منذ أن اندلعت الثورة، واستطاع الشعب المصري إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، والأزمات تتوالى على البلاد فلا تكاد تنتهي أزمة حتى تبدأ أخرى ثم تعود الأولى من جديد وهكذا تعودنا على الأزمات وكأنها أصبحت جزءا منا وأصبحنا جزءا منها.
ومع توالي هذه الأزمات، فإن بعض أفراد الشعب المصري يفتقد لحسن التصرف والتفاعل معها، ويأتي ليعترض عليها فيتعامل معها بخطأ أكبر فتشتعل الأزمة وتتفاقم، وواقعة الفيلم المسئ للرسول خير شاهد على ذلك، حيث أحرقت السفارات من قبل البعض، وجاءت حادثة قطار أسيوط دليلا قويا، والذي تبعه بعض المصريين بتعطيل القطارات بالعديد من المحافظات عن السير، وانهيار العقارات وأخيرًا كانت حادثة حرق مقرات حزب الحرية والعدالة اعتراضًا على قرارات الرئيس محمد مرسي، وغيرها الكثير.
وقد أرجع نفسيون واجتماعيون هذا الأسلوب في التعامل مع الأزمات إلى طبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب المصري، والتي تتميز بعدم الوضوح والتخبط، في حين فرق بعضهم بين المصريين الحقيقيين والبلطجية المأجورين الذين لازالوا يعملون لصالح النظام القديم، ويشعلون الأزمات وتساعدهم قنوات الإعلام المضلل على ذلك.
صراع بين القديم والجديد
فيما قالت الدكتورة عزة عبد الكريم أستاذ علم الاجتماع ، "يجب أن يعلم الجميع أننا الآن في مرحلة انتقالية، فيها صراع بين القديم والجديد، والقديم لا يزال يضع قبضته على الإساءة للبلد، وسيظل يعمل بكل قوته، أملا في تحقيق مراده، وإحداث الفوضى، التي تحقق مصلحته".
وأشارت "عبد الكريم" إلى أن الشعب المصري يتعامل مع الأزمات بمنتهى القوة والحزم، ويقف الجميع جنبًا إلى جنب، يدًا واحدة ، وأكبر دليل على ذلك ثورة يناير، والكثير من الأحداث الجسام التي مرت على مصر، كحادثة الزلزال.
الطرف الثالث سبب الأزمات
وأكدت "عبد الكريم" أن سبب الأزمات في مصر، هو وجود جماعة ملتصقة بالنظام السابق، والتي تسمى الطرف الثالث، وهم ينتهزون الفرصة لإحداث أي أزمة في البلاد ولعمل انهيار وفتنة، والتي أسهل ما فيها حدوثها وقت الأزمات.
وأضافت: أن هذا الطرف المدرب يدخل في الوقت المناسب للإساءة إلى الثورة، والشعب المصري، ولا يهمه مصلحة الوطن، مؤكدة على ضرورة الفصل بين الشعب وأفراده الحقيقيين، وبين البلطجية والمعارضة.
وسائل الإعلام تساهم في إشعال الأزمات
وأشارت "عبد الكريم" إلى أن وسائل الإعلام المضللة هي من أكبر الجهات التي تساهم في اشتعال الأزمة، نتيجة لتعميمها وكذبها على الشعب، وتزييفها للحقائق.
وأوضحت أن تلك القنوات هي التي دمرت نفسية الشعب المصري، وهى السبب في إصابته بالاكتئاب والقلق والشك وعدم الرضا على ما يحدث بالشارع المصري.
ولفتت أستاذ الاجتماع إلى وجود تطور في البلاد، إلا أنه بطىء لوجود وسائل الإعلام المضللة، ووجود الطرف الثالث، الذي يعرقل المسيرة ويزيف الحقيقة، ويشعل الأزمات.
يجب ألا نقابل الخطأ بالخطأ
وقال سامي أحمد، صحفي، "لا أؤيد سياسة التعامل مع الخطأ بالخطأ، ولكن علينا محاولة إصلاح ذلك الخطأ"، مشيرًا إلى أن رد الفعل الخاطئ، لا يساهم في حل الأزمة، وإنما يساعد على تفاقمها.
ووافقته الرأي إيمان السيد، معلمة، حيث رأت أن إدارة البلاد إذا كانت تخطئ في بعض الأمور، فًإن ردود أفعال بعض أفراد الشعب الخاطئة، تعرقل مسيرة الإصلاح، ولا تعطى الفرصة للدولة في السير نحو الديمقراطية.
وضرب سامح سعيد، طالب، مثالا لما حدث أمس في مقرات الحرية والعدالة من اقتحام، سبقه حريق مكتب الجزيرة، والمدرسة الفرنسية، معقبًا :"إذا ظل الحال كذلك فإن الصورة الحسنة التي أوشكت أن تنطبع في أذهان العالم عن مصر ستمحى".
وتساءل قائلا: "لا أعرف ما علاقة مقار الحرية والعدالة بالاعتراض على قرارات الرئيس، وما علاقة مكتب الجزيرة بإحياء ذكرى محمد محمود؟".
طبيعة المرحلة
أشار دكتور محمد محمود، أستاذ علم اجتماع بمعهد الخدمة الاجتماعية، إلى أن ما يحدث رد فعل طبيعي من سياسات يراها المجتمع على أرض الواقع، ونتيجة للضغوط الكثيرة التي يتعرض لها، فيتبعها بتلك السلوكيات، والتي قد تبدو أمامه صحيحة.
وأضاف: لا يوجد شخص بطبيعته عدواني، أوشعب مثير للشغب، لكن عندما يجد أن الأزمة التي يعيش فيها لا حلول لها، فإنه يلجأ إلى ذلك.
ووافقه الرأي الدكتور محمد خليل، أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية، حيث قال إن طبيعة ردود الأفعال العنيفة ليست حقيقية، ولكن نتيجة حالة الاضطراب الموجودة في البلاد بعد الثورة، وطبيعة المرحلة التي نعيشها، والتي تتسم بضياع المعيارية، وضياع القوانين، والانفلات القانوني، وشعور المواطن بسيادة قانون الغابة، والفوضى التي أراد أن يحققها "مبارك" حينما قال أنا والفوضى من بعدي.
تواجد الثقة وتحقيق العدالة
وأكد "نبيل" أن الحل يكمن في إيجاد الثقة بين الشعب والحكومة، لكي يستطيع التعاون معها، وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالشعور بالعدالة الاجتماعية، لأنه لا بد أن يدرك الشعب أن الحكومة تعمل جاهدة على تحقيق مطالب الثورة.
وأشار إلى أن إدارة البلاد عليها أن تتقن ثقافة التفاعل والحوار، وأن تحترم ثقافة الشعب وتفكيره، وأن تقوم بتعديل سلوكي، وتوضح طرق التعامل مع الشعب، وأن تتبنى أسلوب المصارحة والمكاشفة مع الشعب، والتحدث بلغتهم.