شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

صبرا وشاتيلا.. ذكرى تنضح بالدماء

صبرا وشاتيلا.. ذكرى تنضح بالدماء
ما بين مجزرةٍ وأخرى، تعيش فلسطين، فمنذ عشرات السنوات، وهي تعيش تحت زخات الرصاص، وبين بحور من الدماء، وكان من أشد تلك...

ما بين مجزرةٍ وأخرى، تعيش فلسطين، فمنذ عشرات السنوات، وهي تعيش تحت زخات الرصاص، وبين بحور من الدماء، وكان من أشد تلك الايام ألمًا، مجزرة "صبرا وشتيلا"، حيث مئات الفلسطينيين العزّل، من نساءٍ وأطفالٍ وشيوخ، ذبحوا بأيدي مجرمين، امتهنوا قتل الأبرياء، في زمن رديء، تُرك خلاله الفلسطينيون في الشتات وحدهم دون نصير، وفي وضح النهار، دون أن يهب "الأشقاء" للمساعدة، فبقي الفلسطيني وحده.

 

وتعود أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي يمر على ذكراها 32 عامًا إلى 16سبتمبر  1982، واستمرت لمدة ثلاثة أيام، على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية، المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني المسيحي، وجيش لبنان الجنوبي، بمساعدة من جيش الاحتلال.

 

فكانت البداية في الليلة بين يوم الثلاثاء 14 سبتمبر، ويوم الأربعاء التالي له، حيث قتل الرئيس اللبناني حينها، بشير الجميّل، في عمليةٍ تفجيريةٍ استهدفت مقر حزب الكتائب في بيروت الشرقية، فزحفت قوات الاحتلال الصهيونية فجر اليوم التالي، وفرضت حصارًا على منطقة "صبرا وشاتيلا"؛ بدعوى فرض الأمن والنظام في المخيم الفلسطيني، فقام عدد من سكان المنطقة بالتوجه إلى قوات المحتل الصهيوني، محاولين طمأنته بعدم وجود سلاح بأيدي أهالي المخيم، ولكن هيهات، الأمر الذي جعل عددًا من الشبان والشابات من سكان "صبرا وشاتيلا"، يخرجون لمواجهة الجنود الصهاينة بما لديهم من سلاح.

 

وبدأت المذبحة ما بين الساعة الخامسة، والساعة السادسة والنصف، من مساء يوم الخميس، الـ16 من سبتمبر عام 1982، ويأتي هذا الفارق لعدة أسباب، أهمها أن بعض الشهود رأوا قوات الكتائب، وهي تتجمع في المنطقة المحيطة، وتتأهب للدخول، وبعضهم تفاجأ بهذه القوات وهي داخل أحياء المخيم.

 

اعتقد الناس أن القصف الصهيوني، هو "الحدث المركزي" لذلك اليوم، فقد اعتادوا عليه طوال أشهر الصيف، خلال حصار الأيام الثمانين لبيروت، ولم يعلم المواطنون ما تخبئه لهم الساعات القليلة القريبة، فانتظروا بفارغ الصبر انتهاء القصف، وعودة الامور إلى طبيعتها.

 

ومع حلول المساء، انسحبت القلة من المقاومين، التي بقيت حتى تلك الساعة تواجه القصف المدفعي بإطلاق الرصاص من بنادق الكلاشينكوف، واتفق المقاومون على العودة إلى القتال مع بزوغ الفجر.

 

وأتى يوم الجمعة، أي يوم المجزرة الثاني، وكان حافلاً بالنشاط الدموي لمجرمي الحرب القتلة، فقد وصلتهم تعزيزات على شكل قوات إضافية من مليشيا الكتائب، فدخلوا المخيم، وبدأوا بإطلاق نداء "سلّم تسلم"، إلا أن الجثث الملقاة في الشوارع، دلّت على أمرٍ واحد، هو أن هذا النداء الذي أطلق عبر مكبرات الصوت، كان نداءً كاذبًا، وأن أفراد مليشيا الكتائب، لو استطاعوا، لقتلوا كل ما يتحرك في المخيم ومنطقته، وبالفعل أطلق المسلحون، القنابل الفوسفورية على الملاجئ، مطورين بذلك أسلوب القتل، وبالتالي عدد الضحايا، فقتل غالبية من بداخل هذه الملاجئ حرقًا، ومن لم يمت وحاول الهرب، انتظره المسلحون في الخارج، واطلقوا عليه الرصاص.

