شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

انفصال الطوارق عن مالي أزمة تؤرق الفرنسيين قبل دول الجوار

انفصال الطوارق عن مالي أزمة تؤرق الفرنسيين قبل دول الجوار
  باتت المحنة الخطيرة التي تشهدها مالي خطر ليس في تقسيمها فقط، ولكن لأنها تحولت لأزمة إقليمية تهز...

 

باتت المحنة الخطيرة التي تشهدها مالي خطر ليس في تقسيمها فقط، ولكن لأنها تحولت لأزمة إقليمية تهز دول الجوار كالجزائر والنيجر وموريتانيا، والمثير أنها باتت قضية داخلية في فرنسا على خلفية الانتخابات الرئاسية، إذ تعتبر مالي من الدول المتمتعة تاريخيا بحماية فرنسا.

وعلى الرغم من أنها تمر بأزمة مصيرية إلا أن باريس لم تبد حراكا، مما جعل متابعون يوجهون اللوم إلى الرئيس/ نيكولا ساركوزي، لأنه دعم الثورة الليبية ولم يهتم بتداعياتها المتوقعة على دول الجوار.

فما أن انتهت ثورة ليبيا في أكتوبر 2011م حتى غادرها الطوارق الذين قاتل معظمهم مع كتائب القذافي، فيما قاتل بعضهم إلى جانب الثوار، وعادوا إلى مناطقهم في شمال مالي ومعهم أموال كثيرة وكميات كبيرة من الأسلحة والآليات العسكرية، ثم أسسوا "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" على اسم المنطقة التي يعتبرونها دولتهم، ويقولون الآن أنهم حرروها كاملة.

يذكر أنهم كانوا خلال العقدين الماضيين قد خاضوا حربَين ضد الحكم المركزي وجيشه مطالبين بحق تقرير المصير، لكنهم لم يتوصلوا إلى أهدافهم، فانضووا في خدمة نظام القذافي.

ومنذ أواخر العام الماضي، راح الجيش المالي يحث الرئيس أمادو توريه على التحرك لطلب تدخل دولي، وقد حاول دون أن ينجح، وحتى بعد انقلابهم عليه وجد العسكر أن فرنسا غير متحمّسة للتدخل، إذ أعلن وزير الخارجية/ آلان جوبيه، أنه لا حل عسكريا للوضع الناشئ في شمال مالي.

والأكثر إثارة للقلق أيضا، أن ثمة تداخل قائم منذ أعوام بين الطوارق والجماعات الجهادية المنضوية في تنظيم "القاعدة للمغرب الإسلامي"، الذي أقدم أكثر من مرة على خطف رهائن أوروبيين، ولا يزال لديه الآن ستة من الرهائن الفرنسيين.

وبالفعل لم يتأخر القاعديون في الظهور سواء في مدينة (تومبكتو) أو في مدينة (غاو)؛ حيث دخلوا أمس الخميس  القنصلية الجزائرية واحتلوها، واحتجزوا دبلوماسييها، ورفعوا علمهم الأسود عليها.

 ومؤخرا شهدت المنطقة بداية انفصال بين الطوارق و"القاعدة"، فهم يسعون إلى اعترافٍ بدولتهم الانفصالية، أما تنظيم القاعدة فيريد إقامة إمارة إسلامية، ولعل الرهان على هذا التناقض سيدفع القوي الدولية إلى ممالأة الطوارق.

حيث دعا قائد الانقلاب في مالي النقيب/ أمادو سانوجو، القوى الغربية للتدخل عسكريا في شمال مالي، مثلما فعلت في أفغانستان، جاء ذلك بعد إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد استقلال المناطق بشمال البلاد، وإقامة (جمهورية أزواد) على أراضيها، بينما عززت موريتانيا وجودها العسكري على حدودها، وأكدت فرنسا أن التدخل العسكري غير مطروح.

وقال النقيب/ سانوجو، في أول تصريح بعد إعلان حركة "أزواد" إن على القوى الكبرى أن تتحرك في شمال مالي مثلما تفعل في أفغانستان لمواجهة ما سماها المنظمات الأصولية هناك.

