المراجعات مطلوبة من الجميع؛ فما حدث في مصر في السنوات الخمس الأخيرة جسيم، والأوْلون بالمراجعة هم المثقفون وقادة الرأي والمعنيون بالثورة والديمقراطية والحريات.
ومن هنا، يأتي تقديم هذه السطور قراءة نقدية غير حزبية في مقالات الروائي المصري علاء الأسواني في العام التالي للانقلاب، وهو الكاتب الشهير الذي يقرأ له ويتابع كتاباته مئات الآلاف، وربما الملايين، ولا يُنسى أنه يوقع مقالاته بشعار “الديمقراطية هي الحل”. وهنا قراءة نقدية في مقالاته، وفقًا لمعايير الديمقراطية والحريات التي يرفعها الأسواني دائمًا، وخصوصًا من يونيو 2013 وحتى يونيو 2014، الفترة التي شهدت الانقلاب العسكري على تجربة الحكم الديمقراطي في مصر، معتمدين أساسًا على مقالات الأسواني في صحيفة “المصري اليوم” المصرية.
الواضح من مراجعة تلك المقالات أن خصومة الأسواني السياسية مع “الإخوان المسلمين” والسلفيين أوقعته في مزالق خطيرة، في العام التالي للانقلاب العسكري؛ في مقدمتها دعم دستور لجنة الخمسين، على الرغم من رفضه مادة المحاكمات العسكرية، ومشاركة الأسواني في انتخابات الرئاسة التي جاءت بقائد الانقلاب العسكري رئيسًا، على الرغم من أن الأسواني كان يراها غير ديمقراطية، ففي 19 مايو 2014 كتب الأسواني في مقاله “ملاحظات على العرس الديمقراطي…!”: “بسبب الانتخابات غير الديمقراطية، وعودة الدولة القمعية والتشويه الإعلامي المستمر لشباب الثورة، واتهامهم بالخيانة وإلقائهم في السجون، قرر كثيرون منهم أن يقاطعوا الانتخابات أو يبطلوا أصواتهم… مع احترامي لهذا الموقف فأنا أختلف معه… أولًا، لأن إقبالنا على التصويت في هذه الانتخابات، بغض النظر عن مدى ديمقراطيتها، سيكون رسالة واضحة بأن ما حدث في 30 يونيو موجة ثورية، تمثل إرادة الشعب، وليس انقلابًا عسكريًا، كما يروج الإخوان”.
وهكذا يبدو أن خلاف الأسواني السياسي مع “الإخوان” أوقعه في فخ التناقض مع مبادئه، والحشد لمواقفه، بغض النظر عن المبادئ التي تقوم عليها، ونركز في هذا المقال على أحد المزالق التي وقع فيها الأسواني، بسبب خصومته مع “الإخوان”، وهو فخ ترويج الكراهية.
فعلى الرغم من أن التعبير عن الكراهية أمر سلبي للغاية ومرفوض، ولا يليق بروائي معروف، كالأسواني، لما يترتب عليها من تبعات خطيرة، نجد أن الأسواني يستخدم لفظ الكراهية ضد “الإخوان” صريحًا، في مقاله “كيف للرئيس أن ينام؟” في 17 يونيو 2013؛ حيث كتب: “الشعب أصبح يكرهك يا مرسي، ويكره الإخوان، الشعب اكتشف حقيقتكم يا تجار الدين”، بل ينخرط الأسواني في التمييز والوصم والتشويه في حق جماعة الإخوان المسلمين، وأعضائها بشكل صريح أيضًا، حيث كتب في 24 يونيو في مقاله “انفجروا .. أو موتوا”: “الإخوان ليسوا حزبًا سياسيًا ولا حتى جماعة دعوية، وإنما هم طائفة دينية سرية فاشية، تربى أبناؤها على التعصب والإحساس بالتفوق على الآخرين واحتقارهم، والاستهانة بحقوقهم، وبالتالي، يكونون على استعداد لارتكاب كل الجرائم، بدءًا من الكذب والحنث بالعهود حتى القتل، كل شيء مباح لديهم، ما دام يحقق مصلحة الجماعة”.
وهكذا، يرتكب الأسواني أكثر من خطأ، لا يليق بكاتب معروف، يؤمن بالمنطق الديمقراطي القائم على الحقوق والحريات الفردية والجماعية، فهو يصِم أعضاء جماعة كاملة قد يقدرون بمئات الآلاف بالكذب، و”الاستعداد لارتكاب كل الجرائم”، ويصفهم بالفاشية، على الرغم من أن الفاشية ظاهرة سياسية ترتبط بظروف تاريخية خاصة، تختلف كثيرا عن ظروف بلادنا.
وللأسف، كراهية الأسواني الصريحة “الإخوان المسلمين” قادته إلى مزالق أخطر تعد نموذجًا لتبعات خطاب الكراهية المعروفة في العالم، ففي 16 سبتمبر 2013، جاء في مقاله “من يعرف إسكندر طوس؟” على أحداث عنف طائفية وقعت خلال تلك الفترة في قرية دلجة، وكتب: “سكان قرية دلجا 120 ألفًا، يبلغ عدد الأقباط 20 ألفا والباقون مسلمون، وهم ليسوا مسلمين عاديين، وإنما معظمهم من أنصار الإخوان المسلمين، كانوا يؤمنون بأن محمد مرسي هو الخليفة المنتظر. أنصار الإخوان في دلجا جميعًا مسلحون، بمن فيهم النساء وأحيانا الأطفال”. هكذا تحول الأسواني لمحقق وشرطي وقاض، بل وصل الأمر به إلى اتهام نساء قرية كاملة، وأحيانا أطفالها، بأنهم “مسلحون”.
