قال الباحث في العلاقات الخارجية ديفيد أغناطيوس في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن ترامب استدعى السيسي وملك الأردن للقاء في البيت الأبيض الأسبوع المقبل، بالتزامن مع تصريحاته حول تهجير أهالي غزة.
واضاف:”يقترب الرئيس دونالد ترامب، الذي قال إنه يريد إنهاء حروب الشرق الأوسط، من التورط في أزمة جديدة وخطيرة مع حديثه عن طرد الفلسطينيين من غزة والاستيلاء على القطاع لصالح الولايات المتحدة”.
وقال في ديفيد أغناطيوس تقريره:
أثارت هذه الفكرة المذهلة قلقًا سريعًا وحادًا يوم الأربعاء، لدرجة أن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، سارعت إلى توضيح أن ترامب لا يخطط لتمويل هذا المشروع أو إرسال قوات أمريكية.
حتى إذا كان الترحيل ممكنا .. لم تظهر أي دولة أخرى في المنطقة استعدادها لتقديم دعم مالي أو عسكري – لذلك فأن هذا الاقتراح يعني الفراغ التام في السياسة الخارجية.
وقد أحدثت خطة ترامب بشأن غزة ضجة هائلة في الشرق الأوسط، فقد سارعت السعودية والإمارات إلى إصدار بيانات ترفضها، بينما أبلغت مصادر أردنية عن بدء احتجاجات صغيرة هناك.
كما أثار هذا الإعلان مخاوف من اندلاع احتجاجات داخلية أو ما هو أسوأ في الولايات المتحدة، فبعد نحو خمس ساعات من تصريحات ترامب، أرسلت وزارة الأمن الداخلي رسالة تحذيرية إلى مسؤولي إنفاذ القانون المحليين والولائيين، محذرة من المخاطر المحتملة بسبب “تغييرات في الموقف الأمريكي بالمنطقة”.
وجاء في رسالة الوزارة: “في الماضي، أدت هذه القضية في السياسة الخارجية إلى احتجاجات في جميع أنحاء البلاد… نحن على علم بإمكانية اندلاع المزيد من الاحتجاجات في الأيام المقبلة… وإذا تحولت إلى العنف، فإننا نتوقع منكم اتخاذ إجراءات في ولاياتكم ومناطقكم. وزارة الأمن الداخلي ووكالاتها الشريكة مستعدة لتقديم الدعم والموارد اللازمة لتطبيق قوانين أمتنا”، وحصلتُ على نسخة من الرسالة من شخص استلمها.
كمثال على إمكانية وقوع أعمال عدائية، كان هناك تداول على الإنترنت يوم الأربعاء لدعوة من مجموعة تُدعى “المقاومة الإسلامية الإلكترونية” لشن هجمات إلكترونية على البنوك الأمريكية احتجاجًا على إعلان ترامب، وفقًا لرئيس إحدى المنظمات التي تراقب الأنشطة المتطرفة عبر الإنترنت.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تتعافى من خمسة عشر شهرًا من الحرب، كان اقتراح ترامب بالاستيلاء على غزة بمثابة صدمة كبيرة، وقد تم استدعاء قادة مصر والأردن – وهما الدولتان اللتان ذكرهما ترامب كمواقع محتملة لإعادة توطين الفلسطينيين – للقاء ترامب في واشنطن الأسبوع المقبل.
إنهم يخشونه، كما يبدو أن معظم العالم يخشاه بعد أسبوعين من التهديدات والإجراءات، لكنهم أكثر قلقًا من خطر الاضطرابات الداخلية التي قد تلي تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهم.
وحذر مسؤول استخباراتي عمل لعقود في المنطقة من أن “هذا سيؤدي إلى اضطرابات كبيرة في مصر والأردن”، مشيرًا إلى أن هذه الفوضى قد تمتد إلى إسرائيل، مما يؤدي إلى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية وعلى الحدود الإسرائيلية.
وأضاف المسؤول متسائلًا: “لماذا تصدرون حماس إلى دول تعتبر ضرورية لأمن إسرائيل؟”.
هذه الدول بدورها تستعد للأسوأ، فقد أرسل مصدر مصري مقرب من جهاز الاستخبارات المحلية رسالة إلى صديق قال فيها: “إذا حدث تهجير قسري إلى سيناء، فستتحرك مصر عسكريًا.. لقد بدأوا بالفعل في عسكرة سيناء منذ مايو”.
