شاهد الموضوع بالرسوم التوضيحية ومقاطع الفيديو
تعاني مصر من أزمة اقتصاديه حادة نتيجة فساد ظل ينهش فيها طيلة عقود مضت وكانت ثورة يناير نتيجة طبيعية لتلك المعاناة كشفت عن وجوه أعمق لذلك الوحش الذي ظل ينهش فيها وهو الفساد المالي والاقتصادي.
نحاول أن نتعرف علي ملامح الأزمة الحالية ونناقش أبرز خطط الحكومة في التغلب عليها وهو القرض الذي تحاول مصر الحصول عليه من صندوق النقد الدولي.
بدايات لأزمة
بدأت المتاعب المالية في مصر ما بعد الثورة، مع الموازنة العامة للسنة المالية الحالية 2011-2012، وهي الموازنة الأولى التي تم العمل بها بعد إطاحة مبارك.
فقد قُدِّرَت فجوة التمويل فيها بـ23 مليار دولار- حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي- وتمت تغطية الجزء الأكبر من العجز المالي فيها بالاعتماد على مصدرَين أساسيين:
1. اللجوء إلى الاقتراض المحلي
2. استخدام احتياطي الدولة من النقد الأجنبي.
وبالنسبة للاقتراض المحليفإن القطاع المصرفي يعاني من الضعف بسبب زيادة الاقتراض الحكومي منه بشكل كبير؛ 50% من مجموع ودائع الجهاز المصرفي حالياً مستثمرة في سندات خزينة وسندات حكومية، كما أن 75 % من كل الودائع الجديدة تذهب لتمويل النفقات الحكومية الجارية، ولا يبقى سوى القليل منها لتمويل القطاع الخاص. وقد أدّى هذا الأمر إلى وصول سعر الفائدة إلى رقم قياسي عند 16%.
أما استخدام الاحتياطي من النقد الأجنبيفان الاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية تراجع بعد الثورة بمعدّل 1.4 مليار دولار أمريكي في الشهر، وبات الآن أقل من 40 % من المستوى الذي كان عليه في يناير 2011 – وهكذا، فإن الاحتياطي الذي يبلغ حالياً 15.2 مليار دولار بالكاد يكفي لتغطية الواردات لمدّة ثلاثة أشهر.
والأسوأ من ذلك، أن البنك المركزي لجأ إلى خفض نسبة الاحتياطي القانوني (الإجباري) مرّتين هذه السنة.
الأولي: 20 مارس من 14 إلى 12%.
الثانية: في 28مايو إلى 10%، بهدف توفير فائض من السيولة للمصارف المحلية كي تقوم باستخدامها لشراء سندات خزينة.
كما طرحت الحكومة، لسد حاجتها الماسّة من السيولة النقدية، "سندات المغتربين" في مارس الماضي في محاولة للإفادة من مدّخرات المغتربين المصريين في منطقة الخليج العربي. ومع أنه لم تُكشَف أي أرقام رسمية، يبدو أن الإيرادات التي تحقّقت من بيع هذه السندات حتى الآن أدنى بكثير من رقم المليارَي دولار الذي توقّعته الحكومة.
عوامل تفاقم الأزمة المالية الحالية
أولها: تباطؤ النمو في أوروبا، التي تشكّل سوق الصادرات الأساسية بالنسبة إلى مصر (36% في العام 2010) ومصدر الجزء الأكبر من الاستثمارات الخارجية فيها في الأعوام الأخيرة (61 %في العام 2010).
ثانيها:حساسية الاقتصاد المصري للتقلبات في أسعار الغذاء والوقود العالمية فمصر تستورد 60 %من المواد الغذائية التي تحتاج إليها، و40 %من وقودها. ومن شأن الزيادة في الأسعار العالمية لهاتَين السلعتين أن تضع أمام الإدارة المالية مزيداً من التعقيدات.
الحلول
بعد أن لجأت الحكومة للاقتراض المحلي وتسبب هذا في مفاقمة الأزمة فإنها تسعى أيضا للاستعانة بالقروض الخارجية للتغلب على عجز الموازنة الحالي وكان أبرزها القرض الذي تسعي للحصول عليه حاليا من صندوق النقد الدولي.
وفي ظل تباين الآراء وكثرة الحوار المجتمعي في الشهور الأخيرة مع بداية المفاوضات بين الحكومة ووفد صندوق النقد ومع اقتراب وشيك للاتفاق الذي يمكن مصر من الحصول علي القرض سعت رصد للتوضيح لقرائها أسباب كل من رافضي ومؤيدي القرار من خلال التقرير التالي.
مؤيدو القرض
يري مؤيدي القرار حتمية حصول مصر علي القرض وأنه لا سبيل إلا بالاقتراض لسد عجز الموازنة البالغ 150 مليار، في ظل عدم قدرة البنك المركزي على الوفاء إلا توفير 80 مليار فقط، معتبرين أن ذلك القرض بمثابة شهادة عالمية لقوة الاقتصاد المصري وضمانة لعودة تدفق رؤوس أموال المستثمر الاجنبى.