ومن أسوأ نتائج الكراهية المعروفة الدعوة إلى العنف والتأليب عليه وإنكار الجرائم التي ترتكب ضد الجماعات، وهو للأسف الشديد ما وقع فيه الأسواني أيضا، ففي 19 أغسطس 2014، وبعد مذبحة ميدان رابعة العدوية التي وصفتها منظمة هيومان رايتس واتش بأنها قد تكون أكبر جرائم القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث، وقد ترتقي إلى جريمة ضد الإنسانية، كتب الأسواني في مقال “من يخذل مصر؟”: “فقط نذكر أن الإخوان رفضوا كل الحلول السياسية التي قدمت إليهم، ورفضوا الإنذارات المتكررة لفض الاعتصام، ورفضوا الخروج في الممرات الآمنة التي وفرتها الشرطة لهم، كما أنهم بدأوا بإطلاق النار على رجال الشرطة، فسقط منهم أربعة شهداء، قبل أن يقوم زملاؤهم بتبادل النيران مع المعتصمين المسلحين. إذا كانت الشرطة قد استعملت القوة المسرفة، ما زاد من عدد الضحايا، فلا بد من محاكمة الضباط المسؤولين عن ذلك، لكننا، في النهاية، لسنا أمام جريمة قتل للمتظاهرين السلميين، كما حدث في ثورة يناير، وإنما نحن بصدد مواجهة بين الدولة وإرهابيين مسلحين، يسقط فيها ضحايا من الطرفين، وتكون المسؤولية الأولى على عاتق من رفع السلاح في وجه الدولة”.
وهكذا تحول الأسواني لمحقق في حادثة كبرى، هي بمثابة مذبحة لم يكن قد مرّت عليها أيام، حادثة قتل فيها مئات المصريين. فورًا، أدرك الأسواني أن “الإخوان” هم من رفعوا السلاح أولا، وصدّق تمامًا الرواية الأمنية، وقدم تبريرات لما حدث، وألقى بالمسؤولية على الضحايا أنفسهم. لذا، لم يكن مستغربًا أن يرحب الأسواني بجهود السلطات الحاكمة في التغطية على الانتهاكات التي حدثت، وفقا لمعايير حقوقية وتقارير منظمات حقوقية دولية، يستشهد بها الأسواني في مقالاته، حيث كتب في مقاله في 26 أغسطس 2013 “أخطاء فادحة وسط المعركة”: “كنا نتوقع من الحكومة المصرية أن تنشط إعلاميًا، لكي تقدم حقيقة ما يحدث في مصر إلى ملايين الغربيين. ولكن، للأسف باستثناء المؤتمر الصحفي الناجح الذي عقده الدكتور مصطفى حجازي، مستشار الرئيس، فإن الأنشطة الإعلامية التي قدمتها الحكومة لم ترق إلى الأداء المطلوب، في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر.”
وللأسف، لم يكن “الإخوان” وحقوقهم وحرياتهم الضحية الوحيدة لمنطق الأسواني القبلي، وكراهيته لهم، فالضحية الرئيسية الأخرى كانت الديمقراطية نفسها، فصراع الأسواني مع “الإخوان” جعله ينسى كثيرًا من مبادئ الديمقراطية، وخبرة الثورة المصرية، ففي 8 يوليو 2013، أو بعد أيام قليلة من الانقلاب العسكري، كتب الأسواني في مقاله “ملاحظات صريحة على مشهد رائع”: “تغيرت قيادة الجيش، وأثبتت لنا القيادة الجديدة أن حرصها على مصلحة الوطن أكبر من مراعاتها الضغوط الدولية، أو تواؤمها مع جماعة الإخوان، كما أن جهاز الشرطة قد استوعب درس الثورة، ورفض آلاف الضباط أن يتم استعمالهم مرة أخرى لحماية نظام استبدادي، توحدت أجهزة الدولة جميعًا مع الشعب، لتنفيذ عملية تحرير مصر من الإخوان… الجيش غير راغب في الحكم، وقد ساند الشعب لتحقيق إرادته بدافع وطني خالص”.
واستمر علاء الأسواني في دفاعه عن النظام الجديد شهورًا، للتأكد من هزيمة “الإخوان المسلمين”، وإحباط منطقهم ومساعيهم، وإنجاح مسار يرى الأسواني أنه يحقق أهداف الثورة والديمقراطية، لم تتوافر فيه ضمانات أساسية للتحول الديمقراطي، كما حذرت أصوات داخلية وخارجية كثيرة لم ينصت لها الأسواني في ظل صراعه السياسي مع الإخوان والسلفيين، حتى تبين له نفسه تباعًا أن شيئًا لم يتغير. ويبقى السؤال: كيف وقع مثقف مؤثر كالأسواني في كل تلك الأخطاء؟ وكيف يمكن حماية المثقف من الوقوع في مزالق خطيرة، بسبب الصراع السياسي؟