جاء اقتراح ترامب بالاستيلاء على غزة بشكل مفاجئ، حتى للمسؤولين الإسرائيليين في الاستخبارات والأمن، لكن بالنظر إلى الوراء، كانت هناك إشارات منذ شهور إلى أن هذه الفكرة ترسخت في ذهن رجل الأعمال العقاري السابق.
فقد قال جاريد كوشنر، صهر ترامب الذي يدير الآن صندوق استثمار بمليارات الدولارات مدعومًا من السعودية، في منتدى بجامعة هارفارد عبر الإنترنت قبل عام، إن “الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة عالية جدًا”.
وأضاف: “من وجهة نظر إسرائيل، سأبذل قصارى جهدي لنقل السكان إلى الخارج ثم تنظيف المكان”، رغم أنه تحدث عن نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب الإسرائيلية بدلًا من الأردن أو مصر.
ثم في سبتمبر، ذكر ترامب فكرة الترحيل خلال اجتماع مع زعيم خليجي كان يزوره في مارالاغو، وفقًا لمصدر عربي مطلع على الاجتماع.
كان الأردن، الذي قد يكون الأكثر تأثرًا باضطرابات ناتجة عن هذا الاقتراح بسبب عدد سكانه الكبير من الفلسطينيين، يبحث عن معلومات يوم الأربعاء، لكن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي لم يتمكنوا من تقديم أي توضيح، لأنهم لم يكونوا على علم بالأمر، وفقًا لمصدر مقرب من الأردنيين، كما لم يحصل مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في الخارج على أي تحذير مبكر.
يعدّ اقتراح ترامب المتقلب أحدث مثال على إدارة تبدو، في اندفاعها العشوائي لإحداث تغييرات، غافلة عن تداعيات ذلك على الأمن القومي.
فقد تلقى ضباط وكالة المخابرات المركزية حول العالم عروض إنهاء الخدمة يوم الثلاثاء في إطار ما وصفه المدير جون راتكليف بأنه جهد “لتقليص عدد الموظفين وضخ طاقة جديدة في الوكالة” ويبدو أنه لم يؤخذ في الاعتبار التأثير المحتمل لهذه التخفيضات العشوائية في الوظائف على عمليات الوكالة – في وقت تزداد فيه حالة عدم الاستقرار عالميًا، فقد ابلغني مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية أن العديد من رؤساء المحطات الخارجية اتصلوا بهم هذا الأسبوع بحثًا عن وظائف.
من الصعب استبدال ضباط يمتلكون مهارات نادرة مثل إتقان الروسية أو الصينية أو العربية، ويخشى المحاربون القدامى في الوكالة من أن حالة التخبط داخلها ستزداد مع تعيين مايكل إليس، أحد الموالين لترامب الذي يفتقر إلى الخبرة الاستخباراتية، نائبًا لراتكليف يوم الاثنين.
وتمتد الاضطرابات التي أحدثها ترامب عبر أجهزة الأمن القومي، فعملاء الـFBI، الذين يركزون عادة على مكافحة الإرهاب والتجسس، يقضون وقتهم الآن في التحقيق مع الأشخاص المتورطين في الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، كما يبحث العديد من عملاء الـFBI عن وظائف أخرى، وفقًا لمسؤولين سابقين.
كما تلقى ضباط وكالة الأمن القومي (NSA)، الذين ينتجون ربما أكثر المعلومات الاستخباراتية حساسية وأهمية للولايات المتحدة، عروض إنهاء الخدمة ايضاً.
تبدو سياسات ترامب في الشرق الأوسط غير مستقرة يومًا بعد يوم، فهو كثيرًا ما يتفاخر بالقضاء على تنظيم الدولة، لكنه أشار الأسبوع الماضي إلى أنه يفكر في سحب القوات الأمريكية الخاصة التي تعمل على منع عودة التنظيم الإرهابي في سوريا، قائلًا: “سوريا في حالة فوضى… لا يحتاجون إلى تدخلنا”، ولكن من سيتعامل مع هذه المشكلة؟.. يبدو أن إدارة ترامب لا تملك أي فكرة وفقا لتصريحاتهم العلنية.