تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات تقاربًا كبيرًا بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي.
وبادرت الإمارات بتقديم مساعدات مالية وعينية بقيمة 3 مليارات دولار، في إطار حزمة مساعدات خليجية لمصر بلغت 12 مليار دولار.
وواصلت الإمارات دعمها للاقتصاد المصري بعد توقيع اتفاقية مساعدات خلال شهر أكتوبر 2013، بقيمة 4 مليارات و900 دولار، شملت منحة بقيمة مليار دولار وتوفير كميات من الوقود لمصر بقيمة مليار دولار أخرى، إضافة إلى المشاركة في تنفيذ عدد من المشروعات التنموية في قطاعات اقتصادية أساسية في مصر من بينها بناء 25 صومعة لتخزين القمح والحبوب، وإنشاء أكثر من 50 ألف وحدة سكنية في 18 محافظة، وبناء 100 مدرسة، إضافة إلى استكمال مجموعة من المشروعات في مجالات الصرف الصحي والبنية التحتية.
ووفقًا للبنك المركزي المصري تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول من حيث الاستثمارات العربية المباشرة الموجودة بمصر، بقيمة 401.2 مليون دولار، تليها السعودية في المركز الثاني، باستثمارات 284.4 ملايين دولار.
وفيما يتعلق بترتيب الدول من حيث الأهمية النسبية لحجم التجارة مع مصر، قال "المركزي"، إن الإمارات احتلت المركز الأول بنسبة 8.9% من الإجمالي، يليها الولايات المتحدة بنسبة 8.1%، ثم السعودية 7.8%، ثم إيطاليا 7.2%، فالصين الشعبية 6.4%.
شكلت المساعدات النفطية التي قدمتها الإمارات لمصر أهمية كبيرة للاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة حادة في الطاقة.
كما تعد الإمارات من أكثر الدول على الإطلاق التي قدمت مساعدات نفطية لمصر، ويؤكد ذلك الاتفاق الذي وقعته حكومة البلدين في نهاية 2014 والذي بمقتضاه ستزود الإمارات مصر بجزء كبير من احتياجاتها البترولية حتى سبتمبر 2015، بقيمة 8.7 مليار دولار، هذا بخلاف تقديمها منح نفطية سابقة تصل قيمتها لنحو 3 مليارات دولار.
وقال محللون إن هناك أسبابًا عدة لهذا الدعم الإماراتي الكبير لمصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي ومن قبلها معارضتها للرئيس محمد مرسي.
تصدير الثورة
كشف ضابط إماراتي رفيع المستوى عن تفاصيل ما قال إنه “اللقاء السري الذي قررت فيه كل من أبوظبي والرياض الإطاحة بالاسلاميين من الحكم أينما كانوا في العالم العربي”. وتحدث الضابط الإماراتي ـ الذي رفض الإفصاح عن اسمه أو رتبته ـ حقائق مرعبة لم تنشر من قبل، وتتضمن تفاصيل دقيقة.
وبحسب التفاصيل الذي كشفها الضابط الإماراتي فإن منتدى دافوس الشهير انعقد كالعادة في شهر يناير من العام 2012 بحضور وفود من مختلف دول العالم، بما فيها الإمارات والسعودية، لكن ذلك المؤتمر كان الأول بعد ثورات الربيع العربي، حيث انعقد على هامشه لقاء سري بالغ الأهمية حضرته شخصيات بالغة الأهمية أيضًا. اللقاء بحسب الضابط تم على مائدة عشاء ودية جدًا، دعا إليها الأمير السعودي تركي الفيصل، وكان على رأس الحضور وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، أما المدعوون لتناول طعام العشاء فكان الشيخ راشد الغنوشي على رأسهم وهو رئيس حركة النهضة الذي كان حينها قد عاد لتوه من منفاه في بريطانيا إلى بلده تونس، ومعه كان رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران حاضرًا هو الآخر، أما عن الجانب المصري فلم يكن ثمة أحد حاضرًا العشاء لأن الاخوان ببساطة لم يكونوا قد وصلوا الحكم أصلاً، إذ إن اللقاء عُقد قبل ستة شهور من الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس محمد مرسي. أما مضمون اللقاء فكان الأهم، بحسب ما نشر موقع (أسرار عربية) من مصدره الذي لا يزال باقيًا حتى الآن في أبوظبي، حيث سادت المجاملات والأحاديث الودية مائدة العشاء، حتى بدأ الأمير تركي الفيصل حديثه مخاطبًا الشيخ راشد الغنوشي، حيث قال للغنوشي صراحة: "أنتم الإسلاميون وصلتم إلى الحكم لكنكم لن تستمروا فيه ما لم تحصلواعلى دعمنا السياسي والمالي، وهذا الدعم السياسي والمالي لا يمكن أن تحصلوا عليه إلا بثلاثة شروط.
