«ترى إيران نفسها وكأنها تخرج عن العزلة المطوّلة والعقوبات الخانقة التي عجّلت بها الثورة الإسلامية عام 1979، وتراها ظلمًا تاريخيًا، وبعد الانتفاضات العربية في 2011 أطلقت قوتها العسكرية لحماية حليفها القديم: النظام السوري، وتورّطت في حروب بالوكالة مع دول خليجية، ومثّلت إحدى أولوياتها في المنطقة سد الفجوة في سياستها المتعلقة بها وتوحيد سياساتها الإقليمية».
هذا ما تراه مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها أولويات إيران في الشرق الأوسط، وتابعته صحيفة «لوب لوج» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ الأولوية الأولى للقادة الإيرانين تتمثل في الحفاظ على «الجمهورية الإسلامية» وضمان استمرارها، وبالتالي يتحتّم عليهم ردع أيّ جيوش أو دول مدعومة غربيًا لتقويض هذا الوجود والاستقرار؛ لا سيما فيما يتعلق بالعزلة الاستراتيجية التي مرت بها أثناء سنوات الحرب الثماني في العراق؛ عندما دعم الغرب، وتقريبًا جميع الدول العربية، نظام صدام حسين لاحتواء الثورة الإيرانية الناشئة.
والنظام الإيراني عازم على تصدير ثورته إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي ذلك الوقت أقامت طهران علاقات وثيقة مع نظام حافظ الأسد وساعدت على تأسيس حزب الله في لبنان، وزودته بالمعدات العسكرية.
ومع تقييد وصولها إلى سوق السلاح الدولي بعد «الثورة الإسلامية»، سعت إيران إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ لكنه كان اكتفاءً غير متماثل مع القوى العالمية والإقليمية الأخرى. وفي سبيل ذلك، سعت إلى زيادة عمقها الاستراتيجي، واستثمرت بكثافة في برنامج الصواريخ الباليستية؛ ويعود سبب عزمها على تطوير برامج صواريخ باليستية إلى أنها عانت منها أثناء الحرب مع العراق، ورأت أهمية تطويرها وضرويته للحماية من التهديدات الخارجية، من «إسرائيل» مثلا وغيرها، وفي سبيل ذلك سعت إلى استغلال الدول الضعيفة؛ مثل لبنان والعراق من بعد 2003، وهي دول ستلبي نداءها إذا ما اضطرت لخوض حروب.
كما سعت إيران لتطوير «محور المقاومة»، وهو تحالف إيران مع سوريا وحزب الله، وفي أحيان حركة حماس، ضد ما تعتبره الهيمنة الإسرائيلية الأميركية على المنطقة. وبعد 2011، عندما تعرض نظام الأسد للتهديد؛ تدخّلت إيران على الفور بجانب حليفها حزب الله، وحوّلت «الجمهورية الإسلامية» مذهبها العسكري من الدفاع إلى الهجوم المباشر، وطبقته أيضًا في اليمن، مستخدمة الحوثيين في حربها مع السعودية، وكان رد السعودية إدراكًا منها بأنها تسعى لفرض هيمنتها إقليميًا.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية إنّ ما سبق ليس محل جدال أو نقاش بين القادة الإيرانيين؛ بل هو واقع، والنقاشات تدور بشأن المتطلبات الأمنية واتخاذ القرارات داخل المؤسسات المركزية؛ مثل المجلس الأعلى للأمن القومي -على سبيل المثال- ويترأسه الرئيس الإيراني ويحدد السياسة الخارجية والداخلية للجمهورية، ويضم مسؤولين سياسيين وعسكريين، إضافة إلى صانعي القرار وفصائل رئيسة في الدولة.
وتحوّل «المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني» على مر السنين ليكون أكثر مرونة، في استجابته للتكتيكيات والتطورات الإقليمية؛ سواء كان دعم أكراد العراق بعد تعرضهم لتهديد من تنظم الدولة في 2014، أو إدانة محاولة الانقلاب ضد الحكومة التركية في 2016. وخلافًا للحكمة التقليدية السائدة عن إيران، لا يفوز «الحرس الثوري» و«قوات القدس» بشكل دائم؛ خاصة فيما يتعلق بآرائه عن القضايا الصارمة والمهمة، الدولية والإقليمية.