قالت «شبكة الجزيرة» إنّ التونسيين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة، وإلغاء التدابير التقشفية الصارمة التي تسببت في رفع الأسعار والضرائب، هاتفين هتافات مناهضة للخطط الاقتصادية الأخيرة للحكومة التونسية. ويرى هؤلاء المواطنون أنّ الوضع الاقتصادي ازداد سوءًا في تونس منذ الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي. لذا؛ ما هو السبيل الذي يمكن أن تتبعه الحكومة التونسية من أجل الخروج من مأزقها الحالي؟
وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، قال أحمد عمار، ناشط حقوقي وسياسي، إن الحالة الاقتصادية الحالية تسببت في خنق التونسيين، مضيفا أن المواطنين يشعرون بالإحباط، ويتحملون العبء المالي الأكبر، خاصة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة، في حين يُعفى رجال الأعمال والشركات.
ووفقا لخطة الميزانية الأخيرة، ازدادت الضرائب على السلع الأساسية مثل الغذاء والبنزين، في حين بلغ معدل البطالة 15.2% في العام 2015، وذكرت الأرقام أن حوالي 10% من سكان المناطق الحضرية عاطلون عن العمل، أما في المناطق الريفيبة بلغ معدل البطالة حوالي 26%.
وفي يناير 2017، بلغ معدل التضخم 3.8%، وتضاعف بحلول نهاية العام إلى 6.4%، وتوقع أيمن صالح، محلل البيانات والناشط في المجتمع المدني، أن يرتفع هذا المعدل إلى 12% بنهاية العام الجاري، مضيفا أن القوة الشرائية تزداد تدهورا، والموال تقل قيمتها باستمرار.
ضغوط صندوق النقد
قال نشطاء إنّ قرض صندوق النقد الدولي، كان احد الأسباب الرئيسية في اتخاذ الحكومة التونسية تدابير تقشفية، ففي عام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على اتفاق مدته أربع سنوات لتمويل الحكومة التونسية بقرض 2.8 مليار دولار، بشرط إعادة هيكلة البنوك العامة، واستقلال البنك المركزي واعتماد استراتيجية ضريبية لتعزيز العدالة.
لكنّ المرصد التونسي للاقتصاد والذي يراقب سياسات الهئيات المالية في تونس، أعلن في أغسطس الماضي، أن صندوق النقد الدولي، يمارس ضغطا متواصلا على البنك المركزي التونسي لتخفيض قيمة الدينار.
ومنذ أن وقعت تونس على قرض لصندوق النقد الدولي في عام 2014، حتى مراجعة صندوق النقد الدولي في يوليو 2017، فقدت العملة التونسية 49% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، ويضيف المرصد، أن تخفيض قيمة الدينار سيساعد على سد الفجوة في العجز الميزان التجاري التونسي، عبر جعل الصادرات أكثر قدرة على المنافسة، بجانب زيادة أسعار الواردات؛ مما يقلل من مستوياتها بشكل عام.
لكنّ المجموعة أعادت التأكيد، مؤخرا، على أن تخفيض قيمة الدينار كان له أثر معاكس، حيث زاد العجز وتراجعت التجارة بمقدار 1.1 مليار دولار في 2016 وحده، وقال «شفيق بن روين» رئيس المرصد، بذلك دخلت تونس في حلقة مفرغة، فكلما زاد العجز التجاري طالب صندوق النقد بتخفيض قيمة الدينار.
وقال «جيري رايس» رئيس قسم الاتصالات في صندوق النقد الدولي، في نوفمبر، إن صندوق النقد الدولي لم يوصى أبدا بتخفيض الشركات الغذائية في تونس في إطار البرنامج الحالي.
من جهتها، تعهدت الحكومة التونسية ردا على الاحتجاجات هذا الشهر، بتعزيز المساعدات للأسر الفقيرة بـ70.3 مليون دولار، وهو استثمار قالت الدولة إن 25 ألف أسرة ستستفيد منه، وتعهدت أيضا بتقديم رعاية صحية أفضل للمواطنين، إلا أن «بن روان»، أكد أن جميع الإصلاحات الاقتصادية التي أجازها البرلمان التونسي منذ ثورة 2011 كانت إجراءات تقشفية لا غير.
وأضاف بن روبن، أن المواطنين التونسيين لا يشعرون بأن هناك أي تغيير في حالتهم المعيشية، مضيفا أن الاقتصاد التونسي تعرض لضربة أكبر بسبب انهيار قطاع السياحة في أزمة ما بعد 2015، حيث هاجم في مارس من ذلك العام، مسلحون متحف «باردو الوطني»، وهو الهجوم الذي أوقع 21 قتيلا وأصاب 40 آخرين.
ولذلك؛ انخفضت عائدات السياحة بنسبة 35% في عام 2015، مقارنة بالعام السابق، وانخفض عدد السياح بنسبة 30%.
وفي الوقت الذي شهد فيه قطاع السياحة ارتفاعا طفيفا في 2016، فإن السياح الذين اختاروا تونس، كانوا معظمهم من الجزائريين والروس، وكان تأثيرهم محدود للغاية.
كما إنّ أكثر من 35% من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما عاطلون عن العمل، وفقا للبنك الدولي، كما أعلنت الحكومة عن تجميد التوظيف في القطاع العام، وهو مصدر رئيسي للعمالة منذ حصول تونس على الاستقلال من فرنسا في عام 1956، كجزء من ميزانية عام 2018؛ وهو ما أثار غضب الشباب العاطلين عن العمل.
وتوقع فاضل علي رضا، وهو صحفي وباحث مستقل من تونس، أن تتراجع الحكومة التونسية عن بعض الإجراءات الاقتصادية التي دفعت الناس إلى الشوارع، إلا أنه وفقا لنفس الصحفي، فغن سلطتها حاليا محدودة بسبب تدخلات البنك الدولي، كما أن البرلمان التونسي أصدر مشروع قانون في إبريل 2016، يمنح البنك المركزي التونسي استقلالا اكثر عن الحكومة، ووفقا لهذا التحرك، أصبح البنك أكثر سيطرة على السياسات النقدية بعيدا عن التدخلات السياسية، إلا ان القانون تمت صياغته في الواقع من قبل صندوق النقد الدولي.
معالجة الفساد
ومن جانبه، قال صالح إن تونس يجب أن تكون جادة في معالجة الفساد والتهرب الضريبى إذا ما أرادت تحسين الاقتصاد، لا سيما الفساد في مجال الأعمال والسياسة، مضيفا أنها بحاجة أيضا إلى مراجعة السياسات الاقتصادية للدولة، وخاصة مشكلة التهرب الضريبي.
وبحسب بن روين، يجب على تونس أيضا أن تنويع علاقاتها التجارية إذا أرادت تسديد ديونها، وأضاف «نظرا لأن علاقاتنا التجارية تقوم أساسا على التجارة البحرية مع الاتحاد الأوربي، فإن كافة الأنشطة الاقتصادية تتركز على المدن الساحلية فقط».
ومن شأن تعميق العلاقات مع ليبيا والجزائر أن يساعد على الحد من العزلة الاقتصادية للمناطق الداخلية في تونس، مضيفا أنه يتعين على الحكومة أيضا أن تتطلع إلى تطوير استراتيجيتها الاقتصادية الخاصة بشكل مستقل عن المؤسسات المالية الدولية.