أما الشروط الثلاثة التي حددها الفيصل أمام الغنوشي على طاولة العشاء فكانت كما يلي: أولا: الابتعاد عن إيران والتعامل معها كعدو، ثانيًا: أن لا تصدروا ثوراتكم للآخرين ولا تتدخلوا في شؤون الخليج الداخلية، أما ثالثًا، وهي الأهم، فعليكم أن تنسوا الديمقراطية في بلدانكم لأنها لا تتناسب مع مجتمعاتنا العربية وتسبب لنا الكثير من المتاعب والمشاكل. دار الكثير من الحديث بين الجالسين في ذلك اللقاء السري، أو العشاء السري، حيث أكد الشيخ عبد الله بن زايد على كلام صديقه تركي الفيصل، وعلى الشروط الثلاثة، أما الغنوشي فرد على الشروط الثلاثة بقوله: أما ايران فموقفنا تجاهها يعتمد على مواقفها تجاهنا، ونحن الآن على خلاف معها بسبب ما يحدث في سوريا، أما الشرط الثاني فنحن ملتزمون بعدم التدخل بالشأن الخليجي، ولسنا معنيين بتصدير ثوراتنا إلى الآخرين.
لكن الغنوشي أضاف: “أما موضوع الديمقراطية فهذا ما لا نستطيع موافقتكم عليه، لأننا وصلنا الحكم بالديمقراطية وتعاهدنا مع شعوبنا عليها، ونحن ملتزمون بها التزامًا لا يمكن أن نساوم عليه أحدًا".
وبحسب المعلومات فقد كان ذلك اللقاء بمثابة “جس النبض أو بالون الاختبار” للتيار الإسلامي من أجل تحديد الموقف منه. ويقول الضابط الإماراتي إن نتائج الاجتماع المشار إليه كان مثار بحث واسع في أبوظبي بين الشيخ عبد الله بن زايد الذي كان حاضرًا، وبين الشيخ محمد بن زايد الذي يمثل الحاكم الفعلي للبلاد والآمر الناهي فيها، مؤكدًا أن الرأي استقر في النهاية –بعد التشاور مع السعوديين أيضًا– على أن السماح بوصول التيار الإسلامي إلى الحكم في دول الربيع العربي أمر يمثل خطرًا على استمرار العائلات الحاكمة في منطقة الخليج.
التخلص من الإخوان
بدأ الصدام بين الإخوان والدولة الإمارتية عقب قرار الحكومة وقف مجلة الإصلاح الناطقة باسم الإخوان عن الصدور مدة ستة شهور منذ أكتوبر1988 حتى أبريل 1989، وبعد عودتها للصدور مرة أخرى بقيت المجلة على خطها ولكن بوتيرة أكثر هدوءًا، لكنها خلال الفترة مابين 1989 حتى 1994 استمرت في الدخول في القضايا، الشائكة التي تتعارض مع التوجه العام للدولة مثل المطالبة المستمرة بترشيد السياحة وضوابطها الأخلاقية، وخطر الأجانب على الثقافة والهوية الإماراتية، مع انتقاد لبرامج وسائل الإعلام المحلية والعودة، ما بين فينة وأخرى، إلى ملف التعليم ولجنة مراجعة المناهج، حيث دعا رئيس تحرير المجلة إلى توسيع دائرة المشاركين في اللجنة الوطنية.
وفي 16 مايو 2010، عندما أذاعت قناة "الحوار" حلقة من برنامج "أبعاد خليجية" وكان موضوعها (دعوة الإصلاح في الإمارات، ماذا تريد؟) واستضافت الحلقة اثنين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وكانت هي المرة الأولى التي تقرر فيها الجماعة الظهور على الإعلام المرئي لشرح أفكارها، وتوضيح حقيقة انتمائها الفكري والسياسي والعقدي، ليصل الصدام إلى أقصاه عقب إصدار ناشطين وأكاديميين إماراتيين ينتمي غالبيتهم لفكر الإخوان المسلمين ـ بالتزامن مع ثورات الربيع العربي ـ عريضة "تعرف بعريضة الثالث من مارس2011، طالبوا فيها بإجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وبتعديل دستوري يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
وفي السنوات الأخيرة، تطور الصدام بين الإخوان والإمارات، بعد أن اعتبر الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي في أكتوبر 2012، أن جماعة الإخوان المسلمين، لا يحترمون السيادة الوطنية، ويعملون على اختراق هيبة الدول وقوانينها.
وأثارت تصريحات وزير الخارجية الإماراتي أزمة مشتعلة داخل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بمصر، فاجتمع خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة بأعضاء مكتب الإرشاد في ساعة متأخرة من ذات اليوم، لمناقشة الموقف الرسمي للجماعة من تصريحات المسئولين الإماراتيين.
وكشفت مصادر صحفية وقتها أن الشاطر قرر التوجه للإمارات بعد يومين من تصريحات الشيخ عبد الله بن زايد، حاملًا ملفًا خاصًا بأسماء قيادات إخوان مصر، وأماكن إقامتهم في دول العالم والخليج، خاصة الإمارات، لإثبات براءة الجماعة من التهم الأخيرة في قضية قلب نظام الحكم بالإمارات، لكن الحكومة الإماراتية رفضت مقابلة الشاطر رغم جهود الوساطة التي بذلها مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع لإنجاح اللقاء.
