خلص تقرير لمعهد واشنطن إلى أن التدهور السريع للاقتصاد المصري قد يجعل من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي أكثر استعدادا لتقديم تنازلات وتغيير مواقفه من حيث حقوق الإنسان والسياسة الخارجية.
وبحسب التقرير الذي أعده الباحث بن فيشمان، فإن الاقتصاد المصري يواصل التدهور إلى مستويات جديدة. ولذلك فإن المعهد يقترح أن تستغل الولايات المتحدة الأزمة لزيادة نفوذها لدى السيسي وتقديم المساعدات لتغيير سياسته في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان والديمقراطية، وملف السياسة المصرية تجاه روسيا والصين وليبيا.
ويستعرض التقرير الوضع الاقتصادي لمصر ويؤكد أنه رغم وجود أسباب خارجية للأزمة الاقتصادية مثل أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا، إلا أن السبب الرئيسي لمعاناة مصر يعود إلى انتشار سوء الإدارة الاقتصادية فيها في عهد السيسي، بدءًا من التلاعب بالعملة ووصولاً إلى سوء تحديد أولويات الإنفاق والمشاريع الضخمة المُهدرة وتحكُّم الدولة والجيش غير المبرر بالاقتصاد.
وللخروج من الأزمة المتفاقمة، فقد وقّع “صندوق النقد الدولي” ومصر اتفاقيةً لمدة أربع سنوات بقيمة ثلاثة مليارات دولار في 15 يناير بعد أسابيع من التأجيل، وهي الاتفاقية الرابعة من نوعها بين الطرفين منذ عام 2016، لتصبح مصر بذلك الدولة ذات الديون الأكبر لـ”صندوق النقد الدولي” في العالم بعد الأرجنتين.
ولكن شروط الاتفاق الجديد أكثر صرامةً نظراً لأن القاهرة تجاوزت حصة الاقتراض السابقة المخصصة لها. فبالإضافة إلى اشتراط خفض الإنفاق الحكومي واتباع سياسة مرنة بشأن العملة (ما يخفّض قيمة الجنيه المصري)، ينص برنامج “صندوق النقد الدولي” على تقليص الدولة دورها في الاقتصاد إلى حدٍّ كبير، بما في ذلك المصانع والشركات المملوكة للجيش.
ومع ذلك فإن التقرير لا يتوقع أن تسير الأمور في مسارها الطبيعي، ويؤكد أنه سيكون من الصعب ضمان إنجاز الخصخصة بشفافية نظراً للأسلوب الاستبدادي الذي تنتهجه الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أنه عندما أعلن وزير المالية المصري عن تخفيضاتٍ جديدة في الإنفاق في مختلف الوزارات الشهر الماضي، فإنه استثنى منها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والصحة.
المعضلات المستقبلية
ربما تكون أصعب معضلة يواجهها السيسي حالياً هي تحديده إلى أي مدى سيجازف بإغضاب مناصريه الأساسيين في الجيش، من خلال بيع الشركات التي يديرونها أو خفض إنفاقهم على السلع المتطورة مثل الغواصات والطائرات المقاتلة المتقدمة. فحتى إذا خفّض عمليات الخصخصة إلى حدّها الأدنى، فإنه سيتعين عليه فرض ضريبة أكبر على الشركات التي يديرها الجيش تنفيذا للاتفاقية الجديدة لـ”صندوق النقد الدولي”. فما هو عدد الامتيازات الاقتصادية التي سيفقدها الجيش قبل أن تتعرض قيادته للتهديد؟ وكان السيسي قد استبدل أساساً عدداً كبيراً من كبار الجنرالات على مدى العام الماضي ووضع فرع استخبارات الجيش تحت سلطته المباشرة.
أما في ما يتعلق بالمعارضة الشعبية، فقد يكون السيسي واثقا من أنه يستطيع السيطرة على الاحتجاجات بالقمع بالرغم من التدهور السريع في الظروف المعيشية. فالاحتجاجات الشعبية التي كان من المتوقع أن تندلع خلال “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” في شرم الشيخ (COP27) الذي انعقد في نوفمبر لم تحدث أبداً، ولكن ثمة إشاراتٍ تدلّ على ازدياد المعارضة، لا سيما عبر الإنترنت.
