شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الليبرالية المصرية المفترى عليها

الليبرالية المصرية المفترى عليها
يختلط على العامة مفاهيم سياسية كثيرة بدأت في الظهور والتداول الإعلامي بكثرة عقب ثوره يناير، ومن أكثر هذه...

يختلط على العامة مفاهيم سياسية كثيرة بدأت في الظهور والتداول الإعلامي بكثرة عقب ثوره يناير، ومن أكثر هذه المفاهيم لغطاً وارتباكا كانت الليبرالية، فخلطها تيار الإسلام السياسي بالعلمانية حتى يستبيحها عند البسطاء، بينما خلطها النظام الديكتاتوري والدولة العميقة بالخيانة والاعتماد على الغرب حتى تكون سيفا مسلطا على كل من يتبناها، وآخرون صنفوا كل من لا يرتبط بالإسلام السياسي بأنه ليبرالي، فضموا للمعنى كل ما هو نقيد لليبرالية بما فيها الاشتراكية بل والشيوعية أيضا!

وأريد هنا أن أوضح حقيقة هذا المفهوم السياسي وخاصة ما أدعي أنه ذو طبيعة مرتبطة بواقعنا الثقافي، فأطلقت عليه مصطلح الليبرالية المصرية، وسوف أستعرض مع حضراتكم في عدة مقالات تاريخ وتحليل لهذه الليبرالية في الحياة السياسية المصرية.

ومن هذا المنطلق سوف نبدأ بكيف ولماذا نشأت الليبرالية المصرية؟

بدأت الحياة السياسية المصرية بمفهومها الحديث في نهايات القرن التاسع عشر مع بداية الحياة النيابية المصرية وقبل الاحتلال البريطاني، وهو الوقت الذي كانت تخضع فيه مصر كسائر العالم الإسلامي آنذاك لنظام الخلافة الإسلامية، ولكن باستقلالية محدودة تغيرت عقب سقوط دوله الخلافة. وبالرغم من هذا فقد مارس المصريون حياتهم السياسية بمفهوم غربي إلى حد كبير، فكانت المؤسسات التشريعية والتنفيذية تتطابق مع مثيلتها في الدول الغربية. وتفاعل الشعب المصري مع الحياة السياسية بصورة اكبر في أعقاب ثوره ١٩١٩ وما تلاها من ثراء في الممارسة  السياسية متمثلا في دستور حديث، وبرلمان يعبر عن طموحات شعبه في إرساء دولة ديمقراطية حديثة ومستقلة.

في هذا التوقيت كانت هناك مؤسسة عريقة مستقلة ذات تأثير كبير على الشعب المصري، وهي الأزهر بعلمائها وعلمها الديني الغزير والمنتشر داخل وخارج القطر المصري، فأصبحت مصر ربما هي الدولة الوحيدة في منطقتها التي تُمارس نموذجا سياسيا فريدا يجمع بين الدولة بمفهومها المؤسسي الحديث من دستور وحياة نيابية وحكومة تعبر عن أغلبية برلمانية، مع وجود مؤسسة دينية ذات ثقل كبير في تكوين الرأي العام.

وحيث إن مصر كانت لا تزال تحت الاحتلال البريطاني آنذاك، فقد نمى اتجاه شعبي قوي يرغب في الاستقلال والحرية ويراها الهدف الوطني الأول في قلوب معظم المصريين. في هذا الوقت كانت الدول الاستعمارية العظمى ومعظم دول الغرب تتمتع بتقدم رفيع في كل المجالات العلمية، والصناعية، والعسكرية، في حين تتبنى داخليا منهج الديمقراطية والحريات، وهي الأدبيات الأساسية في الفكر الليبرالي.

وبما أن الشعب المصري في ذلك الوقت كان متصلا اتصالا مباشرا بالدول الغربية إما من خلال علاقات رسمية على مستوى الدولة، أو علاقات شعبية مباشرة من خلال المهاجرين الأوروبيين لمصر (نعم مصر كانت مقصدا رئيسيا للهجرة من أوروبا)، من هنا بدأ يتعرف الأكثرية من المصريين على المفهوم الليبرالي، بل وتحول ذلك إلى احترام وإعجاب لهذا المفهوم الساعي لحرية الشعوب، ولكن مع تحفظات على الجانب الاجتماعي من المفهوم الليبرالي. والجدير بالذكر هنا أن النخبة المصرية التي أُعجبت بل وتبنت الفكر الليبرالي قبل العامة بفترة كبيرة كانت تضم أزهريين وليس فقط أصحاب فكر مدني، فظهرت كتابات واتجاهات من علماء أزهريين أفاضل تشرح كيفيه التقارب بين الفكر الليبرالي والفقه الإسلامي، ساعدها في ذلك أن الأزهر كان دائماً في استقلاله منارة حقيقية للفكر الديني المعتدل والبعيد عن التشدد والانعزال المجتمعي، ومن هنا بدأت تظهر الليبرالية بمفهومها المصري الخاص الذي تبني احترام الحريات السياسية والاقتصادية والكثير من الاجتماعية أيضا.

وبذلك نستطيع القول إن هذه الليبرالية المصرية تأسست ليس فقط على يد المفكرين والسياسيين المصريين بل وعلماء الأزهر المستقل آنذاك. فكانت ذات طبيعة خاصة احترمت ثقافة شعبها، فاجتذبت معظم أطياف الشعب المصري، فكانت معظم الأحزاب  السياسية آنذاك تتبنى الفكر الليبرالي بدرجات متفاوتة وعلى رأسها حزب الوفد الذي كان يكتسح أي انتخابات شعبيه نزيهة.

وسنوضح في ما بعد كيف أن الليبرالية المصرية رغم شعبيتها لم تتمكن من الحكم أبدا، رغم الادعاءات التي تبناها تيار الإسلام السياسي بذلك، وإنما كانت موجودة بدرجات متفاوتة عبر الحكم، فكانت كلما زادت ارتقت بالدولة وكلما قلت أدت إلى تدهورها.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023