احتفى الليبيون أمس بالذكرى الثالثة من عمر ثورة 17 فبراير، التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وبدأ الغضب العام لدى الشعب الليبي من القذافي، في عام 2006 بعدما قرر استخدام القوة آنذاك لمواجهة متظاهرين تجمعوا لإحياء ذكرى شباب ليبيين قتلوا برصاص الأمن أمام القنصلية الإيطالية في بنغازي عام 2006 خلال احتجاجهم على نشر رسوم غربية تسيء إلى الإسلام.
وبدلا من أن يحتوي القذافي موقف المتظاهرين والاقتصاص من قتلة أقاربهم عام 2006، أرسل القذافي ارتالاً من القوات لقمع المحتجين.
42 عامًا كاملة قضاها العقيد معمر القذافي على رأس السلطة في ليبيا، بعد إطاحته بالملك إدريس السنوسي في عام 1969، وظل العقيد يوهم شعبه بأنه ليس رئيس ليبيا وأنه مجرد "قائد الثورة الليبية" وأن الشعب هو الحاكم.
وملّ الليبيون من تلك السياسة التهميشية الاستبدادية فكان اندلاع ثورتهم في 17 فبراير 2011 على غرار ما حدث في مصر وتونس من إطاحة للرئيسين مبارك وبن علي، وظهر القذافي على الشاشات محذرًا المتظاهرين وواصفًا إياهم بـ"الجرذان" وأن "الملايين ستدافع عنه"، وجلب القذافي "المرتزقة" من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وتحوّلت الثورة السلمية إلى حرب مسلحة انشق فيها الجيش بسبب عناد القذافي وتمسكه بالسلطة.
وفي 20 أكتوبر 2011، يلقى العقيد القذافي مصرعه على يد الثوار في مشهد رآه العالم أجمع بين مؤيد ومعارض، بعد أن تدخل حلف الناتو وواشنطن في الإطاحة بنظام العقيد، ورحل القذافي تاركا ليبيا- التي تبلغ مساحتها نحو 1.7 مليون كم- تتجه نحو المجهول، خصوصًا مع انتشار السلاح في أيدي الثوار والذي تجاهد حكومة علي زيدان حتى الآن من أجل نزعه منهم لإعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد.
وبدأت قيادة ليبيا ما بعد القذافي بالمجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل، وزير العدل في حكومة القذافي الذي انشق عن نظام العقيد وانضم إلى ركب الثورة، إلا أن مجلسه الانتقالي لم يستطع إحكام الوضع الأمني، ما أدى لاغتيال اللواء عبدالفاتح يونس، أحد رموز انقلاب 1969 والذي أصبح لاحقًا رئيس أركان جيش التحرير الوطني الليبي الذي شكّله الثوار للإطاحة بالقذافي، واتجهت أصابع الاتهام لرموز القذافي تارة ولمصطفى عبدالجليل تارة أخرى بسبب ما وصفه البعض بـ"الخلافات الداخلية" بالمجلس الانتقالي.
وانتخب الليبيون البرلمان الذي ضم إسلاميين وقوميين وانتقلت السلطة لرئيس البرلمان محمد يوسف المقريفي، ومن بعده نوري أبوسهمين الذي اتهمه البعض بأنه مدعوم من جماعة الإخوان وهو ما نفاه أبوسهمين في حوار لصحيفة "الشرق الأوسط".
واستمرت الأعمال المسلحة للمليشيات، والتي شملت قتل وخطف ضباط ودبلوماسيين وتفجير مقار دبلوماسية، بل امتدت لخطف رئيس الوزراء الليبي نفسه علي زيدان، والذي أطلق المسلحون سراحه بعد أيام، وهو ما يوضح ضعف القيادة الليبية في مواجهة تلك المليشيات.
وما أظهر ضعف الدولة الليبية، البيان الأخير للواء خليفة حفتر، قائد القوات البرية الليبية السابق والذي انشق عن نظام القذافي منذ الثمانينات، حيث أعلن حفتر في بيانه يوم 14 فبراير 2014 عن تجميد البرلمان الليبي قائلاً إنه لا يقصد "الانقلاب العسكري وإنما الانحياز للشعب الليبي"، ومن جانبه أعلن الجيش الليبي وقوفه على الحياد من بيان حفتر مطالبًا باعتقال الأخير، وعكست تلك الخطوة مدى "التخبط السياسي" الذي تشهده الساحة الليبية إذ أنه لا توجد حتى الآن قيادة قوية محددة يلتف حولها الشعب الليبي وتكون هي مصدر القرارات الثابتة المستقرة.
ويأمل الليبيون أن يكون يوم 20 فبراير الجاري نهاية للفوضى السياسية والانفلات الأمني الذي تشهده البلاد منذ الإطاحة بالقذافي، إذ أنه من المقرر في ذلك اليوم أن يتم انتخاب الجمعية التأسيسية التي ستضع دستور البلاد.