوقت، وخلال الشهور التي سبقت تغير الحكومة في ديسمبر 1916، كان سايكس، وكذلك بعض المسؤولين في وزارة الخارجية، يدفعون بمختلف الأفكار التي استهدفت الاستجابة للتطلعات الصهيونية في فلسطين، مع العلم التام للسير إدوارد غراي بذلك.

لا دافيد لويد جورج، الذي حل محل أسكويث في رئاسة الحكومة، ولا آرثر بلفور، الذي حل محل غراي في وزارة الخارجية، قام بإحداث أي تغيير جوهري في سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط. صحيح أن لويد جورج كان أشد حماسة تجاه التطورات في الجبهة الشرق أوسطية، وكان بشكل خاص يأمل في أن يزف بعض الأخبار السارة إلى الرأي العام البريطاني الذي أرهقه طول أمد الحرب وجسامة الخسائر التي تسببت بها. ولكن الصحيح أيضا أن النقاش حول التحلل من الالتزامات التي كانت بريطانيا قد تعهدت بها لفرنسا في الشرق الأوسط، وحول المصالح الصهيونية في فلسطين، كان قد بدأ قبل أن يتسلم لويد جورج رئاسة الحكومة. والأهم من ذلك، لم يقتصر الأمر على بقاء سايكس في خدمة الحكومة الجديدة ولكنه أيضاً رقي إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

في اجتماعها الذي انعقد في الحادي والثلاثين من أكتوبر، صادقت حكومة لويد جورج على نص الإعلان الذي تقدم به وزير الخارجية إلى الصهاينة، علماً بأن النص كان قد خضع لإعادة الصياغة عدة مرات.

تلك كانت آراء اثنين من كبار أعضاء الحكومة البريطانية أثناء الحرب، وما بعدها مباشرة. كلاهما احتل منصب وزير الخارجية، وكان بلفور هو الذي ارتبط اسمه وإلى الأبد بالإعلان المشؤوم للصهاينة. وكلاهما كان في غاية الوضوح في التوكيد على أن الإعلان لم يكن يتعلق بتأسيس دولة يهودية في فلسطين.

ما من شك في أن إعلان بلفور كان مصدر كل الشرور في الشرق الأوسط العربي. ولكن ما يبدو، مع ذلك، أن تلك القطعة من الشر لم يكن يقصد بها توليد ذلك الكم الهائل من الشر الذي ابتليت به المنطقة منذ ذلك الحين.

المصدر: عربي21



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023