يتجدد السؤال، بتجدد الأحداث، المواقف، إثبات ما كانوا ينكرونه بالأمس، إنكار ما كانوا يثبتونه، هتافهم بسقوط حكم العسكر، أليسوا العسكر الذين تحالفتم معهم، دعوتهم للقصاص للشهداء، ألم يكن ضحايا ماسبيرو ومحمد محمود شهداء؟ الإخوان بدورهم يستدعون أمثلة مثل رابعة، والحرس الجمهوري، والمنصة، إلى آخر هذا الموال الذي لا ينتهي!
لماذا يحتاج المرء أن يحدد موقفه من الإخوان؟، وأي موقف يرتجي، السياسي، أم الأخلاقي، أم النفسي، بقطع النظر عن أي مواقف سلبية، أو إيجابية، أم ماذا؟ إجابتي هي أنه إذا كان النظام يتسلل الآن لإجبار الإخوان على مصالحة، يهدئ بها جزءًا كبيرًا من الشارع، ويكتمل بها تسكين كل الأطراف، ويضمن بها مزيدًا من حقن الأكسجين، والدماء التي تزيد من فرص استمراره وبقائه، فليس أقل من أن نبحث بدورنا عن إمكانية تحقق مصالحة داخلية، داخل الصف الثوري، أو نتأكد أننا لن نفعل إلى الأبد، ونسلم بأننا أضعف من أن نكمل مع هذا النظام، ونتركها للعسكر، ونفضها سيرة.
من هم الإخوان؟ محمد البلتاجي، أم أسماء البلتاجي؟، حسن مالك أم عمر مالك؟، حمزة زوبع، أم حذيفة زوبع؟، أم تراهم: بديع، وعاكف، ومحمود عزت، والشاطر، وبقية العجائز؟
من هم؟ الماضي أم الحاضر أم المستقبل؟، المحافظ، أم الإصلاحي، أم الثوري؟ يحتاج السؤال إلى رغبة حقيقية في الإجابة، وإلا ستتحول الإجابات المختلفة باختلاف أجيال الجماعة، وأزمنتها، وانحيازاتها، إلى محاولات أيديولوجية مستميتة لإثبات وجهات نظر معدة قبلًا، وهنا يفقد السؤال والإجابة معًا أي معنى أو قيمة.
من هم الإخوان؟ الإجابة في تصوري تحتاج إلى أسئلة أخرى، من نوعية، متى؟، الإخوان لحظة الثورة، هم دون شك، أسماء، وعمر، وحذيفة، الإخوان لحظة التفاوض، هم بلا شك بديع، وعاكف، وعزت، والشاطر، الإخوان لحظة الانتخابات هم الجميع، أجداد، وآباء، وأبناء، الإخوان لحظة رابعة هم الجميع، الإخوان بعد رابعة؟ لا أعلم على وجه التحديد، لكن ما أثق به هو أن الثمن الأكثر فداحة كان من نصيب جيل الثورة.
من هم الإخوان؟ الإجابة ما لا زالت تحتاج إلى المزيد من الأسئلة، أين؟ في مكتب الإرشاد، أم في الميادين، أم في السجون، أم في ما يسمى بالتنظيم الدولي، أم في الإعلام، أم في الجزيرة، أم في قطر، أم في تركيا، أم في لندن، أم في كرداسة، أم في جامعة الأزهر، أم في نادي الجزيرة، والصيد، والشمس، أم في إمبابة، وغيط العنب، وشارع الأربعين، أين؟
الإخوان، ليسوا حزبًا سياسيًا عاديًا، له أفكار واضحة ومحددة، وانحيازات اقتصادية، وسياسية واضحة، وليسوا طبقة اجتماعية واحدة، وليسوا جماعة مصالح يجمعهم هدف مادي واحد، يمكننا أن نرصدهم جميعًا من زاويته، أو ننظمهم في عقده، كما أنهم ليسوا أصحاب مشروع واحد، رغم دعاوى ما يسمى بالمشروع الإسلامي، ذلك الذي لن يستطيع خمسة من أعضاء جماعة الإخوان في بيت واحد أن يجدوا لماهيته إجابة واحدة، ولو كانوا أفراد أسرة واحدة، تعيش في بيت واحد، أب وأم وأولاد، وبنات!