وقد يعتقد السيسي أيضاً أن بإمكانه الاعتماد على دعم دول الخليج إذا أصبح الوضع خطيراً للغاية، إلا أن قطر والسعودية والإمارات لم تف إلا بجزء ضئيل فقط من المليارات التي تعهدت بها لحكومته في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فلم تحضر السعودية والكويت القمة التي انعقدت في 18 يناير الجاري في دولة الإمارات مع مصر والأردن، ما قد يشير إلى تراجُع دعم الدول المانحة للسيسي.
وقد يحسب السيسي أن أصدقاءه في دول الخليج سيستمرون في إنقاذه إذا تأزّمت الأمور – بعبارةٍ أخرى، أن مصر أكبر من أن تفشل (مجدداً). ولكن عندما تصل الأزمة إلى هذا الحد، فستصعب الاستفادة من التمويل الخليجي الإضافي في الوقت المناسب لعكس مفاعيل الأزمة.
زيادة نفوذ
في ظل هذه الأوضاع يقترح التقرير أن تضع واشنطن استراتيجية أكثر شموليةً تجاه مصر تشمل تقديم مساعدات اقتصادية أكبر، وتسهيل الاستثمار من خلال ضمانات القروض، ودراسة خيارات الإعفاء من القروض، والاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة على “صندوق النقد الدولي”. وقد يكون من المفيد أيضاً الطلب من الشركاء الخليجيين النظر في طرق للحد من اعتماد مصر على المساعدات. وذلك في مقابل أن تتقبل القاهرة إحداث تغيير كبير في سياساتها بشأن روسيا والصين وحقوق الإنسان وليبيا.
بالنسبة لروسيا يقول التقرير إن السيسي حافظ حتى الآن على موقف حيادي بشأن الحرب في أوكرانيا لتفادي استفزاز موسكو ودفعها إلى قطع خط التجارة والمبيعات العسكرية والسياحة. على سبيل المثال، تقوم إحدى الشركات الروسية ببناء محطةٍ لتوليد الطاقة النووية بقيمة 30 مليار دولار في مصر، بتمويلٍ كبير من موسكو، بينما وضعت شركات روسية أخرى قدمها في المنطقة الصناعية في السويس. وحاولت موسكو تسهيل التجارة ودعم الجنيه المصري بربطه بالروبل. ومع ذلك، فلا يزال بإمكان الولايات المتحدة إبعاد مصر عن روسيا من خلال تقديم حوافز إضافية إذا تفاقمت الأزمة.
أما بالنسبة للصين فيجب أن تُحذّر إدارة بايدن مصر من التقرب جداً من الصين للحصول على الدعم. فالتاريخ يُظهر أن الاستثمارات الأجنبية الصينية غير موثوقة ومشروطة باستيراد العمال الصينيين في غالب الأحيان، ولن يساعد ذلك السيسي في معالجة معدلات البطالة المرتفعة في مصر. علاوةً على ذلك، فقد تؤدي شروط القروض الصينية إلى إغراق القاهرة في المزيد من الديون.
وفي ملف حقوق الإنسان فإن حكومة السيسي تعد من أكثر الحكومات انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم.
وقد يركز النهج الأكثر فاعلية على كيفية قيام الولايات المتحدة بتسهيل الاستثمار في البلاد حالما يتحسن وضع الحريات المدنية فيها بشكلٍ ملموس.
وفي الملف الليبي يقول التقرير إن مصر لا تزال تشكّل عائقاً كبيراً أمام إرساء الاستقرار في ليبيا. فبعد أن دعمت القاهرة خليفة حفتر في مغامراته العسكرية الضارة ضد طرابلس بين عامَي 2014 و2015 وأيضاً بين عامَي 2019 و2020، فإنها ترفض القاهرة اليوم الاعتراف بـ”حكومة الوحدة الوطنية” أو الانضمام إلى الاتفاقات الدولية التي تحدد الخطوات المستقبلية في هذا الصدد. ويجب على إدارة بايدن تغيير مسار الحوار بشأن ليبيا ولفت انتباه القاهرة إلى الفوائد الاقتصادية التي تنجم عن تعزيز بناء دولةٍ مجاورةٍ مستقرة لا تعاني من صراعٍ دائم.