بالمقابل ناشد الأمين العام لحركة (أزواد)/ بلال آت الشريف، دول العالم الاعتراف باستقلال (بلاده) وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها.

وكانت الحركة قد عقدت في وقت سابق اجتماعا مع بعض أعيان مدينة (غاو) من أجل التعاون على عودة الحياة الطبيعية بالمدينة، وإنهاء مظاهر السلب والنهب لممتلكات الدولة والسكان.

كما أكدت الحركة وقف عملياتها العسكرية بشكل أحادي بعد طلب من مجلس الأمن الدولي، والمجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة وفرنسا ودول المنطقة، وفقا لما جاء في بيان خاص لها دعت فيه المجتمع الدولي لحماية (شعب أزواد) من أي اعتداءات في مالي.

حركة أزواد أكدت وقف العملية العسكرية بمدينة غاو (الجزيرة)، فيما أدانت الجزائر اختطاف قنصلها وستة موظفين آخرين بمدينة (غاو)، على يد مجموعة مسلحة، وقالت الخارجية: "إنها ستسخر كل الوسائل اللازمة لإعادة مواطنيها سالمين، وأكدت التقارير أن المسلحين الذين اختطفوا موظفي القنصلية الجزائرية من جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا".

تعزيز الحدود

وعززت موريتانيا وجودها العسكري على حدودها الشرقية، وسط قلق من تنامي نفوذ القاعدة والمسلحين الطوارق الذين أحكموا سيطرتهم على إقليم أزواد المالي المجاور.

 وقالت وكالة الأخبار الموريتانية: "إن الجيش أرسل الخميس تعزيزات عسكرية من نواكشوط باتجاه منطقة باسكنو شرق موريتانيا".

 وتخشى نواكشوط من عمليات توسعية قد ينفذها مسلحون تابعون لأنصار الدين أو القاعدة أو جماعة التوحيد والجهاد ضد مصالح موريتانيا، بعد أن أحكموا سيطرتهم على مناطق مهمة من جمهورية مالي، خاصة بعد تراجع دور جيش مالي إثر الانقلاب العسكري الذي وقع بالبلاد.

وكانت الحكومة الموريتانية قد أدانت بشدة يوم الجمعة الماضي الانقلاب الذي حدث بمالي يوم الـ22 من الشهر الماضي وأطاح بالرئيس أمادو توماني توريه، وطالبت بعودة النظام الدستوري في البلاد.

وقال قادة الانقلاب في وقت سابق إنهم قاموا بهذه الخطوة احتجاجا على عدم توفير الحكومة موارد كافية لقتال الطوارق والمجموعات المسلحة الأخرى شمالي البلاد.

يُذكر أن مئات الأزواد الماليين نزوحوا إلى موريتانيا بعد المعارك بين الجيش المالي والمقاتلين الطوارق خلال الأشهر الماضية.

وتتهم دول الجوار مالي بأنها لا تبذل الجهد الكافي لمحاربة المسلحين الإسلاميين، وقالت موريتانيا الشهر الماضي: "إن سلاحها الجوي قصف أهدافا لتنظيم القاعدة بالمغرب العربي في شمال مالي".

ونفَّذت الطائرات الموريتانية الغارة بعدما أفرج تنظيم القاعدة عن فرد من قوات الأمن الموريتانية اختُطف في ديسمبر الماضي، مقابل الإفراج عن (إسلامي مشتبه به) من سجن بموريتانيا.

الموقف الفرنسي

وفي باريس، جدد الرئيس/ نيكولا ساركوزي، رفض بلاده للانقلاب الذي أطاح بتوريه، وطالب الانقلابيين بالعودة للعملية الدستورية، واصفا الانقلاب بـ "الفضيحة"، كما أعرب عن قلقه الشديد إزاء الموقف بمالي خاصة بعد سيطرة "متمردي الطوارق" على العديد من المدن الشمالية بالبلاد.