يقول محسن عادل -نائب ريس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار- أن مصر في حاجه ماسه لذلك القرض وذلك للأسباب التالية:
1. سيعزز القرض لثقة الدولية في قدرة الاقتصاد المصري على التعافي، ويتيح لها فرصة الحصول على المزيد من التمويل من الجهات المانحة الدولية.
2. إلى جانب إمكانية مراجعة التصنيف الائتماني لمصر مجددا نتيجة هذه الخطوات الإصلاحية.
3. بالإضافة إلى تخفيف الضغوط علي مصادر التمويل المحلية مما سيقلل من تكلفة التمويل و يساهم في عملية إنعاش الاقتصاد، مؤكد أن الحكومة عندما تتجه إلى الاقتراض داخليًّا فإنها تنافس القطاع الخاص وتؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض عليه.
4. يحافظ علي استقرار سوق الصرف و تحفيز الاستثمارات علي العودة من جديد لمصر مؤكدا علي أن حصول مصر على القرض يمثل دفعة قوية لمصر دوليا، ويعطى رسالة إيجابية لجهات التمويل الأجنبية والدول المانحة، بأن الاقتصاد المصري يتعافى ولديه قدرة على النمو، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها خلال العامين الماضيين.
5. يخفف الضغوط علي الموازنة العامة للدولة و زيادة معدلات التنمية مع العمل علي تخفيض معدلات البطالة و الحد من نمو التضخم كما أنه يرفع العبء عن الحكومة عند تدبير الموارد للاحتياجات الطارئة.
معارضوه
أما معارضي القرار فتتلخص آرائهم حول ضرورة رفض القرض في ظل محاولة الصندوق فرض سياسة اقتصاديه معينه تؤدي في نهاية الأمر إلي مزيد من التدهور الاقتصادي ، ومؤكدين أن تلك السياسة تعمل على حماية مصالح رموز النظام السابق وخدمة السياسة الأمريكية في المنطقة .
كما أعلن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رفضه لقرض صندوق النقد الدولي لمصر، والذي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار أمريكي، للأسباب التالية:
أولاً: القرض سيؤدي إلى زيادة الدين الخارجي من 35مليار دولار في فترة ما بعد مبارك وحكم المجلس العسكري الي46مليار دولار .
وهو ما يعني أن مخصصات خدمة الديون الخارجية والتي وصلت قيمتها إلى الربع من الموازنة العامة في عهد مبارك، من المتوقع زيادتها بنسبة كبيرة في حال حصول مصر على قرض صندوق النقد وما سيتبعه من اتفاقيات قروض أخرى. ومن ثم، فلا سبيل لسد هذه الزيادة إلا بتخفيض مخصصات الدعم، أو الخدمات العامة في الموازنة العامة للدولة، بما يتبعه ذلك من موجة عاتية من ارتفاعات الأسعار تزيد من الضغط الاجتماعي والاقتصادي على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
ثانيًا: لا يجوز للسلطة ان تفرض علي المجتمع سياسة اقتراض علي هذا النحو دون حوار مجتمعى شامل وحقيقي خاصة أن البرلمان الذى يمثل الشعب لم يتم تشكيله بعد، فضلا على أن هذه القروض تمثل عبء كبير على حقوق الأجيال القادمة.
ثالثًا: ان المناقشات الجارية بين الصندوق والحكومة ا تفتقر إلى أدنى معايير الشفافية، فضلاً عن ان عملية التشاور لا تمثل توافق مجتمعي، فلا هى معلنة، ولا هى متاحة للمشاركة العامة، وهو ما دفع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة يطالب فيها بإعلان شروط القرض لتحقيق الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات وخلق حوار مجتمعي.
رابعًا: إن سياسات التقشف التابعة الموصى بها بـ”شراكة دوفيل”، من تقليص دور الدولة في الإنفاق على الخدمات العامة، وتسليعها، وخفض الدعم على السلع الغذائية، والوقود، والذي يأتي في سياقها قرض صندوق النقد، ستقوم بانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وخاصة الفقراء والمهمشين منهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والعيش الكريم.
خامسًا: يمثل القرض من وجهة نظر المركز رجوعا إلى للسياسات الاقتصادية القديمة أدت إلى التهميش الاجتماعي والإفقار الاقتصادي للشعب ، وتفكيك بنية القطاع العام بل ستساعد على تعميقها.
سادسًا: يأتي هذا القرض فى ظل غياب خطة اقتصادية واجتماعية شاملة وواضحة تتناول المشاكل الهيكلية للاقتصاد المصرى، ورؤى كيفية التغلب عليها.