من جانبه حاول الشاطر مرة أخرى التوسط لدى السلطات الإماراتية، من أجل الإفراج عن المعتقلين من الإخوان الإماراتيين لكن الإمارات رفضت وساطة الشاطر، لأن القضية برمتها أصبحت في عهدة القضاء الإماراتي ولا يمكن لأي أحد أن يتدخل في سير العدالة.
قناة السويس
أكد المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في ندوة بجامعة كولومبيا الأمريكية، تحدث فيها عن الثورة المصرية أن مصر تواجه ظروف سياسية وتحديات صعبة، وخصوصًا دعم بعض الدول العربية لبعض العناصر المعارضة للنظام السياسي.
وأشار تشومسكي، إلى أن هناك عدة أسباب تجعل دولة مثل الإمارات تعادي نظام الرئيس مرسي في مصر، و تدعم المعارضة ومنها أن مشروع تطوير إقليم قناة السويس، الذي يتبناه الرئيس المصري محمد مرسي، سيُصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات وخاصة دبي، حيث إن اقتصادها خدمي وليس إنتاجيًا، يقوم على لوجستيات الموانئ البحرية، وأن موقع قناة السويس هو موقع استراتيجي دولي، أفضل من مدينة دبي المنزوية في مكان داخل الخليج العربي، الذي يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران.
وأضاف المفكر الأمريكي، أن حقول النفط في الإمارات تتركز في إمارة أبو ظبي، وأن كل إمارة في دولة الامارات تختص بثرواتها الطبيعية فقط، ودبي هي أفقرها مواردًا طبيعية؛ لذلك فهي تعتمد اعتمادًا كليًا على البنية الأساسية الخدمية، التي تقدمها للغير، ومشروع تطوير قناة السويس سيدمر هذه الإمارة اقتصاديًا لا محالة خلال 20 سنة من الآن.
وأوضح تشومسكي أن الإمارات هي أكثر دولة عربية تعتمد سياسيًا ومخابراتيًا على الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، وخصوصًا بعد بناء المشاريع الخدمية بعد عودة هونج كونج إلى الصين، والنمو الصاروخي لاقتصاديات النمور الأسيوية، وسيضمحل هذا الاعتماد تدريجيًا، حيث إن هذا الاعتماد المخابراتي كان بسبب كمية المبادلات التجارية الضخمة التي كانت تجري على أرض الإمارات.
مسافة السكة
وصف مراقبون زيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات بأنها تأتي في سياق مساع لتشكيل محور مصري – خليجي بمشاركة الأردن يتجاوز مجرد تنسيق المواقف إلى بلورة رؤية إستراتيجية موحدة للأمن القومي العربي تقوم على التزام مصر بضمان وسلامة أمن الخليج.
وقال السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون العربية، إن زيارة السيسي تأتي استكمالا لزيارتين سابقتين إلى السعودية والكويت، ومن المنتظر أن تليها زيارة أخرى إلى البحرين.
وأضاف خلاف "أن كل هذه التحركات الدبلوماسية المصرية في الإطار الخليجي تستهدف تعزيز مفهوم جديد للأمن القومي للطرفين يقوم على وحدة التحديات والمخاطر ووضع آليات مشتركة لمواجهتها.
وأوضح خلاف، في تصريحات لشبكة "إرم" الإخبارية، أن القاهرة أكدت أكثر من مرة أن أي تهديد لأمن الخليج هو تهديد مباشر لمصر، بينما وصلت دول الخليج إلى نفس القناعة بشكل معكوس وهو أن سقوط مصر في قبضة التطرف والفشل يجعل الطريق مفتوحًا أمام المتطرفين لإسقاط الدول الخليجية.
من جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي إن الإمارات قدمت نموذجًا فريدًا في دعم مصر بعد الانقلاب وصل إلى حد استدعاء السفير التركي للاحتجاج على مواقف صادرة من أنقرة ضد القاهرة، فضلا عن التلويح بتجميد استثمارات إماراتية بتركيا إذا لم تتوقف الأخيرة عن انتهاج سياسة معادية لمصر.
وأوضح هريدي أن هذا المستوى غير المسبوق من التضامن يعكس نضجًا في النظر إلى الأمن القومي العربي باعتباره وحدة واحدة تصبح فيها أي مخاطر تهدد الخليج تهديدًا مباشرًا لمصر والعكس صحيح.
وأشار هريدي إلى أن عبارة "مسافة السكة" سوف تكون حاضرة بشكل أو بآخر في مباحثات الرئيس المصري مع مسؤولي دولة الإمارات، فهي عبارة كاشفة ومضيئة لمدى الالتزام المصري بأمن الخليج والذي يتجاوز مجرد سرعة إرسال قوات مصرية للتعامل مع أي تهديد له إلى توفير كافة مقتضيات الأمن القومي العربي بمعناه الأوسع.