في مصر أضاعت النخبة السياسية لحظة تاريخية إرتبك فيها النظام العسكري الذي يحكمنا منذ عقود – بثورة 25 يناير – و لم تستغلها لإسقاط النظام بالكامل . سمحت للمؤسسة العسكرية بامتصاص صدمة الثورة و التخطيط لإحتوائها و إعادة بناء النظام الفاسد مرة أخرى و إتبعت الخطة المرسومة . التفاصيل معروفة و النتيجة أن هذه النخبة أعادتنا للحظة المواجهة مرة أخرى بوضع مختلف . فالنظام قد تعلم دروس الثورة و أعد نفسه لمواجهة ما يترتب على الإنقلاب العسكري و المؤسسة العسكرية في المواجهة لحماية عودة النظام . المعركة معركة وجود بالنسبة له و قد أثبت أكثر من مرة أنه مستعد للقتل لحماية مشروعه .
قبل فض رابعة كان موقف الثورة ضد الإنقلاب قويا بقدر كاف .. يسيطر المتظاهرون على منطقة عسكرية كاميرات يومية عند مواقع حساسة كالمخابرات الحربية .. كان هناك إعتصام على الأقل . بدا أن الوضع مناسبا لإتفاق سياسي يتنازل فيه كل طرف بعيدا عن المعركة الصفرية . و لكن قيادة التحالف لم تكن قادرة على تقديم تنازلات يرغب بها العسكر و أكدت المعركة الصفرية . تم فض إعتصام رابعة و سالت الدماء و مرت فترة من المظاهرات المحدودة اليومية قوبلت بالإمتناع عن القتل . كانت الرسالة أن أي تصعيد خارج نطاق السيطرة سيواجه بالقتل , حدث هذا يوم 6 أكتوبر و يوم الجمعة الماضية عند بداية مرحلة حرب اللاعنف التي أعلن عنها التحالف . لا يمتلكون ردا آخر سوى القتل .. على حرق المركبات أو الصمود في الشوارع .. هي معركة صفرية أداتها الوحيدة القتل .
في المقابل أعلن التحالف أن خياره الوحيد لإسقاط الانقلاب هو السلمية , و عندما يتحدث السياسي عن " الخيار الوحيد " إعلم أن خطأ ما يحدث . يتم ربط السلمية بإسقاط الإنقلاب إعتمادا على نماذج تاريخية مثل الثورة الإيرانية التي إستمرت سلمية حتى اللحظة النهائية و نجحت السلمية في زعزعة النظام فعلا . و لكن هذا المنطق يحوي ثغرة كبيرة و هي أنك لست الوحيد الذي قرأ هذا النموذج فمن المؤكد أن خصمك درسه أيضا و أعد العدة لمواجهته . هذا فضلا عن وجود النموذج السوري الناجح – حتى الآن في حماية رأس النظام – و ربما يجعله ينجو من الدماء في النهاية بإتفاق سياسي إذا لم ينجح الثوار في الوصول إلى بشار و القصاص منه .. فلم يستسلم لسلميتك ؟الحقيقة أن " الخيار الوحيد " لا يتفق حتى الآن مع الأهداف المعلنة من قبل التحالف و الحديث المتكرر عن ترنح الإنقلاب و قرب سقوطه لا يعدو كونه وسيلة للحفاظ على صمود المتظاهرين في الشارع دون تحديد النهاية المتصورة لهذا التظاهر . ربما إكتشفت القيادة السياسية للتحالف أن النهاية لن تكون إلا باتفاق سياسي يحوي تنازلات متبادلة و لكن تقف الدماء عقبة أمام هذا السيناريو فلم تقدم التنازلات الآن بعد قتل الآلاف بينما كنت قادرا على تقديمها قبل الدماء و من موقع أقوى ؟
لم توجد منذ البداية رؤية إستراتيجية واضحة تتفق مع الأدوات التي تمتلكها قيادة التحالف لخوض هذا الصراع و هذا أحد أوجه أزمة القيادة التي نعانيها . فبينما وضعت خطوطا حمراء لتحركها في مواجهة خصم لا خطوط مماثلة لديه حددت أهدافا تتجاوز هذه الخطوط بكثير . و يصبح الوضع إما الإستمرار في التظاهر مع التصعيد مع خطورة إحتمال إنفلات الأمور إلى المساحة التي لا يريد التحالف الوصول إليها و هو المرجح لأن الإنقلابيين لا أخلاق و لا حدود لهم . أو إبرام إتفاق لا يتناسب مع الثمن الذي دفعه الثوار و هو ما لن يقبله الشارع بالتأكيد .
و بعيدا عن كل الجدل و الشكليات نريد أن نرسي قاعدة .. أي نهاية لهذا الصراع لا تؤدي إلى إعادة هيكلة مؤسسات السلاح ووصول الثورة إليها تعني أن كل الدماء قد ذهبت هدرا و خرج الثوار دون أن يحققوا شيئا حتى لو عاد مرسي رمزيا . إما أن يتم هذا من خلال إتفاق سياسي أو عن طريق فرض الأمر الواقع يجب أن يتم و في المقابل – كما أرى – يمكن التنازل عن أي شيء سواء عودة مرسي أو مجلس الشورى أو حتى الدستور . و عندما يتم طرح هذه الفكرة على الإنقلابيين و المجتمع الدولي سيبين حجم الرفض لها و التمسك بمؤسسات السلاح في أيديهم حقيقة الصراع و يعيدنا إلى أرض الواقع مرة أخرى … و هي تقول ان الحقوق لا تستجدى.
المصدر – رصد