سلط الكاتب “ليونل بيهنر”، المحاضر بالأكاديمية الحربية الأميركية، الضوء على حروب الوكالة وتطبيق ذلك على الحرب الدائرة في سوريا كنموذج.
وقال الكاتب -في تقرير منشور عبر مجلة “فورين أفيرز”-: إنه في الوقت الذي سمحت فيه الولايات المتحدة للصواريخ المضادة للطائرات أن تشق طريقها إلى المتمردين في سوريا، تقوم الطائرات الروسية بضرب المتمردين أنفسهم، ويبدو من السهل وصف حروب الوكالة.
ويرى الكاتب أن هناك العديد من الخرافات تحاك حول الحرب الدائرة الآن في سوريا؛ منها:
أولًا: وصف المستنقع السوري بأنه حرب وكالة يوحي بأن الصراع بشكل أساسي بين القوى الكبرى في المنطقة وخاصة بين إيران والسعودية.
ثانيًا: قد يعني ذلك أن الصراع سينتهي بصفة رئيسية من جانب قوى خارجية تطرح خلافاتها على الطاولة.
ثالثًا: يشير هذا المصطلح “حرب الوكالة” إلى أن الصراع يتضمن مخاطر عالية، وهو ما يعقد الوصول إلى التسوية.
ويضيف”بيهنر”، “كما تعلمنا من حروب الوكالة السابقة، فإن هذه الافتراضات الثلاثة خاطئة، ومن أجل إنهاء الحرب الدائرة في سوريا فإن كل الأطراف عليها أن تعلم ما هي حرب الوكالة، وحرب الوكالة لا تنطفئ بأعجوبة وإنما تتطلب بعض المحاولات التي تبذل من أسفل لأعلى لصنع السلام بين المقاتلين المحليين وإن لم يحدث ذلك فهناك تغيير جذري يحدث تتحول فيه الحرب إلى صراع على السلطة”.
ويتابع: “مصطلح الحرب بالوكالة يستحضر صور الحرب الباردة عندما استخدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ولاعبون محليون آخرون المقاتلين المحليين كرهائن على رقعة الشطرنج الجيوسياسة، وفي فترة ما كان هناك العديد من حرب العصابات في أميركا اللاتينية التي تحولت إلى صراع فعلي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كما سبق في أنجولا، وتشاد، وفيتنام، وكما كان من غير المعقول في ذلك الوقت أن تدخل روسيا وواشنطن في حرب تقليدية، فإنه من الصعب أن نتخيل الآن ذلك، وفي الحقيقة فإن حرب الوكالة هي السائدة عندما تكون الحرب التقليدية عالية التكلفة.
واستطرد الكاتب -في تقريره-: “تندلع حروب الوكالة على أراضي الدول الفاشلة أو الضعيفة في الدول التي يسهل اختراق حدودها، وتشل الدول الهشة في إخماد التمرد دون دعم خارجي والمتمردون لا يستطيعون تحدي الدول وحتى الضعيف منها دون أسلحة من الخارج أو ملاذ عبر الحدود، وبسبب هذه الديناميكيات فإن حروب الوكالة تميل إلى حروب طويلة الأمد تؤججها القوى الدولية بشكل أكبر مما تسببه المظالم التي يتعرض لها مواطنو الدولة، ويقوم المتحاربون المحليون باللعب لصالح داعميهم الخارجيين وليس العكس، ويقومون بضبط الرسائل التي يطلقونها لتتماشى مع القوى الإقليمية الكبيرة، وهو ما يخلق حرب استرضاء لهذه القوى بين الفصائل المتحاربة”.
وأردف: “سلسلة الانتكاسات العسكرية في 2012 والمبالغة في زيادة التهديد الجهادي، دفع إيران وروسيا إلى إرسال المزيد من الأسلحة والأموال وحتى جنود المشاه، لكن مثل هذه الأسلحة ذهبت أيضًا في اتجاه محاربة المسيحيين والأكراد والمسلحين المحليين الآخرين، وبالمثل يستطيع المتمردون السوريون تأمين تدفق مستمر للأموال والأسلحة والمساعدات الأخرى من الخليج مع زيادة الشحن الطائفي، وسابقًا أطلق جنود البعث والمتمردون العلمانيون لحاهم من أجل التنافس مع أقرانهم المتمردين من أجل الحصول على الدعم الخارجي”.
وأشار التقرير إلى أن دوافع المتمردين في سوريا ومعظم هؤلاء -باستثناء تنظيم الدولة- دافعهم شخصي وأثبت مسح أجرته جامعة “ميريلاند” أن الدافع الأساسي هو الانتقام، وتغيير النظام وليس دافعًا دينيًا أو قضية إقليمية كبيرة.
وبين الكاتب أن هناك خرافة أخرى عن حروب الوكالة والحرب السورية؛ هي كيف ستنتهي؟ إذ يزعم البعض أنها ستنتهي عندما تشعر القوى الدولية (أميركا وروسيا) والقوى الإقليمية (إيران والسعودية) أن أفضل شيء لمصلحتهم هو إنهاء الحرب، لكن بعض الحروب من الممكن أن تستمر مع استمرار دعم خارجي قليل، وهو ما حدث في الصومال؛ إذ استمرت الحرب على الرغم من نقص الرعاة من القوى الكبرى.
رفض الكاتب ما يروج له البعض من أن خسارة حروب الوكالة تؤدي إلى مخاطر كبيرة على الدول الكبرى؛ فعلى سبيل المثال لو سقط نظام الأسد غدًا لن يتأثر موقف روسيا دوليًا بشكل كبير وهو الشيء نفسه بالنسبة للولايات المتحدة.
ويرى أن حرب الوكالة تنتهي عندما يستحوذ أحد الجانبين على السلطة ويستطيع هزيمة الآخر عسكريًا أو عندما يقرر الطرفان أن من مصلحتهم إنهاء الحرب وهو ما حدث في “أنجولا” و”فيتنام”.
وختم: “بالنسبة لسوريا، فإن الحرب ستنتهي عندما يحدث تغير كبير في ميزان القوى لصالح أحد الأطراف (وهو أمر مستبعد) أو عن طريق اتفاق حقيقي يضم الأطراف المتحاربة”.