كما استبعد ساركوزي أي تدخل لباريس بالمستعمرة الفرنسية السابقة طالما لم تحاول القوى الإقليمية بالبداية تهدئة الأجواء، ولم يتم تقديم التماس للأمم المتحدة، وردا على دعوة الانقلابيين للقوى الدولية للتدخل عسكريا ضد حركة أزواد قال: "نحن لا نتعاون مع متمردين".

وكان وزير الخارجية/ ألان جوبيه، قد أكد بدوره أنه لا حل عسكريا لـ: الطوارق، وأضاف في مؤتمر صحفي: "الأمر يتطلب حلا سياسيا"؛ داعيا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وقوى إقليمية أخرى لأخذ زمام المبادرة.

وفي حين دعا جوبيه لحل سياسي لمشكلة الطوارق، طالب بتحرك لاحتواء (خطر المد الإسلامي الذي يجتاح منطقة الساحل).

بدورهم عقد قادة جيوش دول مجموعة (إيكواس) اجتماعا أمس لبحث فكرة إرسال قوات إلى مالي، وأعرب الوزير الفرنسي عن استعداد بلاده لتوفير الدعم اللوجستي لتلك القوة.

وقد بدأ التمرد من خلال عدة محطات أبرزها في 1962م حيث كان أول تمرد للطوارق في مالي استمر نحو عامين, والجيش ينجح في إخماده, ويفرض حكما عسكريا على مناطقهم، وفي 1988 تأسست الحركة الشعبية لتحرير أزواد، وفي 1990م اندلع تمرد ثان استمر خمس سنوات حتى 1995م، ثم سعى الرئيس/ ألفا كوناري – الذي كان يحكم البلاد وقتذاك – إلى احتواء التمرد عبر منح منطقة كيدال (في الشمال) حكما ذاتيا أوسع مما ساعد بالفعل على تخفيف الصراع، لكن المواجهات العسكرية استمرت، وفي 1991 تم توقيع اتفاق في (تمنراست) بالجزائر, وميثاق وطني بين الطوارق والحكومة, بيد إنهما لم يفضيا إلى إنهاء القتال.

أما في 1996م تم توقيع اتفاق سلام في (تمبكتو) بالشمال, والمسلحون الطوارق يسلمون ثلاثة آلاف قطعة سلاح، وفي 2006م وقعت انتفاضة للطوارق في الشمال تنتهي باتفاق سلام في الجزائر، وفي عام 2007م وقع تمرد متزامن جديد للطوارق في كيدال بشمال شرق البلاد وأغاديز بشمالي النيجر استمر حتى 2009، ووقتها وُقعَ اتفاق سلام بوساطة ليبية ينهي التمرد الذي بدأ عام 2007م.

وفي عام 2011م وبعد سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي, عاد آلاف الطوارق الذين كانوا يقاتلون بجيش القذافي إلى شمالي مالي مدججين بأسلحة ثقيلة ليبدأ التحضير لتمرد جديد يهدف إلى إقامة دولة للطوارق.

لكن في نهاية العام نفسه, تأسست الحركة الوطنية لتحرير أزواد بعد اندماج الحركة الوطنية للأزواد, والحركة الطوارقية لشمالي مالي، وفي يناير 2012م بدأ مسلحو الحركة الوطنية لتحرير أزواد هجوما استغرق أسابيع على مدن تساليت وأغيلهوك وميناكا في شمال شرق مالي قرب الحدود مع الجزائر مما أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح، وكان هذا الهجوم إيذانا ببدء تمرد ثالث كبير في تاريخ الطوارق الماليين.

وفي مارس 2012م أطاح انقلاب عسكري بالرئيس/ أمادو توماني توريه, وبدأ ومسلحو الطوارق الفصل الأخير من ثالث تمرد كبير في تاريخهم ينتهي في غضون أيام بالسيطرة على مدن (كيدال) و (تمبكتو) و (غاو), وجماعات مسلحة بعضها يرتبط على الأرجح بتنظيم القاعدة تستولي على بعض مواقع هناك.

وفي 6 أبريل 2012م أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد شمالي مالي دولة مستقلة للطوارق, وتقول: "إن إعلان الاستقلال يسري في الحال".



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023