نحن أمام دولة، داخل الدولة، حاولت الجماعة جهدها أن تحشد أفرادها حول هدف واحد، وتوحد من شعورهم القومي ضد عدو واحد، تمامًا كما تفعل الدول في أوقات الحروب، كان الهدف طوال ثمانين عامًا هو الدولة الظالمة، التي تضطهد الإسلاميين، وتسجنهم، وتعتقلهم، ولا تسمح باقتسام السلطة، ولا تسمح بانتخابات نزيهة، ولا تسمح بالديمقراطية، ولا تسمح لهم بتأسيس حزب، أو جمعية أهلية، أو أسرة رسمية داخل الجامعة؛ بل لا تسمح لهم ببعض الأنشطة الاجتماعية التي تصل أحيانًا لتعليق زينة العيد أمام بعض المساجد الكبيرة!
الظلم إذن كان التحدي الذي يستدعي الاصطفاف خلف هدف واحد، يجمع بين الفرقاء، فكرًا، وسلوكًا، وتربية، ويوحد شعورهم، ووجدانهم، وهي مظلومية مستحقة، كان المصريون جميعًا يعانون منها، ونال الإسلاميون منها نصيب الأسد، ذلك للفارق بين نسبة حضورهم، وتأثيرهم في المشهد المقاوم لهذه الأنظمة، وبين بقية الفصائل التي لم تحرم بدورها من نصيب يتناسب مع نسبة حضورهم، وكلنا في القهر معارضة.
من هنا يتحدد الموقف من الإخوان، بالإجابة على: أي إخوان؟، متى؟، وأين، والأهم: لماذا؟ أي إخوان: الموجودون في الشوارع يواجهون الرصاص الحي بصدورهم العارية من أجل حلم الحرية، متى: الآن، أين: في مكتب الإرشاد، وفي صفوف المتظاهرين على السواء، لماذا: لأننا نريد أن نفهم، لعلنا ننجز.
ما أراه، ويراه غيري، بشكل واضح، أن الشباب في الشوارع والميادين الآن، أغلبهم من الصف الثوري، ذلك الذي تشكل وعيه مع يناير ونضج مع أحداثها المتعاقبة، أخطأ وأصاب مثلما فعلنا جميعًا، ولم يشأ يومًا، بل لم يحاول، أو يرضى أن ينفصل عن هذا الصف، وهم من يقود حركة الشارع ويوجهها، وهم من يفرض رؤيته حتى على شخوص الكيانات الرمزية التي تقوم مقام المعتقلين في الإرشاد، بل وهم الذين ينتظرون أن تمر الأزمة، وتضع أوزارها كي يعيدوا تشكيل جماعتهم بما يتناسب مع رؤاهم، وزمانهم، وحجم تضحياتهم، وحجم ما ورطه فيه قياداتهم.
أتحدث حديث المتابع، المتحري، لا حديث المؤدلج، الذي يصم أذنه عن كل تغير، أو تحول حقيقي يعتري كيانًا بحجم الجماعة الأكبر في تاريخ الحركات الإسلامية، وهي في مخاض أكثر تجاربها قسوة، وصدمة، وعنفوانًا، وفرزًا، ويجري ليتشبث ببوست هنا، أو حلقة يقدمها موتور هناك، الحدث أكبر من أن يستوعب، ثمة من يقدم التضحيات، وثمة من يحصد المكاسب، إلا أننا نسأل عما يخصنا، نحن أبناء هذه الثورة، هنا والآن، لنتخذ موقفًا واضحًا، بالاصطفاف، والتعاون، أو بالانفصال، والفراق، وإذا كان من موقف حيال جيل “أسماء”، وما يقدمونه على الأرض، أخلاقي وسياسي، ونفسي، فهو الموقف الإيجابي، المتضامن، المصطف، المؤيد، المكمل، معهم، وبهم، إلى حيث نستطيع، ونقدر، وكما أن التيار المدني ليسوا سواء، فالإخوان بدورهم ليسوا سواء، فَهم من فَهم، وتغابى، واستلوح، من تغابى.
لمن يسأل عن موقف واضح: وفقًا لكل ما سبق، موقفي: معهم.
نقلا عن صحيفة التقرير