كثيرًا ما تُحصر أزمات غزة في الإنسانية وانتشار الفقر والبطالة وغيرها، لكن يجب وصفها بأنها أزمات سياسية وليست إنسانية؛ والسلطات الإسرائيلية والأميركية والمصريية والفلسطينية مسؤولة عنها. ولا يمكن حلّ مشكلة القطاع عبر المساعدات والمنح، سواء من دول أو منظمات؛ بل بتحرير الشعب الفلسطيني.
هذا ما يراه المحلل السياسي «جريج شوباك» في تحليله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد». وقال إنّ وثيقة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في فبراير الجاري أوضحت أنّ الوقود اللازم لإدارة المرافق الطبية في غزة سينفذ في غضون عشرة أيام؛ وهو ما يهدد وحدات الرعاية الحركة وخدمات الطوارئ والخدمات التشخيصية الأخرى، كالتصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية والسينية وغرف الجراحة، بجانب تهديد 55 حوض صرف صحي و48 محطة لتحلية المياه.
ووصف البيان الأوصاع الحالية في غزة بأنها «كارثة إنسانية تقودها الطاقة»، دون تقديم أيّ معلومات عن الأسباب أو المسؤول عن الأوضاع.
دون تسييس
وتناول تقرير آخر صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة الفقر في غزة، قائلًا إنّ الأوضاع الاقتصادية تدهورت إلى حد كبير، ويعيش 40% من الأسر الفلسطينية تحت خط الفقر، ويعتمد 70% منهم على المعونات بشكل أساسي؛ دون الإشارة إلى الأسباب أو المسؤول.
وغير ذلك، أوضحت التوقعات الاقتصادية الصادرة عن البنك الدولي في أكتوبر 2017 أنّ البطالة في غزة بلغت 44% بصفة عامة، وأكثر من 60% بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و29 عامًا، ورفض التقرير كسابقيه أيضًا «إسرائيل» أو أيّ من حلفائها بالتسبب في هذه الكوارث؛ وهو ما يمثّل إشارة غامضة على استمرار القيود الاقتصادية المفروضة على القطاع من «إسرائيل» دون سبب واضح.
أيضًا، من التضليل وصف التحديات الهائلة التي تواجه سكان قطاع غزة بأنها فقط أزمة إنسانية أو أزمة فقر؛ فعرضها بهذا التوصيف يستبعد فكرة كونها سياسة متعمدة من «إسرائيل» والولايات المتحدة والسلطتين الفلسطينية والمصرية؛ إذ تتحكم «إسرائيل» في كيفية الوصول البري والجوي إلى غزة، وحاصرتها منذ عام 2006. وبصفتها قوة احتلال، فالقانون الدولي يلزمها بالمسؤولية عن رفاه الشعب المحتل.
كما تسلّط طريقة إدارة قوات الاحتلال لاقتصاد غزة الضوء على الطرق التي تتحمل «إسرائيل» المسؤولية عن الفقر والبطالة، والسياسات التي تتسبب في الخسائر التي طالت مختلف القطاعات الصناعية داخل القطاع، وفقًا لما نقلته منظمة «غيشا» الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي تقول إنّ سيطرة «إسرائيل» على المعبر البري الوحيد سمح لها بفرض قيودها على الداخلين والخارجين؛ وهي التحكمات التي أثّرت على جوانب الاقتصاد الفلسطيني كافة في غزة.
جرائم «إسرائيلية»
كما تُركت هذه القيود على الصادرات من غزة وإليها إلى أن أصبح القطاع أرضًا معزولة، لا تتوافر أمامها أيّ فرصة حقيقية للتنمية. وذكرت تقاير أنّ قوات الاحتلال زادت من القيود المفروضة على استيراد مواد البناء من أجل جهود إعادة الإعمار؛ ما ساهم في تسريح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وترك البنى التحتية في ظروف صعبة؛ وهي سياسة اتبعتها قوات الاحتلال منذ غزوها الأراضي الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، وكما ذكرت منظمة «الحق» المعنية بحقوق الإنسان، أنشأت «إسرائيل» منطقة عازلة حول غزة؛ أدت إلى انخفاض في مساحة الأراضي القابلة للزراعة، كما فرضت قيودًا قسرية على قدرة الفلسطينيين في الوصول إلى البحر. ووفقًا لذلك، 85% من المساحة البحرية التابعة لغزة محظور الوصول إليها؛ وإذا فكّر أيّ صياد فلسطيني في الابتعاد عن الشاطئ تهاجمه قوات الاحتلال وتدمر قاربه وتعتقله، وفي يونيو 2007 ويوليو 2013 ومارس 2015 يونيو 2017 قتلت «إسرائيل» خمسة صيادين فلسطينيين.
موظفو الاحتلال
أيضًا، لا تعمل الحكومة الإسرائيلية وحدها؛ فالولايات المتحدة توفّر لها الوسائل الأساسية اللازمة لحصار القطاع، والتغطية على الجرائم كافة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، والدول الأخرى المجاور لها.
وللحكومة المصرية دور بارز في زيادة معاناة سكان القطاع؛ بإغلاقها معبر رفح البري، عدا في استثناءات ولمدة قصيرة للغاية. كما تساهم السلطة الفلسطينية أيضًا في هذه المأساة؛ ففي الصيف الماضي تصرّفت كـ«موظف إسرائيلي أميركي» ورفضت دفع رواتب الموظفين المدنيين في غزة؛ ما أدى إلى توقف خدمات الكهرباء.
وفي كل الأحوال، ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنّ «إسرائيل» أو الولايات المتحدة ستجعلان الحياة أفضل لسكان غزة؛ إذ لاحظت منظمة «غيشا» أنّ جميع الإجراءات التقييدية التي اتخذتها سلطات الاحتلال طوال 2017 كانت دون سبب أو مبرر واضح، ولا تضع في اعتبارها كيفية تأثير أيّ من قراراتها على سكان القطاع.
وكما ذكر الصحفي الفلسطيني الأميركي «علي أبو نعيمة»، قررت الولايات المتحدة في يناير حجب أكثر من نصف مساهمتها البالغة 125 مليون لوكالة الأونروا؛ ما حدّ من قدرة المنظمة على الضلوع في دورها من توفير التعليم والصحة والخدمات الإنسانية الطارئة لأكثر من خمسة ملايين فلسطيني؛ وبذلك تمر الأونروا بأسوأ أزمة في تاريخها.
وبالتالي؛ لا تواجه غزة مشكلة إنسانية بقدر ما تواجه مشكلة سياسية وكونها مستعمرة «إسرائيلية أميركية».
ولأنّ معظم المساعدات والمنح تأتي بشروط مسبقة، فإنها ليست السبيل الأمثل لحل مشكلة القطاع؛ وإنّما الحل الأمثل يتمثل في منح الحرية للشعب الفلسطيني، وإذا مُنحها سيتصرف بما في صالحه؛ فما يحدث في غزة «كارثة سياسية» تتطلب حلًا سياسيًا، وهو التحرير الشعب الفلسطيني.