 

إحدى الأمور التي ميزت عمليات القتل هي أنها استهدفت عائلات بأكملها، وكأن قتل العائلات هو الهدف الأول لهم.

 

استمرت المجزرة طوال الـ24 ساعة التي يتألف منها يوم الجمعة، فكان بهذا أطول يوم من أيام المجزرة بالساعات، وتواصلت خلال اليوم عمليات القتل الجماعي، إما عن طريق النحر بالسيوف، أو عن طريق إطلاق الرصاص، أو عن طريق دفن الضحية حيًا في الرمال ليموت. واستمرت في هذا اليوم ايضًا عمليات النهب والسرقة والاغتصاب، حيث كانت عمليات الاغتصاب تنتهي عادة بالقتل، خاصةً عندما تكون المغتصبة فلسطينية.

 

و تراوح أعداد الشهداء ما بين 3500 و5000 شهيدًا، أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ  المدنيين، وفي ذلك الوقت كان المخيم مطوق بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي، والجيش الصهيوني، الذي كان تحت قيادة "أرئيل شارون"، وزير الدفاع بدولة الاحتلال آنذاك.

 

وبالرغم من بشاعة المجزرة، وضخامة أعداد الشهداء، إلا أن الصمت العربي كان سيد الموقف؛ فلم يحدث أي تحرك عربي، حتى ولو بلجنة لتقصى الحقائق، فلم يحقق في المجزرة سوى لجنة  "كاهانا"، التي شكلها الاحتلال، عام 1982، بعد أن تظاهر 400 ألف صهيوني؛ تنديدًا بالمجزرة، لتحمل اللجنة، "شارون"، المسئولية الرسمية عن هذه المجزرة، إلا أنه لم يمثل أمام أية محاكمة، فهكذا يكون الوضع عندما يصبح  الجلاد قاضيًا.

 

و يحكي الناجون من المجزرة، أن أغلب من استشهدوا دفنوا في مقابر جماعية، ومعظمها تحتوى على رفات الجثث غير معلومة الهوية، سوى أنهم من شهداء "صابرا وشاتيلا"، وهناك العشرات من المفقودين حتى الآن، ولازال هناك من يبحث عن أبناءه وأزواجه، الذين فقدوا منذ ثلاثين عامًا؛ جراء المجزرة.

 

فتروي "أم غازي"، أحد الناجيات من المجزرة أنه برغم مرور32 عامًا على المجزرة، إلا أنها تتذكرها كأنها البارحة، وعنها تحكي الأم التي فقدت 11 شخصًا من أفراد عائلتها: "كان يوم جمعة.. قتل يومها إخوتي وأولادي وزوجي وأصهاري، عندما دخلوا علينا كانوا 12 مسلحًا، يحملون البنادق والبلطات والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد، كان الباب مفتوحًا والبيت مزدحمًا بالنساء والأطفال والرجال".

 

وأضافت: "فصلوا الرجال عن النساء والأطفال، كانوا سيأخذون ابني محمود، وكان يومها في الثامنة من عمره، قلت لهم هذه بنت، فتركوه".

 

وأكملت: "اقتاد 4 منهم النساء والأطفال، اتجاه المدينة الرياضية، وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين.. أخرجونا من المنزل حفاة، مشينا على الزجاج المحطم والشظايا، وفي الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك، وكان يحمل أخته الصغيرة، فصرخت قائلة "باسم الله عليك"، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي "دخيلك.. لم يبق لي غيره".. طلبت منه أن يقتلني بدلاً منه، أتوسل و أتوسل، لكنه يصر على قتله".

 

وتابعت: قال إنه يريدني أن أعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري، وبينما أنا أتوسل وارتمي على بندقيته لأديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري، كنت أخبئ في "عبي"، 12 ألف ليرة، فانتبه وسألني ماذا أخبئ، قلت "إذا أعطيتك إياهم تعطيني ابني"، فقال نعم.

 

وأكملت: طلبت منه أن يقسم بشرفه، ففعل!.. أعطيته المال وأخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف، منذ ذلك اليوم ظهرت خصلة بيضاء في شعره.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023